بين الأندلس وفلسطين


بين الواقع والتاريخ

إن الناظر ÙÙŠ التاريخ ليجد به الكثير من الدروس والعبر التي إن ÙˆÙØ¹Ùيَّت جيدًا لجنبتنا مخاطر الإنزلاق إلى Ù†ÙØ³ الأخطاء التي وقع Ùيها السابقون ولعلمتنا كي٠تصنع الحضارات وكي٠تهدم .. ومن ذلك يمكننا Ùهم الأهمية التي أولاها الله سبحانه وتعالى للقصص ÙÙŠ القرآن الكريم من حيث العدد والتصوير الÙني البديع الذي يجعلك وكأنك تشاهد ما حدث رأي العين وما كنت لديهم آنذاك.

ومن تلك القصص التي تحزنني كلما طالعتها هي قصة سقوط الأندلس ØŒ ÙÙÙŠ يوم 2/1/1492 أي منذ 526 سنة سقطت غرناطة آخر معاقل المسلمين ÙÙŠ الأندلس بعد حضارة عظيمة استمرت لثمانية قرون، كانت Ùيها الأندلس عاصمة Ø§Ù„Ø«Ù‚Ø§ÙØ© والجمال والعلوم ومنارة تهÙÙˆ إليها Ø§Ù„Ø£ÙØ¦Ø¯Ø© من كل حدب وصوب .. ولقد كان ÙÙŠ سقوطها العديد من الدروس الواجب تدبرها جيدًا لأننا Ùيما يبدو نكرر Ù†ÙØ³ أخطاءنا السابقة ونلدغ من ذات الجحر مرات ومرات

(1)

لقد ظلت الأندلس لمدة ثلاثة قرون موحدة بقيادة حكومة واحد Ø© قوية ينعم Ùيها المسلمون والمسيحيون واليهود بالتعايش السلمي ولم يكن لها أعداء سوى ممالك النصارى ÙÙŠ الشمال، ولكن بسقوط Ø§Ù„Ø®Ù„Ø§ÙØ© الأموية انقسمت الأندلس إلى ما يزيد عن عشرين دويلة أعلنت كل واحدة استقلالها، ثم بدأ الصراع بين تلك الطوائ٠بعضها البعض، كلٌ يطمع ÙÙŠ توسيع مملكته ÙˆÙØ±Ø¶ Ù†Ùوذه ولم يجدوا حرجًا ÙÙŠ أن يستعينوا بعدوهم الأوحد ÙÙŠ صراعاتهم الداخلية .. ولما وجد هذا العدو Ø§Ù„ÙØ±ØµØ© سانحة لاختراق تلك الصÙÙˆÙ ÙØ¥Ù†Ù‡ لم يأل جهدًا ÙÙŠ زيادة تلك الصراعات وتأجيجيها .. ÙÙÙŠ الوقت الذي كانت تتÙكك Ùيه مدن الأندلس إلى دويلات صغيرة، كانت ممالك الشمال “قشتالة وأراجون†تتحد سويًا من أجل الانقضاض على المسلمين ÙÙŠ شبه الجزيرة الإيبيرية .. واطلقوا على حروبهم تلك اسم حروب الاسترداد رغم أن تلك الممالك لم تكن موجودة عندما وصل المسلمون إلى شبه الجزيرة الإيبيرية وأقاموا دولتهم .. بل إن الكنيسة قد Ø£Ø¶ÙØª على تلك الحروب صبغة

 

A pencil drawing of a woman with long hair.

 

A pencil drawing of a woman with long hair.

سقطت المدن الأندلسية واحدة تلو الأخرى .. برشلونة .. سانتياجو .. ليون .. سلامنقه .. مدريد .. طليطلة .. وقد كان سقوط طليطلة ناقوس الخطر الذي نبه الكثير من الأمراء الذين شكلوا ÙˆÙØ¯Ù‹Ø§ وذهبوا لطلب المعونة من المغرب العربي حيث كانت توجد دولة المرابطين، ولم يتردد يوس٠بن تاشÙين عن نصرتهم وذهب بجيشه مجاهدًا ضد الأسبان، وانتصر المرابطون ÙÙŠ معركة الزلاقة انتصارًا عظيمًا وإن لم ينجحوا ÙÙŠ استرداد طليطلة مرة أخرى إلا أنهم بلا شك قد مدوا ÙÙŠ عمر الأندلس قرونًا عدة

ولكن Ø§Ù„Ø®Ù„Ø§ÙØ§Øª والنزاعات بين أمراء الممالك الأندلسية زادت ÙˆØªÙØ§Ù‚مت حتى أن كل إمارة كان بها إما أمير أو قائد أو Ùقيه طامع ÙÙŠ الحكم .. ÙˆØªÙØ´Øª الخيانة .. Ùمن يتولى الحكم يعلم أنه بعد ÙØªØ±Ø© سيبرز له آخر يحاول طرده .. وكان الحاكم ومن يريد الانقلاب عليه يطلبان المساعدة من قشتالة .. وكان هؤلاء يستغلونهم استغلالًا كاملًا ÙÙŠ التنازل عن المواقع والحصون .. وتوالى سقوط الممالك ÙØ³Ù‚طت سرقسطة وقرطبة التي كانت عاصمة Ø§Ù„Ø®Ù„Ø§ÙØ© الأموية ØŒ صاحبة الثلاثة آلا٠مسجد وصاحبة أكبر مسجد ÙÙŠ العالم “الجامع الكبير†الذي بدأ بناءه عبد الرحمن الداخل “صقر قريش†وكان من أشهر جامعات العالم وأكبر مركز علمي ÙÙŠ أوروبا .. تخرج Ùيه العديد من علماء المسلمين كالزهراوي وابن رشد والإدريسي وابن Ø·Ùيل وابن باجه والذي تحول لكنيسة بعد السقوط .. وسقطت بالنسيه ومرسية وشاطبة “بلدة الإمام الشاطبي عالم القراءات†.. ولم يتبق إلا إشبيلية وغرناطة .. أما إشبيلية Ùقد حوصرت حصارًا شديدًا شارك Ùيه ابن الأحمر “حاكم غرناطة†حتى سقطت .. وظلت غرناطة آخر معاقل المسلمين ÙÙŠ الأندلس

(2)

كانت غرناطة آنذاك يحكمها أخوان من بني الأحمر هما الغالب بالله “الشمال†والزغل “الجنوب†وكانت بينهما صراعات شأن كل الممالك السابقة استعان Ùيها الزغل بملك قشتالة على أخيه (وكأنما لم يتعلم الدرس بعد!) .. أما الغالب بالله Ùكان له ولدين هما أبو عبد الله محمد الملقب بالملك الصغير وأمه هي عائشة الحرة صاحبة المقولة الخالدة “ابك٠كالنساء على ملك لم ØªØ­Ø§ÙØ¸ عليه كالرجال†.. والولد الآخر هو يحيي من جاريته ثريا .. ولما كان الغالب يريد أن ينقل ملك غرناطة ليحيى Ùقد قام بحبس زوجته عائشة وابنها أبي عبد الله، ولكن الأخير ثار على أبيه وطرده إلى الجنوب

قام ملك أسبانيا بعد ذلك بأسر الملك الصغير “أبو عبد الله محمد†.. ÙØ§Ø³ØªØºÙ„ عمه الزغل Ø§Ù„ÙØ±ØµØ© واستولى على غرناطة بالكامل وضمها إلى أملاكه .. وكما ذكرنا سلÙًا كان المستÙيد الأعظم من كل تلك Ø§Ù„Ø®Ù„Ø§ÙØ§ØªØª هم الأسبان Ùما تركوا ÙØ±ØµØ© يمكنهم استغلالها إلا ÙˆÙØ¹Ù„وا .. ÙÙŠ الأسر اقنع ملك أسبانيا الملك الصغير “كان ÙÙŠ العشرينات من عمره بالمناسبة Ùكان صغيرًا سنًا ومقامًا†، اقنعه أن يوليه على غرناطة ويعزل عمه الزغل بشرط أن يكون حاكمًا على غرناطة باسم ملك أسبانيا وبالطبع واÙÙ‚ الصغير

هجم ملك أسبانيا على غرناطة من الجنوب ÙØ§Ù†Ø´ØºÙ„ الزغل بصد الهجوم وكانت Ø§Ù„ÙØ±ØµØ© سانحه للملك الصغير بالاستيلاء على الشمال مرة أخرى .. وجد الزغل Ù†ÙØ³Ù‡ بين شقي رحى ÙÙØ± إلى الشرق .. واستولى ملك أسبانيا على مالقه وبالطبع لم يسلمها للصغير وإنما أخبره أنه سيبقي بها الجيش لحمايتها كي لايعود الزغل Ùيستولي عليها .. لكنه بعد شهور قليلة استرق أهلها واستعبدهم!

ومن ثم طالبوا الصغير بتسليم غرناطة ليتولوا هم أمرها .. وهنا Ùقط شعر الملك الصغير أن ملك أسبانيا â€œÙØ±Ù†Ø§Ù†Ø¯Ùˆ الثالث†ليس كما كان يعتقده وأيقن أنه قد تخلى عنه، ولم يكن أمامه خيارًا آخر Ø› إما أن يسلم غرناطة وإما أن يحارب وقد قرر Ø§Ù„Ø¯ÙØ§Ø¹ عن غرناطة .. وأثناء ذلك كانت حركة المقاومة بقيادة الرجل Ø§Ù„ÙØ§Ø¶Ù„ والبطل موسى بن أبي الغسان صاحب الصولات والجولات على حصون العدو ØŒ كان يحرَّك الجهاد ÙÙŠ قلوب الناس، ÙˆÙŠÙØ­ÙŽÙ…Ùّسهم على الموت ÙÙŠ سبيل الله، وعلى Ø§Ù„Ø¯ÙØ§Ø¹ عن بلدهم وهويتهم .

وطيلة سبعة أشهر كاملة ظل أصحاب Ø§Ù„Ø§Ù†ØªÙØ§Ø¶Ø© ÙÙŠ Ø¯ÙØ§Ø¹Ù‡Ù… عن حصون غرناطة ضد الهجمات النصرانية الشرسة، ÙˆÙÙŠ ذات الوقت كان محمد بن الأحمر الصغير ينظر إلى الأمور ويستطلعها من بعيد حال Ø§Ù„ÙˆØ§Ù‚Ù Ø§Ù„Ù…ØªÙØ±Ø¬ØŒ ولم يستطع أن ÙŠÙØ¹Ù„ شيئا، حتى أرسل ÙØ±Ù†Ø§Ù†Ø¯Ùˆ يطالبه بتسليم غرناطة مقابل توقيع Ø§ØªÙØ§Ù‚ية تضمن لمسلمي غرناطة Ø§Ù„Ø§Ø­ØªÙØ§Ø¸ بهويتهم العربية والإسلامية والاحتكام إلى قوانينهم الدينية الخاصة وعقاب كل مسئول يحي٠بأي مسلم .. كانت Ø§ØªÙØ§Ù‚ية طويلة جدًا .. من حيث النص بدت كأنها تحترم معتقدات المسلمين ÙˆØ«Ù‚Ø§ÙØªÙ‡Ù… وحريتهم ÙÙŠ ممارسة شعائرهم “رغم أنها لم يطبق منها شئ بعد ذلك†حتى أن أهل غرناطة واÙقوا عليها عندما تÙليَت عليهم .. وهنا اجتمع الملك الصغير بوزرائه ورجاله واتÙقوا على التسليم .. وحده موسى بن أبي الغسَّان Ø±ÙØ¶ ذلك بشده وأخبرهم أن هؤلاء لا عهد لهم وأنهم سينتهكون حرماتهم ما إن يتملكوا الأمر “وقد كان†وحاول يستحثهم Ù„Ù„Ø¯ÙØ§Ø¹ عنها والاستشهاد دونها .. وقال لهم †خير لي أن أحصى بين الذين ماتوا Ø¯ÙØ§Ø¹Ø§Ù‹ عن غرناطة من أن أحصى بين الذين شهدوا تسليمها †ولكن أحدًا لم يستمع!

وسقطت غرناطة ..!

(3)

والسؤال هنا هو كي٠كنا بتلك السذاجة ؟!

ألم يعلم أمراء الأندلس أن Ø®Ù„Ø§ÙØ§ØªÙ‡Ù… وصراعاتهم من أجل توسيع ممالكهم كانت ÙÙŠ مصلحة الأعداء .. Ùقط ØŸ!

ألم يعتبر كل منهم بسقوط المدينة تلو الأخرى ؟!

كي٠استعانوا بأعدائهم ÙÙŠ حروبهم على إخوانهم ØŸ!

ألم يعلموا أن الذئب الذي يستنصرونه على بني جلدتهم اليوم سيأكلهم غدًا ؟

هل يعقل أنهم لم يكونوا يعلمون تلك الحقائق البسيطة ØŸ وهل كنا ÙÙŠ حاجة إلى درس قاس ومؤلم ÙƒÙقد الأندلس لنتعلم أن الاتحاد قوة ÙˆØ§Ù„ØªÙØ±Ù‚ ضع٠؟!

وهل حقًا تعلمنا ذلك الدرس الآن ؟!

لعمري إن الناظر ÙÙŠ أحوالنا اليوم ليكاد يقسم بأغلظ الأيمان أننا لم Ù†Ùقه شيئًا من تاريخنا ولم نعتبر بما حدث لنا ÙÙŠ الماضي .. لقد كان ضياع الأندلس عقابًا إلهيًا استحققناه بتخاذلنا وضعÙنا ÙˆØªÙ‡Ø§ÙØªÙ†Ø§ على Ø³ÙØ§Ø³Ù الأمور .. لقد Ø·ÙØ±Ø¯Ù†Ø§ من جنة الأندلس عندما أكل أجدادنا من الشجرة الملعونة ليصبحوا ملوكًا خالدين

“قَدْ خَلَتْ Ù…ÙÙ† قَبْلÙÙƒÙمْ سÙÙ†ÙŽÙ†ÙŒ ÙَسÙيرÙواْ ÙÙÙŠ الأَرْض٠ÙÙŽØ§Ù†Ù’Ø¸ÙØ±Ùواْ كَيْÙÙŽ كَانَ Ø¹ÙŽØ§Ù‚ÙØ¨ÙŽØ©Ù الْمÙكَذَّبÙينَ†[آل عمران:137]

هل حقًا تعلمنا الدرس ؟!

انظر إلى Ùلسطين كمثال واقرأ تاريخها لتجد Ø¨Ù†ÙØ³Ùƒ الإجابة .. إن Ø§Ù„Ø¹ÙØ¨ÙŽØ± كثيرة لكن قليلً Ù…ÙŽÙ† يعتب