آيات عرابي تكتب | الراية الضائعة .

ما الذي حدث بالضبط؟ وأين اختفت تلك الطوابير الحماسية التي تسير حاملة لافتات ما، متجاوبة بدبات أقدامها مع إيقاع عصا محمد عبد الوهاب ووجه العابس، بينما (انتصارات الوطن الأكبر) تتورم باستمرار والوطن يتحرر كما تقول الأغنية الشهيرة؟

أين ذهب ذلك (المجد الكاسي رايتنا) كما كانت تسميه صباح؟ وأين ذهبت القومية التي كانت تحميها فايدة كامل والتي كانت سلما من يسالمها وجحيماً على أعاديها!!

أين ذهب كل هؤلاء اليوم وكانت القدس تحتاجهم؟

ما هذا الكسل الذي أصاب القاهرة وبعض العواصم العربية؟

اختفت هذه الجموع وتمزقت هذه الكلمات الحماسية على رائحة الدخان المتصاعد من المطارات بعد أن غادرتها طائرات العدو مخلفة وراءها جثث الطائرات وخيوطا سوداء من الدمار في سيناء المحتلة والجولان المسلوبة والأقصى الأسير. وسرعان ما انزوى (النغم الساري بين المحيطين) في ركن ما يلعق جراحه ولم تعد نفس (الغنوة لأجمل وحدة) تتردد في اليمن ودمشق وجدة ولا نعرف لو قرأت شادية أخبار المجازر اليومية التي يرتكبها نظام بشار في سوريا, كيف ستنظر لكلماتها عن (الوطن الباني مع البانيين والهادم للعبودية) والحقيقة أنني لا أعرف أي عبودية تلك التي قصدتها!!

لم يتبق من تلك القومية عبر عقود سوى بعض بقايا كانت في طريقها للتعارك مع جماعة (يحيا الوطن) الآخذة في التضخم مع نغمات جديدة أخذت تعلو في نهاية عهد السادات مع مقاطعة الدول العربية له بعد كامب ديفيد حين بدأ (المصري يعيش حياته ويبحث عن ذاته ويشوف عمرها كام) كما تقول الأغنية وحيث كان محمد ثروت يستعد ليشرح للجميع كيف (كانت مصر أول نور في الدنيا شق ظلام الليل) كما تقول كلمات أغنيته.

والحقيقة أن تلك الأرجوحة الإعلامية التي أصابت عقول البعض بالمغص فصاروا لا يدركون هل هم وطنيون فرعونيون منكفئون على الذات داخل حدودهم أم قوميون عرب، لم تكن أمرا عفويا!!

ثم جاءت مرحلة شيطنة فلسطين في أعقاب اغتيال يوسف السباعي حين هتف أحدهم في جنازته ضد فلسطين، وقد وصلت بمراجعة تفاصيل الحادثة وأطرافها إلى أن الحادثة كلها كانت مدبرة بهدف شيطنة فلسطين. وهو ما وصل بنا إلى المرحلة الحالية حيث تسمع تلك الأصوات المتصهينة في إعلام العسكر.

الغضب من أجل القدس له طريقتان, الطريقة الأولى هي الغضب على طريقة القومية أو على طريقة (وطني حبيبي .. الوطن الأكبر) وبعدها تبحث في داخلك عن زر ما تضغطه لتنبعث الانفعالات الغاضبة ولتزداد نسب الأدرينالين في الدم حين يعتدي أحدهم على مضارب القبيلة.

ووقتها سيبدو لك ما يرتكبه الاحتلال في القدس من تركيب بوابات إلكترونية وحصار للأقصى شأنا عروبيا تعتدي فيه قبيلة الاحتلال على أحد بطون القبيلة العربية الكبرى وستنزوي أهمية الدين وقتها وستصبح جملا مثل أولى القبلتين مجرد شعارات ستفتر مع الوقت.

والطريقة الثانية هي أن تعود لتشغيل الرابطة التي تركتها بمحض إرادتك منذ 100 عام والتي كانت تجمعك بالعثمانيين وتسمح لك بالغضب للقدس والغضب حتى لمسلمي كشمير.

واليوم وأنا أتساءل لماذا لم يشارك هؤلاء الغاضبون من أجل الأقصى في أي تظاهرات؟ أتذكر ما قرأته منذ أيام للشيخ الغزالي رحمه الله حين وصف حال العرب بلا إسلام وأجده منطبقاً على إعلام العسكر وأرى فيه تفسيراً لتلك الجموع الصامتة التي لم تشارك اليوم من أجل الأقصى، ففي اعتقادي هؤلاء يدركون بالفطرة أن عناوين (يحيا الوطن) لا تصلح وأن عناوين (وطني الأكبر) لا تصلح وهم بانتظار أن يقودهم من يغضب للأقصى كأول القبلتين وليس كمضارب أحد بطون القبيلة. هذه الجماهير التي لاحظتها اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي تبحث عن الراية الضائعة منذ 100 عام.