بداية وقبل أن أتحدث عن رفض طالبان للوجود التركي وأسبابه، أود توضيح كيف ولماذا بدأ احتلال امريكا لأفغانستان وأهدافه لنفهم سويا أسباب الانسحاب الأمريكي ليس من أفغانستان فقط بل ومن العراق ومن بعض الأماكن الأخرى الملتهبة في منطقة الشرق الأوسط وهذا ان دل على شيئ فيدل على تغير موازين النظام العالمي وأن النظام العالمي الذي تشكل عقب إسقاط الخلافة وتشكلت مؤسساته عقب الحرب العالمية الثانية على وشك الاندثار
الأمر يتعلق بإعادة تشكيل الخريطة السياسية العالمية المعمارية بما يتوافق ومرحلة إسرائيل الكبرى وضمان الأمن والسلام في المنطقة، بالإضافة إلى صناعة تكتلات عالمية جديدة، وأيضا للتخلص من التبعات الاقتصادية التي تكبدتها أمريكا جراء وجود قواتها في أفغانستان والعراق
فالنظام العالمي الذي ترأسته أمريكا من خلال حلف الناتو ( أو معنى أدق المعسكر الرأسمالي الغربي) والذي استطاع تحجيم حلف وارسو (الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية) عبر عقود والذي انتهى دوره عمليا بانهيار الاتحاد السوفيتي كما شهدنا، هو نفسه على وشك الانهيار بعد بروز قوى أخرى عالمية تضاهي قوة أمريكا
فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي اعتقدت الولايات المتحدة الأمريكية أنه بإمكانها السيطرة على العالم بأسره وبدأت تتعامل مع الدول التي كانت تقع تحت النفوذ السوفيتي على أنها تركة مستحقة وبالتالي بدأت بفرض قوتها على مناطق النفوذ السوفيتي لتنفرد الولايات المتحدة بحكم العالم ولتدور جميع الدول في فلك السيد الجديد للعالم ولذلك كان لابد من مد نفوذها عسكريا بعيداً عن أذرعها المعروفة وبعيداً عن عملائها لتنزل الساحة العسكرية بنفسها ولذلك رأينا الاحتلال الفعلي للعراق وأفغانستان، بعد أن كان وجود أمريكا يقتصر فقط على قواعد عسكرية هنا وهناك
مرحلة الانسحاب الأمريكي وبعيداً عن النواحي الاقتصادية ومن وجهة نظر أمريكا التي يتم تسويقها للبعض، يتعلق بمحاولة تحييد طالبان الموالية لإيران (حسب ما يصوره الإعلام عن طالبان- وهو تصور غير حقيقي) وبالتالي تضمن أمريكا عدم اتخاذ طالبان أي موقف ضد أمريكا في حالة نشوب أي حرب بين أمريكا والصين أو بين أمريكا وإيران كما يتوقع البعض (وهو احتمال ضعيف في وجهة نظري) وهذا هو أحد الجوانب، والدليل على كلامي أن امريكا لا تنسحب فقط من أفغانستان والعراق، بل تقوم بإعادة تمركز قواتها وقواعدها لخدمة خريطة إسرائيل الكبرى التي قاربت على الانتهاء ولذلك شهدنا انسحابها من قطر وإعادة التمركز في الأردن
كيف احتلت أمريكا أفغانستان والعراق
في عام 1979 قام الاتحاد السوفيتي الذي كان يخوض حربا باردة مع أمريكا (حسب ما يدرسونه لنا في التاريخ) بغزو أفغانستان وفي ذلك الوقت كانت أمريكا لا تزال تعاني من آثار حربها في فيتنام التي حاربت أمريكا بكل قوة بدعم من الاتحاد السوفيتي، ولذلك قررت أمريكا تسليح مجموعة من الأفغان (المجاهدين) لمحاربة السوفيت والتي استمرت عشرة سنوات تكبد فيها الاتحاد السوفيتي خسائر فادحة وبالفعل بدأ السوفيتيين بالانسحاب من أفغانستان
بعد خروج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان بدأت تدب الانقسامات الممنهجة والمنظمة بين الحكومة الشيوعية الضعيفة وبين الجهاديين الذين تركتهم أمريكا وهنا بزغ نجم حركة طالبان التي حققت انتصارات كبيرة على الحكومة الأفغانية وسيطرت بعد تحالفها مع تنظيم القاعدة على جل أفغانستان
وهنا ظهرت خطورة امتداد فكر طالبان إلى سائر المنطقة فكان لابد لأمريكا من محاربة الفكر الإسلامي تحت مسمى جديد وهو محاربة (الإرهاب) ولذلك أيضا كان لابد من وجود مبرر تسوقه أمريكا للداخل الأمريكي حتى يسهل استصدار قرار من الكونجرس الأمريكي بالموافقة على احتلال أفغانستان، ولذلك تم تدبير عملية ضرب برجي التجارة العالمي التي أتهم فيها تنظيم (القاعدة) وعلى الفور بدأ الإعلام العالمي يجهز العالم للحرب الجديدة والتي ستبدأ في أفغانستان وتمتد إلى العراق
والحقيقة أن الموضوع كان له شقان
الشق الأول هو محاربة الإسلام السياسي الذي يهدف إلى اقامة دول ذات حكم إسلامي
الشق الثاني هو تحويل المنطقة بالكامل إلى معسكر أمريكي، على الرغم من الوجود الفعلي للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة بعد أفول النجم البريطاني إلا أن أمريكا آثرت القيام بغزو أفغانستان والعراق لترسيخ عهد جديد من الهيمنة العسكرية الأمريكية وفرض نظام عالمي جديد تكون الكلمة الأولى فيه لأمريكا ومن خلفها إسرائيل
بدأ احتلال امريكا لأفغانستان بحجة محاربة تنظيم القاعدة وقائده حينئذ أسامة بن لادن وكان ذلك عقب أحداث سبتمبر وكان هذا هو السبب المعلن لاحتلال أفغانستان بينما كانت حجة احتلال العراق هو الملف النووي الذي شارك فيه المجرم البرادعي، بينما هذه مجرد أسباب واهية إذا نظرنا لها على محمل التحليل السياسي لأن الهدف الحقيقي وراء احتلال العراق وأفغانستان كما وضحت، كان فرض النظام العالمي الجديد بالقوة وفرض أمريكا لبقائها عسكريا مما كلفها مليارات المليارات فمنذ الاحتلال الأمريكي لأفغانستان فقط خسرت أمريكا ما يزيد على 2.26 تريليون دولار وبالفعل في غضون أسابيع قليلة سيطرت أمريكا على أفغانستان وظنوا أن الحرب انتهت ظنا منهم أن (المجاهدين) كما كانوا يطلقون عليهم (صنيعة أمريكا) ولكن الحقيقة أن أمريكا فقط مدتهم بالسلاح لمحاربة السوفيت لكنها لم تصنع لهم عقيدتهم ولذلك لم يقبلوا بوجود المحتل الأمريكي واستمرت الحرب مع أمريكا ما يقرب من عقدين
وعلى عكس ما يروج المغفلون الذين يعتقدون أن سياسة الحزب الديموقراطي الأمريكي تختلف عن نظيره الجمهوري ، شهد عهد باراك أوباما زيادة كبيرة في عدد القوات الأمريكية في أفغانستان حتى وصلت سيطرتها لأماكن كانت مستحيلة من قبل ولكن ما لم تحسب حسابه أمريكا هو عقيدة (حركة طالبان) القتالية التي ظهرت جلية في عدم قبولهم بالهزيمة بسهولة، والتي تستند على مقاومة المحتل أيا كانت جنسيته.
ما لا يعلمه البعض عن الأفغان هي طبيعتهم المقاتلة، فإحدى أكبر الهزائم التي تكبدتها بريطانية حين كانت امبراطورية كبرى كانت على يد الأفغان عام 1842 ، لأن على الرغم من فقر افغانستان إلا أن موقعها الجغرافي بين روسيا و مستعمرات بريطانيا وعلى رأسها الهند منحها طبيعة خاصة، وجعلها مطمع المحتلين وقتها، ولأن شركة الهند الشرقية كانت تخشى من قيام روسيا باحتلال أفغانستان والذي يعني بطبيعة الحال تطويق الهند، قامت بريطانيا بإرسال أحد كبار مستكشفيها وهو “ألكسندر بيرنز “عام 1836 لدراسة طبيعة أفغانستان وتضاريسها ومحاولة عمل تحالف مع حاكم أفغانستان حينذاك “دوست محمد” ومحاولة اجتذابه بوعود مالية نظير تخليه عن التقارب مع موسكو، المهم وبدون الدخول في تفاصيل، كانت بريطانيا قد أعدت العدة لغزو أفغانستان، وبعد أن سيطرت بريطانيا على أفغانستان عام 1838 وبعد أن استقر لهم الوضع بعد إزاحة “دوست محمد” وتنصيب عميل لهم، خرج الأفغان في ثورة عارمة وقتلوا المستكشف البريطاني وعلقوا جثته على سيخ حديدي ما سبب الذعر للقائد الإنجليزي “ماكنتان” الذي أرسل مبعوثاً لقائد القبائل التجليزي “محمد أكبر خان” وهو ابن “دوست محمد” الحاكم الذي خلعه الإنجليز، وعرضوا عليه مساعدات مالية كبيرة و تنصيبه حاكما على أفغانستان مقابل تعاونه مع الانجليز لسحق ثورة الافغان، فما كان من أكبر خان إلا أن خدعهم في البداية ثم قال لهم أنه لن يخون قومه، وتم قتل وتعليق “ماكنتان” على سيخ مثل الذي علق عليه المستكشف البريطاني، وبدأ بعدها البريطانيون في الانسحاب بعد أن تكبدوا خسائر فادحة بسبب بسالة الأفغانيين والتي تكررت مجدداً بعد هذه الواقعة بحوالي ثلاثة عقود في معركة مايواند الشهيرة
ولذلك ليس غريبا على أعضاء حركة طالبان أن يقاتلوا الجنود الأمريكيين على مدار السنوات الماضية، فلولا قوة عزم طالبان لما تم هذا الانسحاب الذي سيسهم بشكل كبير في تعديل موازين القوى العالمية
الأفغان عموما وليس حركة طالبان فقط أصحاب مدرسة علمية تتبع جامعة ديوبند والمذهب الماتريدي في العقيدة وليسوا سلفيين أو إخوان، فهم في العقيدة أحناف
ومهم جداً أن يعلم الجميع أن حركة طالبان يبدو أنها لم تتعرض لحركات التغريب الذي تعرضت له الحركات العربية بكل أطيافها ولديهم تمسك شديد بهويتهم حتى أنهم يعدون العمامة المشجرة بدعة، والأهم من ذلك أن مواجهة العدو (قتاليا) جزء لا يتجزأ من الثقافة الأفغانية، كما شرحت
فطبيعة الشعب الأفغاني أنه متدين جداً حتى قبل دخول الإسلام
ولذلك لم تكن مرحلة الاحتلال الأمريكي نزهة كما تصورت أمريكا، فكما حارب الجـ هـ اديون الاتحاد السوفيتي بالأسلحة الأمريكية، لم تتوانى حركة طالبان عن محاربة أمريكا طيلة الـ 19 عاما الماضية
نأتي لموضوع لماذا هددت طالبان تركيا؟
فوجئ العديد من المتابعين لعملية انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بتهديد حركة طالبان لتركيا، واستغراب القوم يأتي من أنهم يعتبرون الجيش التركي جيش مسلم يتحرك لنصرة المسلمين في كل مكان ( كما يصور لهم الإعلام) وكما تصور لهم الدعاية الأردوغانية، على الرغم من الدور المشين الذي قامت به تركيا في سوريا
فدور أردوغان التخريبي في سوريا أكبر من قدرات البعض على الفهم، فقبل تدخل أردوغان والذي سبقته حملات الدعاية التي قامت بها قنوات اسطنبول لم يكن يحلم المجرم بشار والسفاح بوتين بالاستيلاء على مطار حلب، فلولا خيانة أردوغان الذي أمر الجيش الحر وقتها للخروج من المنطقة وجرهم إلى معارك وهمية جانبية بعيدة لاستعادة قرية هنا أو طريق هناك لما انتصرت قوات روسيا المجرمة وتعيد مطار حلب إلى كنف المجرم بشار
ولولا اتفاق آستانة الذي أجبر المعارضة السورية على خفض التسليح وبالتالي ساعد قوات روسيا الموالية للأسد لما تم الاستيلاء على المناطق التي كانت بحوزة المعارضة، ولولا اتفاقية سوتشي التي تمت بضمان الجانب التركي لما استطاع بشار دخول إدلب والسيطرة عليها
ولكل هذه الأسباب أعتقد أن حركة طالبان تعي جيداً أن أردوغان ما هو إلا موظف يقوم بأداء ما تمليه عليه أمريكا، وأن جيشه في حالة بقاءه في أفغانستان ما هو إلا ممثل لحلف الناتو، ويجب معاملته معاملة الأعداء
ولذلك أصدرت طالبان بيانا منذ عدة أيام تتوعد فيه الخليفة أردوغان ممثل الناتو بل وتستعد الآن في حالة عدم انسحابه إلى استصدار فتوى بمحاربة جيشه ومعاملته معاملة الأعداء
جدير بالذكر أن حركة طالبان وطوال عقدين من المعارك الضارية التي خاضتها ضد أمريكا وقوات حلف الناتو لم تتعرض لقوات أردوغان على الرغم من علمهم بأن الشرطة العسكرية التركية هي من كانت تقوم بتدريب عناصر الشرطة الأفغانية العلمانية المجرمة والتي ارتكبت عمليات قتل في حق المقاتلين الأفغان ومع ذلك لم تتعرض لهم
ويبدو أن حركة طالبان لا تزال تتمتع بشيء من الفطرة ولم يشبها فكر إسلام النظام العالمي وأطروحات المدرسة العقلية التي لم تسلم منها كل الحركات الاسلامية العربية وهي تعلم بفطرتها أن تركيا تمثل هذا الإسلام العلماني الذي يريد النظام العالمي فرضه وتطبيقه في سائر الدول المسلمة وتعلم أيضا أن أردوغان حين اتخذ قرار الإبقاء على الجيش التركي لم يتخذ هذا القرار لحماية المسلمين في أفغانستان، بل كان هذا القرار لشراء الرضاء الأمريكي وهو سيناريو مشابه لما قام به أردوغان في سوريا وليبيا
مجرد منفذ لسياسات أمريكا
موظف من موظفي النظام العالمي ينفذ أوامر أسياده وليس كما يروج البعض من بهاليل أردوغان
فتركيا جزء من الناتو شاء من شاء وأبى من أبى
وجود تركيا في أفغانستان هو للحد من توغل حركة طالبان الذي تخشاه أمريكا وتخشى تمددها والسيطرة على سائر أفغانستان، وهذا يعني أن وجود الجيش التركي كجزء من الناتو هو لحماية الحكومة الأفغانية العميلة ولحماية المصالح الأمريكية، بل أن أردوغان نفسه له تجربة من قبل في أفغانستان ولم يستطع حماية أفغانستان كما يحلو لغثاء السيل التبرير، بل أن قوات أردوغان ساهمت في احتلال أفغانستان وقامت تركية بفتح جميع قواعدها لضرب المحاربين الأفغان الذين كانوا ينشدون تحرير أفغانستان آنذاك من الاحتلال السوفيتي
فطالبان ترى أنها لا تحتاج مساعدة من قوات الجيش التركي، ولديها كل الحق فهي وحدها من استطاعت تركيع قوات حلف الناتو وفي امكانها أيضا حماية أفغانستان من أي هجوم في المستقبل، لأنه ببساطة لم يستطع الدجال أردوغان من حماية المسلمين في سوريا، بل سلمها على طبق من ذهب إلى المجرمين بشار وبوتين، كما لم يستطيع حماية المسلمين في ليبيا
أما ما يقوله بعض عبيد أردوغان بأن وجوده للحد من علاقة حركة طالبان وإيران فهو كلام لا يصدر إلا عن مجموعة من المعاتيه لسبب بسيط جدا وهو أولا: أن أردوغان نفسه على علاقة جيدة جدا مع إيران، وثانيا: أن عداء حركة طالبان والشـ يـ عة حقيقة تاريخية معروفة منذ هزم الأفغان الدولة الصفوية الشـ يـ عية، وطالبان لن تنسى أيضا أن ايران فتحت مجالها الجوي أمام أمريكا لضرب قواتهم، وحتى وجود الشيعة في أفغانستان يعتبر أمر دخيل على الثقافة الأفغانية وهم قبائل الهزارة الذين دسهم الصفويين في أفغانستان وانضم بعضهم لحركة طالبان مما سبب اللبس لدى البعض، وهو من وجهة نظري اختراق لصفوف طالبان ليس إلا
ولذلك قد يلجأ أردوغان لقطر وباكستان للتوسط بينه وبين طالبان للإبقاء على قواته في أفغانستان وإن قبلت طالبان فستندم ندماً شديداً
فأردوغان وقواته ليسوا سوى مطية للنظام العالمي لتصفية حركة طالبان
وللحديث بقية ان شاء الله
وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
مقال ذو مصداقيه عاليه بيان للحقائق وكل مااشار المقال الى الوقائع هي صحيحه وان يشاء الله سوف تثبت الايام ما جاء به من توقعات