حين تسقط تلك الجيوش بقلم | آيات عرابي

 

أسرة صغيرة هي كل ما يحرص على الحفاظ عليه, منذ عامين ابيدت أسرته بالكامل, ولم يبق له الآن إلا زوجته وابنته الرضيعة. لم يكن يعلم وهو يتناول عشاءه أنه سيلتقي من رحل من أسرته.

نامت الأسرة الصغيرة بعد عشاء فقير على فراش استنقذوه من بين ما استنقذوا من بيتهم القديم الذي تحول إلى أنقاض.

وعلى بعد عشرات الكيلومترات, بدأت الهليكوبتر رحلتها من ذلك المطار البعيد والطيار يلوك بعضاً من البسكويت وينظر في رتابة إلى عدادات الطائرة, سيلقي حمولتها على تلك البيوت التي حددوها له ثم يعود لينال قسطاً من الراحة وربما اصطحب زوجته وابناءه إلى أحد المطاعم.

طار على ارتفاع عالِ حتى يفاجئهم, مهمة قام بها عشرات المرات, حتى اصبحت جزءاً من مزاجه الشخصي, جرعة المخدر التي لم يعد بمقدوره الاستغناء عنها, الآن اصبح فوق الهدف تماماً, سيلقي الحمولة ويمضغ المزيد من البسكويت الروسي الذي بدا له فاخر, ثم يعود إلى القاعدة وربما احتسى كأساً من الخمر مع ذلك الضابط الروسي قبل أن يعود لأطفاله, ثم تذكر أن زميله الروسي قد اقلع بطائرته ليقصف حياً سكنيا آخر, فقرر أن يقضي الوقت في التسامر مع ذلك الضابط الإيراني من الحرس الثوري والذي يزور المطار من وقت لآخر.
ضغط زر إسقاط القنبلة في استمتاع, وعاد أدراجه مبتهجاً بما قام به من أجل إنقاذ سوريا من التدخل الأجنبي.

القنبلة شديدة الانفجار تهبط الآن من فوق السحاب, متجهة إلى مربع سكني لا تعرفه, القنابل لا تفهم ولا تشعر, هي فقط تفعل ما تؤمر به, لا تجيد سوى الانفجار.

انفجار هائل رج مباني الحي واطاح بعدة مبانِ, لم يشعر هو بشيىء, حتى صوت الانفجار لم يوقظه, فقد تلاشى هو وزوجته وابنته في لحظة
استيقظ الحي كله, في لحظات تحول الحي النائم إلى مأتم, أصوات صراخ وبكاء, أشلاء تناثرت في كل مكان, لون الدم غطى ما تبقى من الجدران, الجميع يركضون في كل مكان لرفع الأنقاض.

عدة انفجارات في عدة أحياء, اختلفت أسماءها وجمعها مصير واحد, نفس الأنقاض التي تُرفع, نفس الراكضين يهرولون في كل مكان يجمعون الأشلاء.

على بعد مئات من الكيلومترات جنوباً, طيار الأباتشي يمسك بهاتفه الآيفون الذي اشتراه حديثاً, يفتح حسابه على الفيسبوك, وينشر صورة لضابط يصوب السلاح إلى رأس مصري ويكتب:

“وانت قاعد في التكييف افتكر انه لولا الجيش اللي بيحمي الحدود ما كنتش عرفت تجيب تكييف”

أو شيىء من هذا القبيل, يستدعيه قائده بكلمات سريعة مما يوحي له أن الأمر عاجل, يقفز من مكانه ويسرع ليرتدي خوذته, يلقي إليه قائده أوامر سريعة فيؤدي له التحية العسكرية ويسرع إلى طائرته ولحظات وترتفع الطائرة.

يسرع إلى الهدف في حماس وفي أذنه تدوي كلمات شاويش الانقلاب عن حروب الجيل الرابع وعن الارهاب والمجابهة والتحديات, ثم يتذكر كلمات الخبير الاستراتيجي اللواء سيد شيىء ما عن المؤامرة الكونية على مصر وعن سلاح الليزر الكهرومغناطيسي الذي اسقطت به الدول العظمى الطائرة الروسية, فيجز على أسنانه.

لم يستغرق الوصول للهدف طويلاً, والمهمة سهلة, فالعشة التي أمره قائده بقصفها تقع في مكان منعزل هاديء, ضغط على زر اطلاق الصاروخ وهو يهتف (تحيا ماسر 3 مرات).

ثم بدأ طريق العودة إلى القاعدة بعد أن نفذ المهمة, تصور نفسه وهو يحكي لزوجته عن المهمة السرية التي قام بها, فامتلئت نفسه فخراً.

لمح طائرة إسرائيلية تعبر على مسافة منه لتقصف هدفاً ما في سيناء, فهز كتفيه وواصل طريقه وجسده يرتعد من حرارة الوطنية, شاعراً بالفخر لأنه يساهم في إنقاذ مصر من التدخل الأجنبي.

فوق سماء غزة تتكرر نفس القصة, بنفس التفاصيل, تتعدد أسماء الشهداء ويختلف مشهد الأنقاض ولكن الفارق هو أن الطائرات هناك لا تكذب, فهم لا يخفون صهيونيتهم, ولا يدارون العلم ذا النجمة الزرقاء خلف قطع قماش صبيانية بألوان سخيفة عديمة المعنى.

ضباط تلك الميليشيات التي يسمونها جيوشاً كمن تم تنويمه مغناطيسياً ثم أيقظوه لأداء المهمة الوحيدة التي كلف بها, وهي أن يعملوا كقوات شرطة ضد الشعوب المسلمة لحماية أسيادهم في الكيان الصهيوني, ثم يحدثونك عن
المؤامرة الكونية وعن التقسيم وعن الارهاب .. الخ

سقوط تلك الجيوش هو المرحلة التي تسبق تحرير فلسطين, فهم لا يتلقون رواتبهم الا من أجل ابقاءها رهينة في يد العدو الصهيوني.