آيات عرابي تكتب| تسريبات العسكر وتنفيس الغضب المكبوت!

خلال الأيام القليلة الماضية تناقل البعض التسريب الذي أذاعه عبد الله الشريف والذي كان مليئاً بفضائح مشينة للعسكر , والحقيقة أن هذا التسريب على الرغم من أنه فضح لصوصية العسكر, إلا أنه كان تحصيل حاصل وسبق أن كتبتُ منذ سنوات عن لصوصية وإجرام العسكر

والمشكلة الحقيقية والتي يجب أن نعترف بها ليست في العسكر وفضائحهم, لأن الفضائح التي سمعتموها في التسريب معروفة للجميع

المشكلة الرئيسية من وجهة نظري هي أن الشعب لا يزال يصدق تلك العروض المسرحية التي لا هدف لها سوى إلهائه عن المشكلة الأصلية التي تعيشها مصر والأمة الإسلامية ألا وهي أن بلادنا الإسلامية محتلة من هؤلاء العملاء

وفيما يبدو أن الناس لا تقتنع بالتحذيرات التي كنا نطلقها, ولا تقتنع بلصوصية العسكر إلا حين تسمع بنفسها أو تشاهد تسجيلاً ما, كما لو كان هؤلاء يعيشون في نعيم حقيقي ولذلك لا يصدقون إلا حين يرون البينة, رغم أن البينة يعيشونها في غلاء الأسعار وفي انعدام الخدمات وغياب البنية التحتية وفي المستشفيات المتهالكة التي لا تصلح حتى للحيوانات وفي الفصول المكدسه بالأطفال .. وغيرها من مظاهر الفساد التي لا تحتاج إلى تسريبات

هنا تبدأ عملية مرهقة تتكرر كثيراً, هي محاولة اختراع العجلة من جديد وتبدأ حلقة نقاش مفتوحة لمناقشة ثوابت دولة العسكر من جديد

هناك معايير معروفة في دولة العسكر لا يختلف عليها أحد, وهي أن دولة العسكر لا يوجد بها شرفاء

فلا تحدثني عن فساد مالي وقد أدرت ظهرك لمجازر سُفكت فيها دماء الآلاف, بل لا تحدثني عن فساد مالي وانت تشاهد هذا الشعب الخانع موافق على هذا الانقلاب المجرم الذي قامت به عصابة مسلحة سطت على إرادة الشعب قبل ثرواته

والحقيقة أن هذا الشعب لو كان يريد تغييراً حقيقياً في الفترة الحالية وعقب الانقلاب الجديد ضد العسكر لكان قام بثورة حقيقية عقب مجزرة رابعة والنهضة التي قتل فيهما آلاف المسلمين أو كان تم هذا التغيير بعد فضائح العسكر في سيناء أو بعد ما حرق العسكر آلاف الهكتارات في سيناء لصالح العدو الصهيوني، أو بعد بيع تيران وصنافير للسمسار سلمان أو بعد بيع قزم الانقلاب حقول غاز المتوسط للكيان الصهيوني أو بعد تنازل السيسي عن عدة أميال من حدودنا البحرية لصالح اليونان، أو بعد كل الخيانات واللصوصية التي أظهرها السيسي نفسه من خلال حربه على الإسلام أو بعد اعترافه ببناء القصور أو بعد فضائح تهريب الذهب المصري لكندا والذي نُشر في صحيفة الأهرام أو سرقة جبال الذهب وتسليم مناجم الذهب للمجرم ساويرس الذي قام بتجريفها لصالح الكنيسة

المشكلة ليست في ان العسكر لصوص المشكلة الحقيقية تنحصر في شيئين

رقم واحد, أن من يدير العملية في مصر يعي جداً طبيعة المصريين المهجنين المطعمين ضد العزة والكرامة

طبيعة المصريين الذين يتعرضون للقمع والتنكيل واللعب بصحتهم وتعليمهم وسرقة أموالهم ومستقبلهم ومستقبل أولادهم وبدلاً من أن يستدير ليكيل للعسكر الصاع صاعين ويقتلعهم من جذورهم تجدهم منصاعين للعسكر ساجدين لهم كالعبيد

رقم اثنين هي ان من يدير العملية في مصر أيضا يريد تصدير رواية أن هناك صراع داخلي و أن هناك من يعمل على زعزعة كيان السيسي حتى يهدأ من يفكر في التغيير أو في أي حراك ضد مؤسسات العسكر

في رأيي الشخصي أن من يدير المشهد في مصر يريد ليس فقط تصوير الأنظمة العميلة كأنظمة فاسدة، وإنما أيضا تحجيم صورة الفساد في العقل الجمعي لنتخيل أن الأمر يقتصر فقط على سرقة بضعة ملايين بينما الحقيقة أن العسكر يغترفون المليارات و الترليونات ، ويكفي سرقتهم الغطاء الذهبي بعد انقلاب ٥٢ واستيلائهم على لمناجم الذهب،

والأشد تضليلا أن هذه التسريبات تجعلنا نتخيل أننا في دولة يتم فيها الفساد فقط بشكل مقنع من خلال التحايل على الإجراءات والقوانين، والعمولات، تماما كما صور لنا تسريب عباس كامل وممدوح شاهين أن هناك قضاءاً حقيقيا يحتاج العسكر للتحايل عليه.

الخلاصة وما أود أقوله هو أن هذه التسريبات مقصودة قولا واحداً والمقصود منها هو التبجح بالسرقة والفساد لأنهم يعلمون أن الشعب لن يتحرك وكما قال السيسي يوما

ايوة بابني قصور وهبني هو عشاني ده عشان مصر

ومقصود أيضا حتى يطمئن الشعب على أن هناك هامش ما للحرية ومعروف أن الأنظمة الطاغوتية لا تسمح لهامش حرية بهذا الشكل إلا بعد شدة تمكنها وليس ضعفها كما يتصور البعض

وهذا التمكن حصلوا عليه بسبب الإجراءات القمعية التي قاموا بها ضد الشعب وضمنوا أن هذا الشعب لن يتحرك, وفي هذا يحضرني مثال شبيه لما حدث في مصر

قال عبد الصمد بن على العباسي لابن أخيه ابي جعفر المنصور عبد الله (ثاني خلفاء بني العباس): يا أمير المؤمنين، لقد هجمت بالعقوبة، حتى كأنك لم تسمع بالعفو. فكان مما رد به: ونحن بين قوم قد رأونا أمس سوقة واليوم خلفاء، فليس تتمهد هيبتنا في صدورهم إلا بنسيان العفو. واستعمال العقوبة

وهذا بالضبط ما فعله السيسي فبعد أن رآه الشعب وهو يخفض رأسه للرئيس مرسي رحمه الله ورأوا ضباط الداخلية وهم يخلعون زيهم الميري ويهربون بملابسهم الداخلية في سيناء شافو جبروتهم 2011 فكان أول ما فعله السيسي أن قام بمجزرة رابعة ليرتدع باقي الشعب

تماما مثل ما قام به أبا جعفر المنصور وكذلك كان الحال مع من جاء بعده من خلفاء العصر العباسي الأول، بل وحتى عصر المنصور نفسه بعد الفراغ من شد ملك بني العباس وتوطيد دعائم دولتهم.

ولذلك ليس غريباً أن ترى بين الحين والآخر تسريباً ما أو تطفو على السطح فضائح ما للتنفيس عن غضب الشعب المكبوت والذي يمارس العسكر عليه كل أنواع القمع

ويمكنك ملاحظة هذا بمنتهى السهولة في دولة انقلاب السي آي إيه

فبعد الفراغ من مرحلة التأسيس بدأت عملية التنفيس بعد هلاك الطاغية عبد الناصر فسمح السادات بتحميل عبد الناصر وبعض رفاقه جمل الخيبة بما حمل لإطالة عمر بقية المنظومة, بل وتم السماح في أواخر عهد الساداتي (اسمه الحقيقي) نفسه ببعض التنفس الطبيعي باستثناء طغيان ما بعد كامب ديفيد.

ولذلك طبيعي جداً في عهد السيسي أن تشاهد الأمنجي الديهي و المخبر أحمد موسى وهما يصرخان بسبب غرق الإسكندرية وينتقدون حكومة العسكر على سبيل تنفيس الضغط المكبوت

وطبيعي جداً أيضا أن تشاهد خادم المخابرات ابراهيم عيسى مع خبير اقتصادي يندبا حال الاقتصاد المصرائيلي؟

كل ذلك من أجل التنفيس عن الغضب المكبوت

حتى الهالك المخلوع مبارك في عز جبروته كان يسمح بصدور أفلام تبرز فساد نظامه، كان من أشهرها ضد الحكومة وطيور الظلام، هذا غير الأفلام التي كانت تهاجمه في فترة ضعفه

وطبعا كلنا نتذكر برنامج حمدي قنديل جلاد الناصرية (رئيس التحرير) وكيف كان يسمح به مبارك ليعارضه في قضايا جزئية تافهة

مثل موضوع الأجندات الشهير, حين انتقد حمدي قنديل طباعة الدولة لكمية كبيرة من الأجندات ثم رد عليه مبارك في أحد خطبه، ثم رد قنديل على رد مبارك بعد ذلك في الحلقة التالية لخطاب مبارك، في سجال بين إعلامي ورئيس جمهورية ومشهد ديمقراطي مثالي


وكأن مشكلتنا مع مبارك كانت الأجندات!

باختصار هذه التسريبات رغم صحتها طبعا ومشكور عبد الله الشريف على اذاعتها إلا أنها تسريبات مقصودة في النهاية

حتى يطمئن الناس إلى أن هناك من يعمل في داخل مؤسسات العسكر لعزل السيسي وهو طبعا احتمال ليس ببعيد ولكن لابد أن يعلم الجميع حتى في هذه الحالة أن أي عزل للسيسي سيأتي من الخارج كما اتفقنا من قبل

لأن باختصار النظام العالمي حين يلمح غضب مكبوت من الشعوب على وشك الانفجار يقوم بتحجيمه ويحول الثورة إلى مجرد معارضة هشة لنظام فاسد ولذلك يتم السماح ببعض التسريبات التي تثبت فساد النظام كبالونة اختبار للشعب

هل سيتحرك الشعب بفضل تلك المؤثرات الخارجية, أم سيكتفي بمصمصة شفاه متعجباً من كم الفساد وبالتالي يتم البناء على ردود الأفعال للانتقال للمرحلة التالية

الاحتمال الأكبر ان يكون التسريب نفسه بهدف الحفاظ على السيسي وصورته

بمعنى أن التسريب يكون سببا في التخلص من بعض رجالات النظام ومحاسبتهم قانونيا حتى يظهر السيسي في صورة محارب الفساد وحامي حما البلد

وبالتالي وأد أي حراك محتمل

عملية التنفيس عن الغضب المكبوت وذر الرماد في عيون الشعوب لا يحدث فقط في مصر

حتى في ليبيا وصل الأمر أن القذافي نفسه كان يخرج بنفسه للمشاركة في المظاهرات المنددة بحكمه

بل وكان بيقف يصفق لابنه سيف وهو يهاجم النظام ويعدد مساوئه

ما يجب أن يفهمه الجميع, هو أن السيسي وضباط جيشه المصرائيلي وضباط داخليته المجرمين هم مجرد أدوات تنفذ للنظام العالمي ما يريدونه, ولذلك يقوم النظام العالمي ومخابراته بهذه الألاعيب البهلوانية للحفاظ على هذه المؤسسات الخائنة العميلة التي من أهم مهامها قمع الشعوب المسلمة حتى لا تتحرر الدول الإسلامية لأن الحرب هي حرب على الإسلام بالدرجة الأولى ولذلك ظهرت في الفترة الأخيرة ما يُطلق عليه البعض حصار دولي على السيسي حتى يعتقد الشعب المكبوت في مصر أن من عين السيسي يريد أن يخلعه الآن وبالتالي ينتظر الشعب التغيير الذي سيأتيه من الخارج

وهذه هي الكارثة بعينها, لأن لو قام من عين السيسي بتغييره والإتيان بغيره معنى ذلك أن التغيير الحقيقي لم يحدث لأن التغيير معناه اسقاط نظام وليس تغيير وجوه

ولذلك على الطليعة الثورية أو مجموعة التغيير ألا تنتظر التغيير يأتيها من الغرب لأن الغرب لن يأتي إلا بمن سيحافظ على مصالحهم السياسية والجيوسياسية في المنطقة

مرة أخرى, على الطليعة الثورية أن تعي جيدا أن ظهور هذه الألعاب البهلوانية والفضائح الكارثية يعني أن أجهزة المخابرات العالمية ترصد غضباً شعبياً مكبوتاً على وشك الانفجار وهذا مؤشر جيد لابد أ، يتم البناء عليه وتحويل هذا الغضب المكبوت إلى غضب ظاهر يقتلع نظام العسكر من جذوره