آيات عرابي تكتب|لماذا لا تتحرك الشعوب ضد الاحتلال بالوكالة؟

تمهيد الفصل الأول لكتابي (مصر المخطوفة)

عقب الانقلاب عام 2013، كان هناك سؤال يلح عليّ من حين لآخر
لماذا قاوم أجدادنا الاحتلال الصليبي الفرنسي مقاومة شرسة من شارع لشارع وتقاعسوا عن مقاومة الاحتلال البريطاني، فلم تبدأ المقاومة الا بمعارك القنال في الأربعينات والخمسينات ( باستثناء عمليات المقاومة غير المنظمة أثناء ثورة 1919)؟

لماذا انتظر المصريون كل هذه العقود لمقاومة المحتل البريطاني، بينما بدأوا في مقاومة المحتل الفرنسي منذ اليوم الأول؟

كانت الإجابة التي توصلت إليها هي حركة التغريب التي قام بها محمد علي
بعد ثلاث سنوات من بدء الحملة الفرنسية لملم الفرنسيون أوراقهم وسحبوا جيشهم المنهزم وقرروا الهجوم من الخلف.
أخطر أنواع الاحتلال، هو الذي يبتسم في وجهك بمودة، ويغمز لخادمه ليطعنك من ظهرك، والخادم قد يتسمى بإسم محمد أو توفيق أو جمال أو أنور أو حسني
في النهاية أنت لا تقاوم لأنك تعتقد إنك أمام خلاف داخلي
والمحتل الغربي يقف مبتسماً ولسان حاله يقول (هذا صراع داخلي)
قرار المقاومة قد يستغرق سنوات في الحالة الثانية
روح المقاومة كانت مشتعلة لوجود الأزهر
لم تكن المقاومة من أجل مصر وقتها، وإلا لما شارك طلبة الأزهر المغاربة في ثورتي القاهرة الأولى والثانية ولما خاطر الشهيد السوري سليمان الحلبي بنفسه ليقتل السفاح كليبر.

كانت المقاومة الشرسة من أجل الإسلام وبالإسلام
المرجل كان ما يزال مشتعلاً، وأدرك رجل فرنسا محمد علي أن قتل روح المقاومة يبدأ بعدة أمور على رأسها إطفاء المرجل المشتعل في الأزهر، فقام بالتخلص من عمر مكرم بالنفي واخترق الأزهر من الداخل و أوفد البعثات إلى فرنسا واستعان بأشباه حسن العطار لإفساد الأزهر، وكان حسن العطار هذا من اوائل من انضموا إلى المحفل الماسوني الذي أنشأه كليبر سنة 1800 ولنا أن نتصور شيخاً أزهرياً ماسونياً!

وفي المقابل ارتكب مجازر رهيبة بحق المصريين لإخضاعهم للتجنيد الإجباري
(غير تعاونه الكامل مع فرنسا في غزو الجزائر والجرائم التي ارتكبتها مرتزقته في الحجاز والعراق ومهاجمة الخلافة العثمانية من الداخل بالإضافة إلى إنشاء أول مستوطنة لليهود في فلسطين)

وكانت مدافعه تضرب القرى في محاولة لإخماد ثورة الصعيد التي اندلعت ضد التجنيد الإجباري الذي كان اجدادنا ينظرون إليه على أنه عبودية وسخرة
بالإضافة إلى القضاء على المماليك بدلاً من إصلاحهم وانشاء جيش من المرتزقة
وكانت الخدعة الأكبر التي روج لها، هي أن تقدم مصر لن يأتي الا باعتناق أفكار الغرب، بينما أرسلت دولاً مثل اليابان بعثات لأوروبا للاستفادة من التكنولوجيا الاوربية فيما احتفظت بشخصيتها الحضارية وديانتها
(ولهذا السبب احتاجت الولايات المتحدة إلى إلقاء قنبلتين نوويتين على اليابان المحتفظة بهويتها المعتزة بثقافتها، بينما احتاجت فقط في مصر إلى تدبير انقلاب منحته لبعض صبيتها وعملاءها وعلى رأسهم المقبور عبد الناصر ابن حارة اليهود).

تخلى محمد علي تدريجياً عن دين الدولة ودون ان يقول هذا، وقام بالسيطرة على مراكز صناعة القرار بالأزهر عبر شيوخ متفرنجين منبهرين بفرنسا وبحضارة أوربا، ينقلون عنها افكارها بديلاً عن العقل الاسلامي بدلا من الاكتفاء بنقل تكنولوجيتها والإبقاء على الهوية الإسلامية

وهكذا وبطمس الهوية عن طريق السيطرة على الأزهر، وارتكاب مجازر وحشية (تشبه إلقاء قنبلتين نوويتين على اليابان) نجح محمد علي في اخضاع المصريين، وأصبحت الثورة شبه مستحيلة حتى حين!

سأحاول في هذا الكتاب الغوص في أعماق الماضي لنكتشف سويا كيف تم تغيير الهوية المصرية وكيف تمكن العسكر من السيطرة على الشعب لنصل إلى الطريق المسدود الذي نعيشه في حاضرنا. وسنكتشف سويا أن المعركة الحقيقية التي هزمنا فيها العدو عن طريق عملائه هي المعركة الفكرية.

نعم هذه هي الحقيقة

المعركة التي لم ينتصر فيها المسلمون خلال المائة عام الأخيرة ليست فقط المعارك العسكرية بل أهمها على الإطلاق معركة الفكر
معركة استطاع العدو فيها تغيير مفاهيم الإسلام حتى الأساسية منها، وحوصر الإسلام حتى في نفوس المسلمين وصار الإسلام غريباً كما بدأ.

حدث هذا فقط بالإعلام!
طوفان من الأفكار المعادية للإسلام، أغلبها تسلل بصورة هادئة وبصوت خفيض
هل تعلم لماذا ألغي عبد الناصر المحافل الماسونية في مصر؟
السبب الحقيقي وراء ذلك هي أن الماسونية صارت بوصول عبد الناصر للحكم هي التي تحكم ولم تعد محتاجة لمحافل، فعبد الناصر كان أستاذاً أعظم (شرفياً) للمحفل السوري ومعه باقي الضباط عبد الحكيم عامر والسادات وعلي صبري
(الموسوعة الماسونية لحنا أبي راشد)

هكذا صار الإسلام غريباً كما بدأ، وأصبح الشيوعيون ومن بعدهم الليبراليون هم من يصنعون مزاجك في صمت ودون أن يتعاركوا معك
فقط يكتبون لك في الصحف أو يحدثونك في الإعلام وأنت تقرأ وتشاهد وتلتقم ويتسمم عقلك
وخلف تلك الكتيبة كتيبة أخرى من البصمجية وخفاف العقول من الأنصاف جعلوهم صحفيين ومذيعين وعقولهم الفارغة هي في الحقيقة نواتج تصنيع تلك الحقبة التجهيلية فعشنا جميعا في جاهلية وصارت عقول البعض مؤهلة لتصديق الكذب ورفض الحقائق.

وبعد هذا جاء عصر الفضائيات
فضائيات ميزانيتها مليارات الدولارات
صنعت لتناسب كل الاحتياجات ولتتسرب لكل العقول
بعضها صُنع ليجعل عقول الموالين للأنظمة أشد جاهلية وأكثر استيعاباً للفجور والجرائم وبعضها صُمم ليتسلل للعقول المحافظة فيصيب تفكيرها بالشلل ويحبسها داخل نموذج لا يضر ولا ينفع.
ثم فضائيات دين منزوع الدين ودين على كل الألوان الا الدين
ونخب من الجهلاء لا فرق بينهم وبين البسطاء من الناس الا أنهم نُزعوا من بين صفوف بسطاء العقول ليتقافزوا على الشاشات أو ليتراقصوا في الصحف وليسوا سوى (حكواتيه).

إن كنت تبحث عن ثورة أو تريد تغييرا حقيقيا فيجب أن تعلم أن الثورة الحقيقية يجب أن تسبقها أو تسير معها ثورة فكرية.
كيف تثور ولم تفرض رأيك على الساحة وتجعل من أفكارك قوة دافعة للثورة؟
كيف تثور وأنت ما زلت تتعارك مع البعض حول البديهيات؟
كيف تثور وهناك من يتعارك معك حول الإسلام نفسه؟
الإسلام صار غريباً كما بدأ كما قال صلى الله عليه وسلم
وعليك أن تعيده من البداية
ولن يحدث هذا الا بعد أن تلفظ كل سموم عقلك من ليبرالية وشيوعية وغيرها
فمن هنا تبدأ الثورة ويبدأ التغيير

One thought on “آيات عرابي تكتب|لماذا لا تتحرك الشعوب ضد الاحتلال بالوكالة؟

Comments are closed.