آيات عرابي تكتب|تمثيلية الانقلاب في تركيا!

الجزء الأول – استعراض للأحداث
(اعتذر لطول المقال لكن لم يكن من الممكن ان يكون اقصر من هذا وان شاء الله سوف اتناول تمثيلية الانقلاب في تركيا في كتاب كما كتبت عن تمثيلية اكتوبر )
الانقلاب الأكثر كوميدية في التاريخ
ان اكبر تحصين للاكاذيب هو ان تظهر الحقيقة على لسان كذاب, في القصة الشهيرة التي كنا نسمعها ونحن صغار, ان طفلا كذابا, اعتاد الاستغاثة وهو في الماء, وكان يصرخ قائلاً انه يغرق, فلما يهب الناس لنجدته ويصلون الى حيث كان, كان يضحك منهم قائلاً انه يمزح !!
فلما كان يغرق حقيقة, استغاث بهم وظل يصرخ ولم يعره اي منهم انتباها لانهم ظنوه يكذب كعادته, فتركوه ليغرق !
وهذه هي الكارثة في ان تظهر الحقيقة على لسان الكاذبين, ان اردت ان تحصن اردوغان, فاجعل بن زايد ينتقده. الاسلوب نفسه كان يتبعه عبد الناصر الذي ظل يوهم الجميع انه على عداء مع امريكا, حتى اكتشف الجميع انه كان مجرد عميل امريكي وكتب مايلز كوبلاند في مذكراته ان ضباط المخابرات الامريكية كانوا هم من يكتبون كل المواد المعادية لامريكا في اعلامه وخطبه.
كانت اكبر خدمة وتثبيت لاكذوبة انقلاب تركيا هي ان يقول اعلام الانقلاب العسكري في مصر انها تمثيلية.
كانت تمثيلية الانقلاب حدثاً مهما في بناء الصورة الاعلامية لاردوغان في ذهن الشعوب المسلمة, فهذا هو اردوغان المستهدف من اولاد سعود واولاد زايد واضرمت آلة الاعلام التركي النار في مشاعر المسلمين الملتهبة حين حاولت الايحاء بان الولايات المتحدة مشاركة في محاولة الانقلاب ولم يأل اردوغان نفسه جهداً في التلاسن واطلاق التصريحات النارية (وهي مسألة يجيدها تماماً) ضد الولايات المتحدة للايحاء بان الولايات المتحدة وراء المحاولة
والتهبت اكف الجماهير بالتصفيق في حالة من النشوة عززتها حالة الجماهير العربية الراغبة في الخروج من احباط الثورات المضادة التي حطمت احلام الشعوب بانقلاب العسكر في مصر وما تلاه من مجازر او في الانقلاب السلمي في تونس والذي انتصرت فيه الثورات المضادة
بينما حقيقة الامر ان اولاد سعود (وقطر وتركيا والاردن) كانوا شركاء كاملين مع تركيا في تمويل فصائل من الجيش الحر في عملية سرية تحت ادارة المخابرات الامريكية لتدريب وتمويل هذه الفصائل (عملية خشب الجميز) ولم تنسحب السعودية من العملية الا في 2017 بعد التوتر الذي نشب (فجأة) بينها وبين قطر (نيويورك تايمز أول تعليق)

والحقيقة ان هناك تناقضاً واضحاً بين الرواية الشعبية (التي سمح بها الإعلام التركي) عن ضلوع أمريكا في محاولة الانقلاب, يناقضها عدة امور منها ان خلوصي أكار رئيس الأركان رجل موالِ للناتو وصاحب تاريخ طويل في مناصب الناتو وقد شغل في الفترة ما بين عامي 1990 و1993 منصب ضابط اركان في فرقة المخابرات بقيادة الناتو الجنوبية في نابولي كما أنه حصل على وسام استحقاق البنتاجون Legion of Merit قبل سنة من تمثيلية الانقلاب وسلمه له رئيس الأركان الأمريكي السابق الجنرال ريموند اوديرنو في 27 يناير 2015 في قاعدة ماير هندرسون الامريكية بولاية فيرجينيا وهو وسام حصلت عليه بعض القيادات في الجيوش الحليفة للولايات المتحدة مثل ايهود باراك في اسرائيل ومثل اللواء محمد الكشكي الملحق العسكري في واشنطن في 2013 من الجيش المصرائيلي

هذه الألاعيب الكبرى التي تمارس على الشعوب تعتمد على تقديم مشاهد تمثيلية (يعرف فقط اقل القليل من اطرافها انها تمثيلية) بينما يُترك الأمر لردود الأفعال الطبيعية للأطراف الذين يتم توريطهم في هذه التمثيليات
(مثل تمثيلية اكتوبر والتي صدرت فيها الأوامر للجنود بالعبور ثم بالتوقف ثم بتطوير الهجوم … الخ)
وهي تمثيليات تعتمد أساسا على إخفاء تاريخ المشاركين فيها وعلى اخفاء العلاقات بين اطرافها حتى يتسنى لمن يدير المشهد تصدير صورة معينة واقناع المشاهد بها, مثل ان تركيا مستهدفة من اولاد سعود (بينما الحقيقة أنهما كانا شريكين في عملية تديرها المخابرات الأمريكية حتى بعد تمثيلية الانقلاب بسنة كاملة).
الحقيقة ان الموضوع كان تمثيلية واضحة تماماً لكن لم انتبه اليها بفعل اشياء كثيرة منها مثلاً انني كنت اتقبل الرواية الرسمية التركية للأحداث كمسلمات نظرا لثقتي سابقا في أردوغان.
والحقيقة أننا لو قرأنا كتاباً واحداً محترماً يتحدث عن أساليب الانقلابات لصرنا نضحك على انفسنا من اعتبار هذه الحلقة التي شاهدناها من كرتون توم وجيري, انقلاباً.
الحقيقة ان الأمر بدا (بعد فترة طويلة من برود العواطف المصاحبة للحدث), مناورة كبيرة وزعت فيها الأدوار على البعض, علم فيها البعض بدوره وجهل الآخرون أدوارهم
مناورة انجر لها الأتراك كما انجررنا لها نحن بصورة عاطفية تماماً وبعيدا عن أي تفكير منطقي.
(مناورة تمت بنفس طريقة تمثيلية الانقلاب على هوجو تشافيز والتي شرحتها من قبل – ثاني وثالث تعليق).

اتذكر ليلة تمثيلية الانقلاب وانا انشر اخبار الانقلاب وانقل الاخبار والعن الجيش التركي وكل الجيوش الإلزامية .. اذكر انني كنت ابكي ليلتها على سقوط اردوغان وابكي غيظا من ان قطيع اعلاميي العسكر سيخرجون لنا السنتهم وسيقيمون افراحا جنونية احتفالا بسقوط اردوغان واذكر حالة الفرح التي انتابتني بعد ما ظننته فشل الانقلاب وما قدمته من حلقات مثل (افرم يا اردوغان وكلها حلقات ومواد موجودة على الصفحة), اذكر كل هذا وأضحك من نفسي.
كم كنتُ ساذجة وقتها!
فيما بعد, وبعدما بدأت القراءة بتوسع في مواضيع الثورات والانقلابات, علمت ان ما شهدناه ليلتها كان فيلماً هزلياً لا يرقى حتى الى مستوى حلقات بوجي وطمطم, فالانقلابات لا تتم بهذه الطريقة ابداً, فأي انقلاب يسعى للسيطرة على ثلاثة أشياء
أولا : رئيس الدولة الذي ينقلب عليه (في حالة الملك فاروق تم عزل الملك فاروق عن آليات اتخاذ القرار فاضطر للقبول بالنفي).
ثانياً : جيش الدولة التي يقوم بالانقلاب فيها لذلك ففي غالبية الحالات تتم الانقلابات بقيادات الجيوش كما حدث في انقلاب 2013 في مصر حيث كان الانقلابي السيسي هو وزير الدفاع (ولو كان الانقلابيون من صغار الضباط مثلما حدث في انقلاب يوليو 1952, فيتم القبض على قيادات الجيش الذي يتم الانقلاب عليه وشل آلية القرار فيه)

(وهذا يعني قلب الدولة باستخدام القوة الوحيدة المتاحة وهي الجيش او السيطرة من الداخل على القوة الوحيدة وهي الجيش).
ثالثاً : السيطرة على كل وسائل الإعلام وكتمها مرة واحدة لقطع وسيلة التواصل بين السلطة الموجودة وبين الشعب وإقامة تواصل بين الشعب وبين الانقلاب
(انقلاب 1952 مثلا سيطر على الإذاعة وانقلاب 2013 اغلق في لحظة واحدة كل القنوات الإسلامية وكان يسيطر على الباقي).
هذه معلومات مبدئية جداً (موجودة في بعض المراجع النادرة جداً مثل كتاب تكنيك الثورة لكورتزيو مالابارت) وإذا جرت الأمور على عكس هذا فمعنى هذا انها لعبة.
بالنسبة لتمثيلية الانقلاب في تركيا
(المواعيد الخاصة بالأحداث مأخوذة من جريدة تقويم التركية في تقرير صحفي ترجمة موقع نون بوست – رابع تعليق)

رئيس تركيا
في الساعة الثانية عشر وإحدى عشر دقيقة (12:11) غادر أردوغان الفندق الذي كان يقيم فيه بمدينة مرمريس باستخدام طائرة مروحية
(كانت قد مرت ساعة على إعلان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم قيام مجموعة من داخل الجيش التركي, بمحاولة للانقلاب وبعد ساعتين من سماع اصوات اطلاق نار عند مبنى رئاسة الأركان في أنقرة)
بعد مغادرة أردوغان الفندق بساعتين (الساعة الثانية) قامت 3 طائرات هليكوبتر “انقلابية” بقصف الفندق
(البعض قد يشكك في التوقيت رغم أنه مأخوذ من صحيفة تركية وانا سوف افترض صحة تشكيك اي شخص يشكك في التوقيت ولنقل إنهم قصفوا فندقه بعد دقيقة من خروجه).
هنا تثور عدة اسئلة
لماذا لم يهتم “الانقلابيون” بالسيطرة على رئيس الدولة واعتقاله أو قتله وتركوه لمدة ساعتين او أكثر ؟
لماذا لم تتم عملية السيطرة على مبنى رئاسة الأركان بالتزامن مع محاولة السيطرة على أردوغان ؟
(وجود فترة ساعتين بين الاجرائين يدل على أنه لم تكن هناك أي سيطرة بالمرة ولا تنسيق بالطريقة التي تحدث في الانقلابات).
لماذا لم يتحرك طاقم حراسة أردوغان لنقله من الفندق الذي يقيم به الى أي جهة أخرى غير معلومة, وهذا إجراء تأمين متبع في مثل هذه الحالات حيث تكون لرئيس الدولة الاهمية القصوى في التأمين ولماذا انتظروا ساعتين كاملتين بعد قصف مبنى الاركان وبعد ساعة من اعلان علي بن يلدرم عن محاولة الانقلاب ؟
(هذه فترة مستحيلة بالنسبة لرئيس دولة)
لقد اظهرت المجموعة التي قامت بـ “الانقلاب” عنفاً غير محدود حيث قصفت الناس في الشوارع من الطائرات وفتحت النار على بعض التجمعات المدنية (عند جسر البوسفور مثلا), فلماذا تركوا اردوغان يفلت مع ان في هذا خطر على حياتهم ذاتها ؟
(بمعنى انه اذا نجح اردوغان في الافلات منهم فسوف يعني هذا اعدامهم او سجنهم طوال حياتهم, فلماذا تركوه مع علمهم بالمخاطرة ؟)

بن علي يلدرم
حتى أبريل 2017 كان النظام برلمانيا بمعنى ان رئيس الوزراء هو رئيس السلطة التنفيذية وان الرئيس منصب يكاد يكون شرفياً, وهذا يعني ان أي انقلاب طبيعي كان سيعتقل الاثنين, رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية, لأن رئيس الوزراء في هذه الحالة يمكنه حشد الاجهزة التنفيذية في الدولة وحتى لو لم يكن قادراً على مقاومة انقلاب يقوده الجيش (او جزء منه) فإن وجوده حراً وحشده أجهزة الدولة التنفيذية سيجعل مهمة الانقلاب صعبة جداً.
ولهذا ففي كل الانقلابات التي وقعت في تركيا كان رئيس الدولة يعتقل مع رئيس الوزراء
لماذا لم يضع “الانقلابيون”, بن علي يلدرم على خارطة الأهداف التي يستهدفونها ليلة الانقلاب ؟
(الا لو كانت المحاولة من المقصود منها ان تبدو كأنها انقلاباً ضد اردوغان الذي يتغلب بمعاونة شعبه على الانقلاب ليظهر بعدها بمظهر الزعيم ليتخذ قرارات لم يكن ليتخذها في ظروف أخرى)

رئيس الأركان
أي انقلاب يتم بقيادة الجيش نفسه وفي هذه الحالة لا تكون هناك مشكلة, فقيادة الجيش هي التي تحرك القوات وتوجه له الأوامر, وهذا ما حدث في انقلاب 2013 في مصر أما في انقلاب يوليو 1952, فالانقلاب تم بمجموعة من الضباط لا تنتمي لقيادة الجيش وبالتالي كان احد اهم اهدافهم هو السيطرة على قيادات الجيش او عزلها عن القيادة بحيث لا تعود قادرة على اصدار الاوامر او السيطرة على الجيش وهذا ما حدث بالفعل وهنا لا يفيد انضمام قائد سلاح من الاسلحة لان عملية الانقلاب في هذه المرحلة هي عملية عزل للقيادة عن مجموع الجيش بحيث يصبح المجموع هيكلا بلا حراك فوجود محمد نجيب (وكان قائد سلاح حرس الحدود) لم يكن له أي فائدة في مرحلة عزل القيادة عن كتلة الجيش.
وفي تمثيلية الانقلاب في تركيا نجد مجموعة من المتناقضات المضحكة.
فرئيس الأركان كان يجب ان يكون اول هدف للانقلاب المزعوم وهذا ما لم يحدث
ومقر هيئة الأركان كان يجب ان يكون احد اهم الاهداف التي يتم السيطرة عليها وهذا لم يحدث.
يعني سنجد حسب تقرير نشره موقع (عرب 48 – خامس تعليق) ان رئيس الاركان في اعترافاته عن ليلة الانقلاب, علم بوجود تحركات مريبة فبدأ في اتخاذ بعض الإجراءات واجرى بعض الاتصالات بقائد حامية أنقرة وأصدر بعض الأوامر بعدم خروج بعض القوات الا بإذنه .. الخ.
أي ان هناك بعض القوات بدأت تتحرك من الوحدات قبل ان تصل أي قوات الى مبنى رئاسة الأركان للسيطرة عليه (وهذا لا يحدث في الانقلابات).
في جريدة تقويم التركية مجموعة من المواعيد:
الموعد الأول الذي يهمنا في هذا السياق هو موعد سماع اطلاق نار من مروحية على مجموعة في مبنى الاركان وهو الساعة العاشرة مساءً وفي الحادية عشر ونصف تم اختطاف خلوصي أكار رئيس الأركان.
وبعد ما قيل عن سيطرة الانقلاب على مقر هيئة الأركان, نشر الاعلام التركي فيديو لما زعم انه اختطاف خلوصي أكار. والفيديو يظهر رئيس الأركان يمشي هادئا وسط مجموعة من الضباط يقتادون خارج مبنى رئاسة الأركان وقال هو فيما بعد أنهم اقتادوه الى قاعدة جوية (سادس تعليق).
وأنا هنا لن أناقش حقيقة ما قاله بل سأفترض صحة ما قاله بدون اي نقاش
لكن لماذا يتم اقتياد رئيس الاركان الى قاعدة جوية بدلاً من الإبقاء عليه في مبنى رئاسة الأركان ؟ (المفروض انهم سيطروا على مبنى رئاسة الأركان).
لماذا يتم اختيار مركز قيادة اخر غير رئاسة الأركان الذي يحوي كل وسائل السيطرة على القوات التركية ويتم الانتقال الى قاعدة جوية, لا يمكن ادارة الانقلاب منها ولا ربط القوات التركية بقيادة الانقلاب ؟
قال اكار أمام المدعي العام في شهادته عن “الانقلاب” أنه عقد اجتماعا مع بعض القيادات بشأن معلومات وصلت عن تحركات بعض الأسراب الجوية, فلماذا لم تتحرك القوات الموالية للشرعية مبكراً وتجهض التحرك ؟
في هذه الأحوال وفي كل بلدان العالم توجد خطط طواريء, يتم تنفيذها فور العلم بتحركات مريبة وهي خطط تهدف الى تأمين البلاد من اي محاولة انقلابية, وتتكون عادة من تأمين رئيس الجمهورية وهيئة الأركان وتأمين مركز اتصالات للقوات الموالية للشرعية وتأمين هيئة الأركان والسيطرة على الجيش, وطالما كان رئيس الأركان حراً (ولو حتى لساعة واحدة او حتى نصف ساعة), فبإمكانه ان يصدر الاوامر فورا لتتحرك القوات الموالية لاجهاض المحاولة الانقلابية, وحتى لو كان بعض قادة الاسلحة او بعض قيادات هيئة الأركان مشاركون في المحاولة الانقلابية, فإن الصورة كانت ستكون مختلفة تماماً عما شاهدنا, فسوف تتحرك قوات لاحتواء تحركات الانقلاب وكنا سنشهد عملية هي اقرب لعمليات إطفاء الحريق, ولم نكن لنشاهد كل هذه المشاهد الكوميدية المضحكة التي تبدو لاي عاقل كما لو كانت يدا ما تركتها لتحدث, فأين كانت خطة الطوارئ ؟

قوات الناتو في تركيا (القوات الخاصة التركية)
مع بداية الحرب الباردة, بدأ الناتو في تجهيز قوات في البلاد غير الشيوعية لتأمينها من محاولات الغزو الشيوعي ولتعمل هذه القوات كقوات تابعة للناتو في حالة غزو, وتسمى جيش الناتو خلف الخطوط Nato stay-behind – army وهذه القوات كانت تمولها الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية حتى بداية السبعينات (هذه هي المعلومات المعلنة ولا نعرف معلومات بعدها) وهذه القوات أعيدت هيكلتها مع بداية التسعينات واضيفت اليها مهمة حماية رئيس الأركان.
في ليلة الانقلاب المزعوم, قاد العميد سميح طرزي من القوات الخاصة, 40 من القوات الخاصة للهجوم على عدة أهداف منها مبنى البرلمان !!
العميد سميح طرزي, قُتل في اطلاق نار
ويقول خلوصي أكار ان مساعده وعدد من القوات الخاصة قاموا بالقبض عليه داخل مكتبه !!
أين ذلك العدد من القوات الخاصة الذين كانوا مكلفين بحماية رئيس الأركان وكيف تركوا عددا آخراً من القوات الخاصة يقبضون على رئيس الأركان دون ان يشتبكوا معهم ؟
في اعترافات خلوصي أكار يقول انه اجرى عدة اتصالات بعد معرفته بتحرك طائرات هليكوبتر وشدد على الا تخرج طائرة الا باذن منه وانه اتصل برئيس حامية انقرة, فلماذا لم يتخذ اجراءً واحداً لحماية نفسه ؟
لماذا لم يضاعف الحراسة على نفسه ؟
وفي هذه الحالات يكون دائما هناك مقر احتياطي ليقود منه القوات, فلماذا لم ينتقل اليه وظل في مبنى رئاسة الأركان ؟
ان علاقة خلوصي أكار الطويلة جدا بالناتو لدرجة ان يشغل مهمة ضابط في فرقة المخابرات, وان يتلقى وسام استحقاق البنتاجون الذي حصل عليه ايهود باراك والملحق العسكري المصرائيلي في واشنطن, تكذب تماما, الرواية الشعبية التي حاول إعلام تركيا ترويجها (بشكل غير رسمي) التي تقول ان امريكا ضالعة في الانقلاب على اردوغان, هي الرواية التي حاول اردوغان تثبيتها بصورة ملتوية عن طريق مطالبة أمريكا بتسليم فتح الله جولن.
لو كانت امريكا ضالعة في الانقلاب لكان الشخص الأمثل للقيام بهذه الانقلاب هو خلوصي أكار ذو العلاقة الوطيدة بالناتو.

قائد الانقلاب
يقول الاعلام التركي ان قائد الانقلاب هو اكين اوزتورك, القائد السابق للقوات الجوية التركية والذي كان محلقا عسكرياً في إسرائيل (في الفترة من 1990 الى 1992) والذي أنهى خدمته كقائد للقوات الجوية في 2015 واستمر بعدها عضوا في المجلس الاعلى العسكري التركي, وهي وظيفة لا تسمح له بتحريك القوات او تنسيق عمل معقد كانقلاب عسكري بشكل منفرد (ربما كان المجلس العسكري التركي كله قادرا على تنسيق انقلاب بكامل أعضائه وتحت رئاسة رئيس الأركان).
يقول اكين اوزتورك أنه كان موجودا في القاعدة لزيارة زوج ابنته الطيار (وهي رواية واضحة الكذب) ويقول انه اقنع عدة ضباط بالعدول عن محاولة الانقلاب .. والإعلام التركي يقول انه قائد الانقلاب وانا سأسلم جدلاً بما قاله الإعلام التركي
لكن كيف استطاع اكين اوزتورك تنسيق انقلاب وحده ؟
ان عملية تدبير انقلاب هي عملية معقدة جدا وتتطلب اتصالات مكثفة مع وحدات عسكرية وعبر قادة عسكريين وهي عملية لا يمكن ان تغيب عن أعين اجهزة المخابرات
وحتى يتضح ما اقول, فخلوصي أكار يقول في أقواله, أنه اجتمع في مكتبه بعدد من قادته بعد ورود معلومات من المخابرات عن تحرك ثلاث طائرات هليكوبتر في مدرسة تابعة للقوات البرية.
ولقد شارك في الانقلاب ما يقرب من ثلاثة آلاف ضابط وجندي وترتيب انقلاب عسكري كهذا سيحتاج شهوراً فكيف استطاع اكين اوزتورك اخفاء اتصالاته هذه عن المخابرات التركية لمدة طويلة وهي المخابرات التي تدعي انها علمت بانقلاب عسكري وشيك في مصر ويدعي البعض ان اردوغان أرسل مدير مخابراته لتحذير الرئيس مرسي من الانقلاب الوشيك ؟
كيف علمت المخابرات التركية (كما زعموا) بالتجهيزات التي تتم في مصر للانقلاب على الرئيس مرسي, وبدت كالأصم الأعمى بالنسبة لاستعدادات معقدة واتصالات وجلسات طويلة للتحضير للانقلاب وتحركات للقوات وتصرفات مريبة لقادة عسكريين منهم قادة في هيئة الأركان التركية نفسها ؟
(اغلب الظن انه تم توريط اكين اوتورك هذا من قبل رئيس الأركان والدائرة الصغيرة المحيطة بأردوغان والتي نسقت هذه التمثيلية, وتم اقناعه بلعب هذا الدور التمثيلي ثم تم الغدر به والتضحية به بعد ذلك وكتم صوته نهائيا عن طريق تغييبه في السجن)

فتح الله جولن
ان فتح الله جولن صوفي يعتنق اتجاها صوفياً ضالاً مليئا بالشركيات والتشيع يقوم على الأفكار المنحرفة الباطنية لجلال الديك الرومي وهو نفس الاتجاه الصوفي الذي يعتنقه أردوغان, وانا لن اناقش حقيقة الخصومة السياسية بينه وبين أردوغان, و سآخذ ما ينشره الإعلام التركي عن تلك الخصومة كأمر مسلم به (لابد ان يكون اعضاء تيار جولن على خصومة وعداء سياسي مع انصار اردوغان لكن فيما بين أردوغان وجولن, فهذا ما يعلمه الله وحده ).
وجولن هذا يعيش في الولايات المتحدة, وافتراض ان يقوم بتنسيق انقلاب في تركيا, ستعني اتصالات مكثفة يجريها جولن من أمريكا واستقبال زيارات من مبعوثين اتراك لينقلوا له رسائل من أتباعه الانقلابيين لينقلوا لهم رسائله بالإضافة الى اتصالات لضباط “الانقلاب” مع أشخاص محسوبين على جولن داخل تركيا نفسها وهو ما يستحيل ان يغيب عن المخابرات التركية, بالاضافة الى اننا هنا سنكون بصدد فرضين لا ثالث لهما:
الأول ان قيام جولن بتنسيق الانقلاب, معلوم بالنسبة للإدارة الأمريكية (كما حاول الاعلام التركي ان يوحي) وهنا سيعني الامر ان امريكا ضالعة في الانقلاب, وهذا سيعني ان الانقلاب لن يكون بتلك الصورة الكوميدية التي شاهدناها خصوصا أن أمريكا نفذت عدة انقلابات في تركيا (كان اخرها انقلاب كنعان افرين) وخصوصا ان أمريكا تمتلك عدة قواعد عسكرية داخل تركيا منها قاعدة انجرليك الجوية وقواعد تجسس.
بمعنى آخر, لو كانت امريكا قررت اجراء انقلاب ضد اردوغان, لكان اردوغان الان يقف في طابور أمام مكتب معاشات على خط الاستواء او يتسابق مع طائر البطريق في القطب الجنوبي.
بالاضافة الى انه اذا افترضنا جدلا صحة هذه الفرضية الساذجة, وبافتراض ان الانقلاب تم بهذه الصورة المضحكة, ثم بافتراض انه بالاضافة الى هذه السذاجة, فشل, (وهي عدة احتمالات مستحيلة), فسوف تكون الصورة السياسية مختلفة تمام الاختلاف عما نشره الآن, كانت ستكون هناك على اقل تقدير عقوبات سياسية واقتصادية على تركيا (كالعقوبات التي فُرضت على العراق مثلاُ).
الاحتمال الثاني ان امريكا لم تشارك في قصة الانقلاب وأنها بالتالي كانت ستمنع جولن من تنسيق الانقلاب لأنه ينسق أعمالا ضد دولة حليفة.
فأي الاحتمالين يجب على المشاهد ان يصدق ؟

مبنى البرلمان
قامت طائرة هليكوبتر بقصف مبنى البرلمان
لماذا يتم قصف مبنى البرلمان وما هي أهميته بالنسبة للانقلاب ؟
حتى نواب البرلمان يمكن اعتقالهم فيما بعد لو كان لهم تأثير, لكن لماذا يتم ضرب البرلمان ليلة الانقلاب ؟
لماذا يتم إهدار طاقة القوات الانقلابية في أهداف فرعية ؟
مبنى المخابرات التركية هو الآخر تعرض للقصف, لكن لا شيء بعد ذلك, يعني لم يتم حصار مبنى المخابرات التركية مثلاً ولا السيطرة عليه, بل تم قصفه ثم ترك !!
وهو مشهد تكرر أكثر من مرة في ليلة الانقلاب المزعوم.

القنوات والاتصالات
لماذا تمت السيطرة على القناة الحكومية ليذاع عليها بيان الانقلاب وتُركت باقي القنوات مفتوحة ؟
ولماذا ترك الإنترنت ليبث عليه أردوغان ندائه الى الشعب ؟
هذا مستحيل في انقلاب عسكري والانقلاب في مصر اغلق كل القنوات غير التابعة له قبل بدء الانقلاب اصلا واي مجموعة عسكرية تعمل خارج إطار الشرعية وخارج إطار الاطمئنان وبعيدا عن قيادتها كانت ستعمد الى غلق القنوات كلها والسيطرة على الاتصالات وقطع الانترنت.

موعد الانقلاب
موعد الانقلاب هو الاخر نكتة من النكت, فأي انقلاب تقوده حفنة من الضباط من داخل جيش يقوده قادة مع الشرعية (هذه المشكلة لن تكون موجودة في حالة قيام قيادة الجيش التركي بالانقلاب كما حدث من قبل), كان سيتم في موعد أفضل والناس نيام ليستيقظ الناس وقد سيطرت العناصر الانقلابية على كل شيء وأعلنت بيان الانقلاب واستتب لها الأمر, بمعنى آخر كان الانقلاب سيتم في ساعات متأخرة جدا بعد منتصف الليل في اقل درجات اليقظة في كل هذه المؤسسات وكان سيغلق القنوات ويسيطر عليها بالكامل ويستولي على مبنى رئاسة الاركان ويقبض على اردوغان وبن علي يلدرم ووزير الداخلية, ويعلن وقتها بيان الانقلاب والسيطرة على البلاد ويفرض حظر تجول … الخ
جنرالات تركيا المتمرسون في الانقلابات العسكرية, والذين ورثوا مؤسسة قامت بثلاثة انقلابات من قبل كانوا سيخططون للانقلاب بشكل أفضل من هذا وبالاستفادة من تجاربهم أسلافهم السابقة.
الخلاصة ان هذه تمثيلية تم اعدادها لتقنع جمهور المشاهدين غير المتمرسين في هذه الألعاب وهي تمثيلية استطاعت اقناع الجميع (بما فيهم انا) وهي تمثيلية تلقى صدى عند الشعوب المقهورة التي صدقت من قبل تمثيلية أكتوبر والتي صدقت حادثة المنشية والتي صدقت العاباً كبرى مثل لعبة حربة 56 ومثل تمثيلية حرب تموز.

عمليات القتل العشوائية
من بين الأمور التي تفضح حقيقة التمثيلية هي ان الطائرات قامت بإطلاق النار عشوائياً على المتظاهرين وهذا وحده غير طبيعي, فمن ناحية هذا ليس السلوك الذي سلكته كل وحدات الانقلاب العسكري ومن ناحية أخرى, فأي انقلاب عسكري يسعى دائماً لكسب حاضنة شعبية وكان من العجيب ان يطلق النار على الناس بهذه الطريقة (في الانقلاب في مصر عمل الاعلام العسكري على تصوير اعتصام #رابعة على أنه يضم شرذمة قليلة ونشره عنه كل الافتراءات ويصور ان الشعب كله ضده, تمهيدا للانقضاض عليه وهو سلوك مفهوم من انقلاب عسكري, لكن حتى معتصمي رابعة لم يقم الانقلاب العسكري بالانقضاض عليهم الا بعد تهيئة الساحة إعلاميا ضدهم وشيطنتهم).
المخابرات التركية
لعبت المخابرات التركية دورا هاما في تمثيلية الانقلاب في تركيا, وأشيع عن هاكان فيدان مدير المخابرات التركية انه امر بالاشتباك حتى الموت مع قوات الانقلاب كما تعرض مبنى المخابرات التركية للقصف, فكيف عرفت المخابرات التركية كما ادعى الكثيرون ان هناك انقلابا وشيكا سيقع في مصر بينما عجزت عن رصد كل الاتصالات والتحركات التي كان من المفترض أن تسبق هذا الانقلاب ؟

هدف التمثيلية
هدف التمثيلية في الحقيقة لم يكن ما قاله البعض ان اردوغان اراد التخلص من خصومه الداخليين, ربما كان هذا هدفاً فرعياً جداً وبعيدا.
لكن الهدف الحقيقي هو بناء صورة ناصرية لأردوغان, صورة يبدو فيها مستهدفا من الجميع.
الزعيم الذي تستهدفه القوى الكبرى والذي ينقذ شعبه من الانقلاب عليه.
الهدف كان اعطاءه هالة الزعيم التي يمكنها ان تغطي ما سيفعله في سوريا.
كان ما فعله في سوريا مريعاً. كان قيام أردوغان بسحب 3 آلاف عنصراً من الجيش الحر والزج بهم في معركة لا علاقة لها بالثورة السورية لا من قريب ولا من بعيد, بينما كانت مدمرة روسية تقصف حلب وكانت القوات الروسية والايرانية على مشارف حلب هو بداية تصفية الثورة السورية لاعادة المارد السوري الى قمقمه بعد ان تمت خلخلة سوريا سكانيا كما تتطلب فكرة تقسيم سوريا الى دويلات والتي اشارت اليها (دراسة اسرائيل في الثمانينات والتسعينات) مع الحفاظ على نظام السفاح بشار المفيد لاسرائيل كما سماه وزير الدفاع الاسرائيلي السابق.
كان تسليم حلب على طبق من فضة للروس والإيرانيين ونظام بشار مع ما صاحب ذلك من فظائع مثل انتحار بعض نساء حلب خوفا من الاغتصاب, هو مقدمة لما تم بعد ذلك من عملية تصفية للثورة السورية اشبه بعملية إطفاء حرائق في نظام بشار. كان تسليم حلب هو بداية مسار تطويع للثورة السورية قام به أردوغان, عبر سلسلة من الكوارث السياسية تحت إشراف روسي وايراني في استانة 2017 والتي نصت على خفض التصعيد وانتهت بسقوط المدن السورية المحررة تباعا من جديد في يد بشار, وفي استانة لم يكن من الممكن ان يصدر البيان الذي اعترفت فيه كل من روسيا وتركيا وايران بانه لا يوجد حل سوى الحلول السياسية (بمعنى وضع السلاح والتفاوض مع نظام بشار).
كان كل هذا اكبر وتعاون تركيا الصريح مع إيران وروسيا لتسليم سوريا لبشار اكبر من ان يختفي وكان يلزمه ستار كبير من الدخان وكان الانقلاب العسكري هو هذا الستار.

لغلق الملف السوري وهو ما يتناسب مع دور أردوغان في مشروع الشرق الأوسط الكبير كما اعترف به هو شخصيا (فيديو سابع تعليق) وهو المشروع الذي تسلم رئاسته من جورج بوش الابن في 2004 كما اعترف رئيس تحرير صحيفة يني شفق الاسبق فهمي قورو و المقرب من أردوغان ونقل عنه فهمي هويدي في مقال له على الشرق الأوسط سنة 2004 .

https://www.nytimes.com/…/us-relies-heavily-on-saudi-money-…