بوصلة الثورة !

لا اجد وصفاً مناسباً للحكم على رئيس مصر الذي اصدرته عصابة الإنقلاب الا رقصة سالومي, بغيٌ بني اسرائيل التي خلعت ثيابها قطعة قطعة ليسلم لها الملك رأس سيدنا يحيى.

لا تترك عصابة الإنقلاب فرصة الا واغتنمتها لتثبت ولاءها وعبوديتها للكيان الصهيوني. المغزى الأخطر في نظري للحكم لا يكمن فقط في محاولة كسر إرادة الثورة عن طريق إرهاب الثوار بحكم إعدام ضد رئيس مصر, بل تكمن خطورة الحكم في أنه فضح الولاء الحقيقي لعصابة العسكر.

في الماضي كانت الخيانات ترتكب في الغرف المغلقة واليوم ترتكب الخيانات في قاعات المحاكم, يأمر بها عسكر متآمرون وينطق به قضاة مستأجرون يجلسون على منصة تعلوها آيات قرآنية عن العدل.

الحكم الذي اصدره الإنقلاب في حق الرئيس سهم اصاب عنق الإنقلاب, فهو شهادة له بالوطنية وبالعمل ضد العدو الصهيوني. على الرغم من غضبي الشديد من هذه الفجاجة إلا أنني احسب أن الله سلط عليهم أنفسهم ليرتكبوا ذلك الخطأ ليدرك الجميع أنهم مجرد صبية لدى الكيان الصهيوني, ولينسفوا كثيراً من الدعاية التي نسجوها في عقول البسطاء حول الرئيس وحول الإخوان المسلمين.

يذكرني هذا الحكم بما فعله النقراشي أثناء حرب فلسطين, ففي الوقت الذي كان الإخوان المسلمون يحققون فيه انتصارات كبيرة على العدو الصهيوني, ويقومون بنجدة الجيش المصري ويتوجون انتصاراتهم هذه بمعركة التبة 86, قبلَ النقراشي رجل الإنجليز الهدنة ثم اصدر مجموعة من القرارات بحل الجماعة واعتقال أعضاءها, فكان الإخوان المسلمون يعودون من فلسطين إلى معسكرات الاعتقال في سيناء ومنها إلى المعتقلات في القاهرة وغيرها من المدن.

ويحضرني ما قاله البرادعي في فضفضته حين قال ان مصر بها قوتان كبيرتان, هما الإخوان المسلمون والعسكر, هذه هي حقيقة الصراع, الإخوان المسلمون شاء من شاء وأبى من أبى هم وكلاء عن مصالح الشعب المصري في مواجهة عسكر مسلحين يمثلون مصالح الاحتلال الغربي وربيبه الصهيوني.

لقد وضع الحكم الصهيوني الصادر بحق الرئيس إطاراً للصراع وقام ببلورة شكله النهائي دون أن يدري, والمزيد الآن سيصطفون حول الثورة وأهدافها, جوهر الصراع اصبح الآن واضحاً لكل ذي عقل, فالثورة في مصر من أجل استقلال القرار الوطني, فحكم الإعدام ارادوا به إعدام الرئيس الذي انتخبه الشعب وكأنهم يقولون للشعب إياك أن تفكر في الحرية, واريد به أن يوجه لقامة اسلامية كبيرة وهو الدكتور القرضاوي في الوقت الذي امتلأ الفراغ فيه بعلماء السلطان وكأنه رسالة موجهة للدين واريد به أن يكون رصاصة توجه للمقاومة الفلسطينية.

الحكم كان رصاصة ارادوا أن يقتلوا بها أحلام الثورة والمقاومة فارتدت عليهم من حيث لا يعلمون, لقد ادرك الكثيرون بعد ذلك الحكم الصهيوني أنه قد اصبح من السخف أن ترفع الثورة شعارات ( عيش – حرية – عدالة اجتماعية ), وهي شعارات في مضمونها لا تزيد عن كونها تحسين لشروط العبودية مع الرضا والتسليم بالنظام وما بناه من مؤسسات.

اصبح من الضروري الآن أن يتم توجيه بوصلة الثورة من جديد, فالإنقلاب يعلم هدفه جيداً ويصوب رصاصاته إليه, بينما ما يزال قطاع من الثوار يرددون برومانسية شعارات لا تعني شيئاً ولا تقيم ثورة.

انه صراع بين قوى عالمية يا سادة يدور على أرضنا, شئنا أم أبينا, ودفن الرأس في الرمال لا يفيد, فالنعامة تكون في اضعف حالاتها حين تدفن رأسها في الرمال وتكون مؤخرتها عرضة للركلات.

إنها ثورة شعب لتحرير قراره الوطني الذي ظل حتى الآن مرهوناً بإرادة موظفي البنتاجون والسي آي إيه منذ تأسيسي دولة العسكر, الثورة ليست اضراباً تقوم به مجموعة من العمال في مصنع لزيادة الرواتب. لقد اصبح الاصطفاف خلف الرئيس مرسي الآن واجباً دينياً وضرورة وطنية واختياراً استراتيجياً.

 

نشر على العرب القطرية بتاريخ 18 مايو 2015