آيات عرابي تكتب |مرحلة ما بعد السيسي!

 

ربما كان أهم ما ميز سنوات الانقلاب وحتى الآن هو أنها محت مرحلة ما قبل 30 يونيو بكل رموزها، وحولتها إلى رماد. ويمكن القول إن الانقلاب كان يعمل في اتجاهين، اتجاه تدمير هياكل الحركات الإسلامية، وهو هدف يظهر الآن بوضوح أنه كان على رأس أجندة داعمي الانقلاب، وفي الوقت ذاته لم يتحقق هذا دون خسائر على حلف الانقلاب نفسه، فأخذ يتآكل. والمشكلة الحقيقية ليست في تآكل حلف الانقلاب، فهذه نتيجة طبيعية. لكن الأعظم أثرا هو تلف البيئة الإعلامية الحاضنة لمؤسسات العسكر وتشقق الواقع. 

ويمكننا القول الآن، وبعد تلك التغيرات الدرامية في مصر؛ من ترشح سامي عنان، ثم اعتقاله، ومن بعده خروج هشام جنينة ليهدد الانقلاب، ثم اعتقاله، ثم اعتقال عبد المنعم أبو الفتوح، إن نار 30 يونيو تأكل بعضها البعض. الانقلاب الآن أشبه بجسد أصيب بمرض مناعي، فصار يهاجم بعضه البعض دون تمييز مما ذكر الجميع بأجواء اعتقالات سبتمبر التي سبقت اغتيال السادات.

الانقلاب الآن يهاجم حاضنته السياسية، ويقوم بنفسه بعملية عزل لنفسه، ليبقى وحيدا في مواجهة الشعب بلا أي ظهير، سوى عدة قنوات لن تستطيع ممارسة الكذب في مواجهة واقع اقتصادي مترد وبيئة سياسية مهدمة. 

الحقيقة أنني لا اعرف من الذي أشار على السيسي بالقبض على سامي عنان، لكن يمكن القول إنه لم يخدم أحد معسكر مناهضي الانقلاب، كما فعل من أشار على السيسي باعتقال عنان ومن بعده عبد المنعم أبو الفتوح. 

كان وصول رئيس مدني ملتح يمثل التيار الإسلامي إلى مقعد الحكم كارثة مثلت بلا شك هزة فسية داخل الجيش، الأمر الذي مثل أحد المحاور النفسية التي قدم بها السيسي نفسه، فبالنسبة لهم، كان يمثل رمزا لاستعادة سيطرة الجيش على الحكم، التي لم تنقطع منذ انقلاب 1952. 

أما وقد ترشح عنان، فقد انفتح الباب أمام المفاضلة بين عدة متاحات تمثل كلها سيطرة الجيش على الحكم، ولم يعد لزاما عليهم أن يرضوا بشخص واحد على مضض، وأصبحت مؤسسة الجيش تفكر بطريقة أنه طالما كان الأمر كذلك، وكانت هناك متاحات أخرى، فلم تفرض نفسك بينما هناك آخرون يمكنهم أنم يؤدوا دور مندوب الجيش في الحكم وبعضهم يفضلك في القبول؟ 

اعتقال عنان هنا مسألة دقيقة جدا، لم تسد الأفق على الشعب، بل سدت الأفق على مؤسسة الجيش نفسها وأثارت حالة من التململ داخل صفوف الجيش لا شك فيها، ويمكن القول إن هذه الحالة كانت أحد أهم الأسباب الدافعة للإسراع في إرسال أعداد كبيرة من الجيش إلى سيناء (35 الف ضابط وجندي) وشغلهم في مهمة ربما كانت بقدر ما هي مقصودة لذاتها، كانت أيضا مقصودة كتفريغ لحالة التأفف التي لا ريب أنها سادت داخل الجيش. 

ثم جاء القبض على عبد المنعم أبو الفتوح وهو أحد الداعين لمظاهرات 30 يونيو وقد كان أحد أهم الشخصيات التي شكلت الحلف الانقلابي بل وربما كان أخطرهم لأنه قادم من صفوف الإسلاميين، وقد ظل مقتصرا طوال السنوات الماضية على إبداء الاعتراض الهادئ على فترات متباعدة بما لا يشكل هزات للحلف الانقلابي. 

ولا شك أن اعتقاله انهى ما تبقى من الحاضنة السياسية للانقلاب، بحيث أصبح الانقلاب معزولا تماما الآن، كجزيرة ظل الموج يأكل أجزاء كبيرة منها من كل ناحية، حتى صار ما تبقى من حلف الانقلاب محاصرا فوق مساحة ضيقة مما تبقى من تلك الجزيرة يحيطها الماء من كل جانب، وأصبحت مسألة غرقها مسألة وقت فحسب. 

كل هذا لم يحدث دون أضرار على سمعة مؤسسات العسكر، التي تآكلت ثقة الشعب فيها بشكل شبه كبير. ولم يعد السؤال الآن هل تنتهي مرحلة السيسي أم لا، بل السؤال الآن، متى تنتهي مرحلة السيسي؟ 

وانتهاء مرحلته هو محصلة قدرته على البقاء طافيا فوق تلك المساحة الضيقة، وبناء على عصبيته وتوتره الذي شاهدناه جميعا منذ فترة، فلا أظنه يستمر طويلا. 

المشكلة في مرحلة ما بعد السيسي هي أن الواقع السياسي أصابه الجفاف الشديد والإرهاق، وأصبحت الأطراف كلها تستلقي على ظهرها لاهثة، تكاد صدورها تتمزق من اللهاث.