آيات عرابي تكتب |الرئيس أحمد خالد توفيق

 

 

فجأة ظهرت تلك الملايين المختفية, دون مؤتمرات شبابية ودون مغازلات إعلامية ظهرت تلك الملايين من الشباب على شكل تغريدات باكية تنعي أحمد خالد توفيق. صور الشباب الذين شيعوا الراحل في جنازته وتعبيرات الحزن العميق المرتسمة على وجوههم لابد أنها صنعت حالة من الهلع والصدمة لدى الانقلاب. فالرجل لم يكن شيخاً ليحاصروا جنازته كما هي عادة العسكر كما أن الواضح منذ اللحظة الأولى لإعلان وفاة الراحل أن الانقلاب يتعامل معه بشيء كثير من الحذر. فوزير الثقافة الانقلابي نعاه ونعته عدة جهات انقلابية مما يجعلك تدرك أن الرجل الذي كان مشطوباً من قائمة دعوات الانقلاب ومحذوفاً من أجندته في حياته, هو رمز يخشى الانقلاب الاقتراب منه.

ويبدو أن مواقف الراحل أحمد خالد توفيق المتعاطفة مع الرئيس مرسي ومع فكرة الثورة بشكل عام, والتي ظلت تتراكم حتى توجها قيام الراحل بنعي شهداء مجزرة رابعة فاعتذر عن أحد مقالاته في ذكراها, و التي صنعت حاجزاً اغضب الانقلاب منه ويبدو أن الانقلاب واجهزته كان يدركون عواقب محاولة التهجم عليه اعلامياً, فاكتفوا فقط بشطب اسمه بصمت من احتفالياتهم على عكس نبيل فاروق مثلاً والذي كان ضيفاً دائماً على لقاءات عسكري الانقلاب بالكتاب. و يبدو أن أحمد خالد توفيق تلقى هذه الحالة من التجاهل بالكثير من الراحة النفسية وان بدا بعض الإحباط في كتابات الرجل في السنوات الأخيرة.

والانقلاب نظراً لطبيعته, فقد فشل منذ لحظته الأولى في اكتساب تعاطف أحمد خالد توفيق والرجل هنا لا يمثل نفسه, بل يمثل ملايين الشباب غابوا كلهم عن انتخابات العسكر الأولى والثانية. ويمكننا القول أن هذا القطاع من الشباب شعر بنفس خيبة الأمل, تلك الخيبة التي عبر عنها أحمد خالد توفيق في روايته (ممر الفئران) والتي حكى فيها عن واقع مظلم تديره مجموعة ما من فوق جبال ما بينما يعيش الناس بلا شمس.

كان من سوء طالع الانقلاب أن توفي احمد خالد توفيق يوم إعلان نتيجة مسرحية انتخابات الانقلاب, وكأنما لم يحتمل قلبه كل هذه الأكاذيب التي وقفوا يحدثوا الناس بها بلا خجل عن ملايين وهمية تقاطرت على لجان رأيناها جميعاً خاوية ينعق البوم على أطلالها.

بل وزيادة في سوء طالع الانقلاب, فقد ظهرت الأعداد التي اختفت من أمام لجان الانتخاب التي لم يعد يهتم بها أحد, لتظهر في ملايين التغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي وحضرت الكثافة التي غابت عن لجان الانقلاب لتظهر في جنازة أحمد خالد توفيق, لتجعل الجميع يعقدون مقارنة بين المشهدين.

لم يكن احمد خالد توفيق مجرد كاتب للشباب, بل الرجل انسحب من الواقع إلى خيال جميل, تشكلت فيها ثلاث دول تكونت من سلاسله, ما وراء الطبيعة وفانتازيا وسافاري, لم يكن انفعال الشباب بأحمد خالد توفيق نابعاً فقط من صدق الرجل في التعبير عن نفسه ومن إصراره على الاحتفاظ بمبادئه, بل الأكبر من هذا في نظري هو أن الرجل كان طيلة حياته رافضاً للواقع المظلم, صنع دولة مثالية من الخيال انسحب إليه رافضو الواقع. دولة كانت مرفأ آمناً للحالمين بعيداً عن الواقع المزعج. دولة رفعت اسماعيل طبيب أمراض الدم العجوز الذي احبته ماجي ماكيلوب والذي يجد شبحاً او عفريتاً في كل شارع, دولة الطبيب المغامر علاء عبد العظيم الذي ترك شبرا التي ولد فيها وغادرها إلى الكاميرون بحثاً عن حياة أفضل وسط أحراشها. دولة عبير وفانتازيا وعوالمها الخيالية.

ورغم المجهودات التي بذلها الانقلاب لصناعة مهزلة يضمن ألا ينافسه فيها أحد خصوصا بعد أن استبعد عنان إلا أنه فوجيء بمرشح اللحظات الأخيرة الذي افسد عليه كل شيء وتسبب في أن ينصرف الناس عن الزفة المفتعلة التي اقامها ليركضوا سريعاً حيث يشيعون أحمد خالد توفيق الذي نعى رابعة والمتعاطف مع الرئيس مرسي.

كانت جنازة الرجل تصويتاً شبابياً بامتياز وربما عقاباً ربانياً للانقلاب على اصطناع مسرحية الانتخابات التي زعموا ان 24 مليوناً شاركوا فيها (استطلاع مركز تكامل مصر كشف عن ان المشاركين ومنهم مدفوعون لم يتجاوزوا مليوناً وثمانمائة ألف خلال 3 أيام) فاز فيه الرجل باكتساح بمنصب رئيس جمهورية الحالمين والرافضين.