آيات عرابي تكتب|سلمان و الحرب على العقول!

الحرب على العقل العربي لا تتوقف لحظة, وخلفها جيش كامل من أجهزة المخابرات وخبراء صناعة الرأي العام.

الحرب هنا تقوم على مبدأ بسيط تم تطويره خلال القرن الماضي ليصبح سلاحاً قاتلاً.
وهو سحر الشاشة, فما يقال على الشاشات هو كل الصدق (هكذا يظن المواطن العربي).

اصبح التلقين المباشر على الشاشات بديلاً عن الوحي الإلهي, قدسية مصطنعة حفرت قنوات وترع في تلافيف عقل المواطن العربي وزرعت بداخلها مفاهيم اصبح من الصعب اقتلاعها, فتلك المخلوقات المتفوقة التي تظهر على الشاشات لا يمكن أن تكذب ولا يمكن أن تخطيء, ولا يمكن لنا نحن العامة أن ندرك الأمور خيراً منهم .. هكذا يفكر الكثيرون.
وفي بعض الأحيان, تتجاوز أجهزة المخابرات حالة التلقين المباشر وتصنع سيناريوهات أكثر تعقيداً لتحتل عقول جديدة وتبني بها مفاهيم مخالفة للحقيقة, تصبح معها محاولات بعث الوعي من جديد في تلك العقول التي جرى احتلالها, ضرباً من المستحيل.

الصورة الإعلامية التي جرى تصديرها لسلمان ملك السعودية هي حالة ممتازة من حالات التضليل الإعلامي التي تمت عبر حملة علاقات عامة احترافية, فجرى مثلاً تصدير الصراع على السلطة بين سلمان وبين جناح الملك عبد الله في القصر الملكي على أنه تغير دراماتيكي في سياسة السعودية.

كما جرى تلميع احترافي لصورة سلمان في الصحافة العربية, بوسائل قديمة ولكنها شديدة التأثير, فقطع الملك سلمان لمراسم استقبال أوباما لأداء صلاة العصر, والحقيقة أنها لمسة احترافية ممن يقفون خلف تلك الحملة, ولكنها تظل تقليدية يفهمها من يعملون بالمجال الإعلامي, وانتشر الفيديو العاطفي للملك سلمان وهو يقطع مراسم استقبال رئيس أكبر دولة في العالم ليؤدي الصلاة وانتشى مئات الآلاف من المتابعين, وتم ضخ حالة أمل في تغير سياسات النظام السعودي والهدف في النهاية هو عقل سيادتك أيها المتفرج, الهدف هو أن تعتقد أن الملك سلمان مختلف عن سابقه وأنه يتعامل مع الولايات المتحدة بندية وأنه لا أحد يملي عليه قراره. (مع أنك إن دققت النظر, ستجد مدير المراسم يقترب من سلمان وهو يقف بجانب أوباما ليذكره بصلاة العصر, فيستأذن من أوباما ليتركه وهو ما قد يجعلك تخفف قليلاً من حماسك)
حتى عاصفة الحزم التي أرى أنه من حق السعودية أن تشنها ضد التهديد الإيراني في الجنوب, جرى إطلاقها من الولايات المتحدة.

وأنا أسلم بوجود توتر على مستوى ما, بين النظام السعودي وبين عصابة الانقلاب في مصر, فقطع امدادات (الرز) وحده كفيل بإثارة القلاقل بينهما, ولكن لا تستغفلونا بمعارك كلامية تشرف على صناعتها أجهزة مخابرات.

الإعلام في مصر وفي السعودية يحاول أن يسوق لنا وجود حالة من التلاسن (آراها مصطنعة) بين الإعلاميين, في الوقت الذي يزور فيه محمد بن سلمان مصر ليتفق مع عصابة الانقلاب على توريد أنفار رخيصة من جيش المعونة الأمريكية للحرب في اليمن.
وهو نفس الإعلام الذي يحاول أن يسوق لنا وجود تغير في الرؤية السعودية تجاه الثورة السورية, في الوقت الذي يستقبل فيه محمد بن سلمان مدير المخابرات السورية المجرم علي مملوك, المسؤول عن قتل مئات الآلاف من أهلنا في سوريا.

بل أن الاستغفال يصل إلى محاولة إقناعك أن النظام السعودي على خلاف حقيقي مع عصابة الانقلاب, بينما حضر سلمان مؤتمر عربات الكشري الاقتصادي, وبينما يستقبل مطار القاهرة الوفد المرافق لمحمد بن سلمان لحضور حفل افتتاح الترعة.
وهي محاولات شبيهة بالتصريحات الأمريكية المعادية لإيران والتي أطلقتها الإدارة الأمريكية فورا ابرام الاتفاق النووي مع إيران !!

نعم النظام السعودي بحاجة للإخوان في اليمن وسيستمر في تخفيف التوتر مع الإخوان المسلمين, ولكن بالله عليك لا تحاول اقناعي بأننا في فيلم مصري, تتوب فيه زوجة الأب عن قهر أبناء زوجها وتتفرغ للعبادة, تعاملوا مع الصورة بواقعية ولا تشتروا بضاعة مغشوشة.