آيات عرابي تكتب | التحطيب أمام السفارات

 

من الظواهر المتكررة في مصر، أن يتوقف موكب المخلوع بالدراجات البخارية وحراساته وسياراته وكل حراسه بنظاراتهم الشمسية ونظراتهم المتوجسة، عند عشة المواطن الجالس على جانب الطريق. 

يبدو أن هذه من قواعد المشهد الإعلامي في مصر منذ انقلاب 1952. دائما ما يجد الحاكم تلك العشة على جانب الطريق فيتوقف أملا في احتساء كوب من الشاي مع المواطن المستكين ساعة العصاري! 

وحتى لو اتضح فيما بعد أن ذلك المواطن الجالس في عشته يحتسي الشاي ليس سوى مخبر اختاره أمن الرئاسة ليؤدي مشهدا تمثيليا حتى يخرج مقدمو برامج التوك شو ليمتدحوا تواضع الزعيم، ولين جانبه، وعطفه على المواطنين، فلن تعدم من يتهمك بأنك لا ترى في الصورة إلا النصف الأسود، وأنك تصدر الإحباط. 

وربما رد عليك أحدهم بأن ظاهرة المواطن الجالس في عشته يحتسي الشاي أثناء مرور موكب الحاكم هي ظاهرة تاريخية قديمة تحدث في مصر منذ الأزل، ولكنك فقط تريد تصدير الإحباط للناس!! 

ولن تعدم أيضا من يبرر لك الصورة التعبيرية التي نشرتها الأهرام التي يظهر فيها المخلوع مبارك متقدما أوباما بينما الصورة الحقيقية يظهر فيها مبارك يسير متهدلا بعدهم جميعا. 

لن تعدم من يبرر لك تلك الصورة بالضرورات الفنية، بل الأهرام نفسها قالت إنها صورة تعبيرية، وهو مسمى يختلف تماما عن الصورة التعبيرية. 

ورغم أن هذين الموقفين وقعا مع المخلوع (موقف احتساء الشاي في العشة على جانب الطريق والصورة المسماة تعبيرية في الأهرام)، فمن المفترض نتيجة لذلك أن تكون وسائل الإعلام الناطقة باسم العسكر أكثر حذرا في استخدام ذات الأساليب. 

إلا أن اليوم الأول لانتخابات الانقلاب في الخارج شهد عددا من المشاهد التعبيرية ما يفوق حتى موضوع الشاي على جانب الطريق. 

أنا شخصيا، لا أحمل عداوة من أي نوع لرياضة التحطيب، والتحطيب هو نوع من الفولكلور الذي يقوم فيها لاعبان بقرع عصيهما في شكل مبارزة، وبطريقة احتفالية. 

لكن أنا استغرب أن يذهب البعض إلى قنصلية أو سفارة انقلابية في سلطنة عمان، وهم يحملون العصي ليمارسوا التحطيب أمامها. 

ويبدو أن الدعوات التي أطلقها الانقلاب عبر عدد من أبواقه الاعلامية في الشهور الماضية لم تؤت أُكُلها وان المسؤولين عن ادارة انتخابات الانقلاب يعلمون في قرارة أنفسهم أن أحدا لا يهتم فقرروا رغم كل المحاذير أن يتبعوا الطريقة القديمة التي اتبعوها في 2014. 

أنا أفهم تماما أسلوب اللقطات المقربة التي تحاول إعطاء الصور مظهرا من مظاهر الكثافة ثم تكرار تلك الصور من أكثر من زاوية وكتابة كلمة (كثافة) ومشتقاتها لتوحي للقارئ كثرة الأعداد، أفهم تماما أن يحتفي البعض بنشر صورة أو فيديو لعدد من الأفراد يبلغ حوالي 80 أو 89 باعتبارها (إقبالا كثيفا) أو إقبالا تاريخيا أو مشاركة منقطعة النظير. 

وأفهم تماما من سيبرر لصور كهذه حين تشرح له أن عليه أن يخصم منها عُشرها تقريبا، لأنهم أطفال، وأن يضع في حساباته أن هذه الصورة التي من المفترض أن تعبر عن “إقبال كثيف” ملتقطة يوم جمعة، بمعنى أنه يوم إجازة وأن 80 فردا من بين 2.9 مليون مصري في السعودية لا يمكن أبدا اعتبارهم “إقبالا كثيفا” أو تاريخيا أو أو أو.. 

وأتفهم تماما أن يجادل البعض في هذا، لكن لا أفهم أن ينشر البعض فيديو تحطيب ثم يجعلون عنوانه “الجالية المصرية”!! 

فأفراد الجاليات المصرية وعلى حد علمي، لا يسيرون وهم يحملون العصي ثم يتوقفون بجانب السفارات ليمارسوا التحطيب. هذا يبدو عجيبا بعض الشيء!! 

الانقلاب يبدو بشكل واضح في مأزق، وهو يعلم أن الجميع لا يهتم بتلك المباراة محسومة النتيجة من البداية، والشعب المثقل بالغلاء والمشاكل، قد اتخذ قرارا بإدارة ظهره لمسرحية الانتخابات برمتها. 

ولا يمكن للتحطيب أو غيره أن يقنعه بجدية المنافسة بين العسكري الانقلابي وبين موسى مصطفى موسى!!