آيات عرابي تكتب |أمطار التجمع الخامس!!

 

لم تكن قصة غرق مدينة التجمع الخامس في مياه الأمطار هي الحادثة الأولى خلال السنوات التي تلت الانقلاب. فقد سبقتها مناطق الزعفرانة وكفر الشيخ والبحيرة والاسكندرية. في كل مرة تصيب السيول منطقة من مناطق مصر اتذكر أفضل وأصدق تعبير قيل في وصف مصر تحت حكم العسكر ” أشلاء دولة ” !

الجديد في موضوع التجمع الخامس أن المدينة تعتبر من المناطق الراقية التي يقطنها الأغنياء وأنها تسمى شعبياً حي الوزراء. والكوميدي هنا أن الافتقار إلى البنية التحتية وإلى نظم تصريف المياه والتعامل مع الأزمات ليس سمة مميزة فقط للأحياء الأقل غنى بل هو طابع عام لمصر كلها. والجديد هنا أنه لم تعد هناك أحياء مستثناة من وصف ” أشلاء دولة ” فالعسكر يوزعون الإهمال وتداعي البنى التحتية على الجميع دون تمييز سواء كانوا من قاطني الأحياء الغنية أم غيرها.

أتذكرون تلك الصورة التي تظهر رجلاً القوه خارج مستشفى لأنه لا يجد ثمن العلاج, وتلك الصور التي تظهر سيارات غاطسة في مياه الأمطار في الاسكندرية أو شوارع اصبحت مسابح في التجمع الخامس لعدم وجود نظام تصريف لمياه الأمطار, وتلك السيول التي تكتسح أمامها جدران المباني ؟

هل تذكرون الصورة الشهيرة للرجل الذي يقف في منزله بالاسكندرية مستنداً في أسى إلى المبرد بينما تصل المياه إلى ركبتيه ؟
هذه مشاهد من مصر الحقيقية المختبئة تحت ركام من الوعود والفحيح الاعلامي الذي لم يتوقف منذ ستة عقود.

لابد أن أي شخص يمتلك ذاكرة مترابطة تتابع الأحداث في مصر, سيصاب بخيبة الأمل من غزارة الوعود التي انسالت على ألسنة حكام مصر من العسكر منذ انقلاب يوليو 1952. واذا تابعت وعود العسكر خلال الستين سنة الماضية لن تجد الا السراب. لن تجد الا مجموعة من الصور والوعود التي تشبه فقاقيع الصابون التي تظهر ثم تختفي لتظهر فقاقيع غيرها وكأنما الناس أمام شاشة تعرض مشاهد تتبدل كل لحظة, وكل مشهد يذهل الناس عن مناقشة المشهد الذي سبقه, ويمكنني ان الخص لك مصر في عدة صور, فهناك مثلا تلك الصورة التي نشرتها الصحف في مصر لعبد الناصر وهو يقف متطلعاً داخل منظار ما لشيء ما في بناء ما وهو يرتدي معطفاً أبيض يحيط به من يرتدون المعاطف البيضاء وهم يقفون في مفاعل انشاص, والذي لا يعرف أحد على وجه ما وظيفته ولا ما فائدته. بل ولا تعرف لماذا المعاطف البيضاء التي لم يكن من الممكن أن تحميهم من الإشعاع مثلاً, اللهم الا اذا كانت تلك المعاطف لإضفاء جو من الرهبة والجدية على المشاهد لإبهار المشاهد المسكين.

هناك أيضاً تلك الصفحة من جريدة في العهد الناصري تحدث الناس عن تدشين وكالة الفضاء وعن السباق مع الدول العظمى وهناك تلك الصورة التي ينظر فيها عبد الحكيم عامر إلى السماء باتجاه صاروخ وفوق الصورة عنوان عن صواريخ الظافر والقاهر التي قالوا للناس أنها ستجعل من مصر قوة مرهوبة الجانب.

ومن نافلة القول أن مصر التي وعد العسكر سكانها في الستنيات وهم يرتدون المعاطف البيضاء أنها سوف تصبح دولة نووية, غير قادرة منذ عقود على التغلب على مشكلة العشوائيات بلا ولا يوجد فيها نظام لتصريف مياه الأمطار. وأن مصر التي وعد العسكر سكانها أنها سوف تنافس الدول العظمى في مجال الفضاء, جاءت في المركز الأخير على دول العالم في التعليم.

اللطيف ان الكثيرين تذكروا وعود عسكري الانقلاب باقامة شبكة طرق حين غرقت منطقة التجمع الخامس منذ يومين في مياه الأمطار.

لا ريب أن قشرة الوعود البراقة قد زالت وظهرت تحتها صورة “أشلاء دولة” تلك التي تغرق في مياه الأمطار.

دولة لا نفذت وعودها ولا وفرت حتى الاحتياطات الطبيعية للتعامل مع الأزمات.

دولة لا تفعل سوى أن تمارس الحكم على شعب مغلوب على أمره حتى دون أي مقابل.