آيات عرابي تكتب|”هذا مني وأنا منه”

لم يكن من كبار الصحابة المشهورين بالقرب من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن من أهل مشورته، ولا ممن اشتهر بين الصحابة بأخذ الفتوى عنه.

كان أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، يتردد الناس في تزويجه رغم شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيه! بل لم يشعر به أو يفتقد عند موته، ولكنه حقق معايير العقيدة الإسلامية بقدر جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول “لكني أفقد جليبيبا” ثم يثني على بلائه في منابذة أعداء الله بقوله: هذا مني وأنا منه!

تخيل أن يصف النبي صلى الله عليه وسلم نفسه بأنه منك!

يا الله

النبي صلى الله عليه وسلم خليل الله وسيد ولد آدم يقول أنه منك أنت!

لم يكتف صلى الله عليه وسلم بقوله هذا مني، بل قال وأنا منه، والله إنها لكلمة يقشعر لها الجسد طربا وتعجز أبلغ أوصاف اللغة عن وصفها ، وإن الشرف والمجد ليعجز عن وصف ما يشعر به أي شخص إذا تخيل نفسه مكان جليبيب رضي الله عنه وأرضاه، ولا أعرف وصفا يقارب ما يشعر به المسلم عند تخيل نفسه مكان جليبيب في وصف النبي صلى الله عليه وسلم له إلا بأنه شئ يشبه بعض لذات الجنة التي لن نعرفها حتى ندخلها، تماما كمن لا يعرف متعة البصر من ولد أعمى وإنما يتخيلها ويشتهيها من مخالطته للمبصرين.

اللهم ألحقنا بـ جليبيب.

إحفظ وصف النبي صلى الله عليه وسلم لجليبيب رضي الله عنه جيداً ثم انظر إلي حال (الرجال ابن عنفوة) عليه لعائن الله، وتزكية الصحابيين عبد الله ابن عمر ورافع ابن خديج رضي الله عنهما لحاله وعبادته وخشوعه قبل أن يرتد ويلتحق بمسيلمة الكذاب!

قال الله تعالى في سورة التوبة: “أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله”
وقال عز وجل في سورة الأنفال: “والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا”

ذلك أن معيار العقيدة السليمة عند السلف – قبل العصر الذهبي لعقيدة الإرجاء والتميع الذي ولدنا فيه أبا عن جد – هو مدى تحقيق التوحيد بشموله وقضاياه الكبرى وليس “الفلكلور الإسلامي” والإسلام الكيوت الذي يلقنونه لنا والذي جعلك تعتبر الوعاظ علماء وتأخذ عنهم الفتاوى.

ما أقوله هنا ليس ازدراء لشعائر الإسلام ولا وصفا لأحكامه بأنها قشور ولباب ، كما يفعل مروجي الإسلام الكيوت، بل إن دين الله كله لباب، وإنما أقول أن من يزعم تعظيم شعائر دينه إن لم يعظم القضايا العقدية الكبرى بنفس القدر فاعلم حينها أن ما يفعله لا يعدو كونها فلكلور وعادات تسكن ضميره وتشعره بأداء ما عليه. حتى عشنا في زمان نري فيه صاحب اللحية البيضاء يصطحب زوجته بنقابها الساتر الجميل للجان الاقتراع لانتخاب الطواغيت وتأييدهم، لا يفعلون ذلك مكرهين أو جاهلين، بل يتدينون ويتقربون إلى الله بتأييد الطواغيت بحجة الموازنة بين المصالح والمفاسد!

هذه المقدمة الطويلة هي مقدمة لتعليقي علي أحد الفيديوهات الذي انتشر اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي لشيخ من قيادات الدعوة السلفية وحزب الزور وهو علي أحد أبواب اللجان في 2014 وهو يؤصل شرعيا لانتخاب الطاغوت السيسي بدعوى موازنة المصالح والمفاسد والحفاظ علي الدولة والجيش والحفاظ علي مصر من التقسيم! إلي آخر كل هذه النفايات الفكرية التي قتلتها بحثا في مقالاتي منذ سبع سنوات.

ألا يعرف هذا الشيخ كيف نشأت هذه الدولة وهذا الجيش وأن من قسم مصر ابتداءاً كان هذا الجيش النظامي الذي أنشأته فرنسا لمحمد علي مؤسس “إسرائيل” الحقيقي وأول من وضع مصر على طريق العلمانية ؟!

هل يعرف فضيلته أن أول حرب شنها هذا الجيش المجرم كانت ضد الشعب المسلم؟!

هل يعرف كيف جند جيشه 1,200,000 مسلم مصري للقتال مع الإنجليز في الحرب العالمية الأولى ومات منهم 600,000؟!

هل يعلم أن المسلمين في مصر لم يعرفوا الاحتلال الصليبي والذلة حقا إلا بعد تأسيس هذه الدولة العلمانية وجيشها وشرطتها ومؤسساتها وأجهزتها حامية حمى العلمانية ومحاربة الإسلام والمسلمين؟

هل يعلم فضيلته أن (الدولة المصرية) هي وسائر كيانات سايكس بيكو لا تعدو كونها عـ اهـ رة علي سرير كل احتلال عبر المائتي سنة الأخيرة من تاريخ الأمة ووكيل الرجل الأبيض في تعطيل شرع الله الذي تزعم أنك تدعو الناس إليه؟

أظن الشيخ يعلم الآن كل شئ أفضل منا جميعا!

هذا الشيخ مات اليوم وانكشف له كل شئ. (فيديو الشيخ في أول تعليق)

عن الشيخ سعيد حماد أتحدث

أخبرني أحد الإخوة الأفاضل الذين عرفوا هذا الشيخ عن قرب عن ديانة الرجل وجهده في نشر الإسلام في مجاهل أفريقيا رغم كبر سنه متوكئاً على عصاه، وكيف أسلم على يديه قرابة ال50 الف ، وكيف كان دأبه في تعلم الألمانية على كبر والقيام برحلة دعوية في ألمانيا، وكيف كان عالماً بالقراءات قارئا ومقرئا يجيز حفظة القرآن وكيف كان خطيبا مفوها ومربيا للأجيال بحزم وحب وكيف ابتلي في سبيل الله وحبس وطرد من الجيش نقيبا بعد حادثة الفنية العسكرية، وكيف كان رأيه الحقيقي في الجيش والسيسي بعيدا عن التقية التي أظهرها في الفيديو المنشور بحجة درء المفاسد، بل والأعجب من هذا أن هذا الرجل كان يًعرف بدرايته بالدين والدنيا واطلاعه وثقافته، فقد كان مهندسا حاصلا علي الماجستير ووكيلا لوزارة الاتصالات، ولم يكن ممن يمكن أن يوصفوا بالجهل والدروشة.

قلت له : كل هذا حجة عليه لا له، وقد كان بوسعه السكوت ولزوم بيته إن كان مكرها.

قال بن عقيل الحنبلي رحمه الله: “إذا أردت أن تعرف محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم على أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم بلبيك اللهم لبيك، وإنما انظر إلى مواطئتهم أعداء الشريعة” (المصدر: صيد الخواطر – أبو الوفاء بن عقيل)

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: “ليس العلم للمرء بكثرة الرواية ولكن العلم الخشية” (المصدر: كتاب إبطال الحيل للرد على شبهات حول الإسلام )

وقال العز ابن عبد السلام رحمه الله: من نزل بأرض تفشى فيها الزنى فحدث الناس عن حرمة الربا فقد خان

وقال ابن تيمية رحمه الله: “فمن ناقش المؤمنين على الذنوب، وهو لا يناقش الكفار والمنافقين على كفرهم ونفاقهم، بل ربما يمدحهم ويعظمهم، دل على أنه من أعظم الناس جهلا وظلما، إن لم ينته به جهله وظلمه إلى الكفر والنفاق” ( المصدر : منهاج السنة النبوية – ابن تيمية )

لعلك تتعجب كيف هذا؟ كيف يغيب كل هذا عن مثل هذا الرجل بعلمه وتفهمه وتبصره أنت أو أنا أو فلان أو علان؟!

أولا، نحمد الله علي العافية وعلى نعمة البصيرة ، ولنتذكر أن أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كان يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينك، واعلم أن أضر بدعة في تاريخ الإسلام هي الإرجاء المفسد للقلوب والعقول ، فهو كالخمر يجعل صاحبه يأتي حال سكره العجائب، كذلك الإرجاء يجعل صاحبه يأتي من الأفكار المتناقضة ما يجعل المسلم سليم العقيدة يحتار فيه.

كيف اجتمع هذا مع ذاك؟!

كيف يكون المرء مخلصا محبا لدين الله ثم يشرعن الحجج لتأييد الطواغيت بدعوى درء المفاسد!

وأي مفسدة أعظم من تسلط عملاء المحتل والطواغيت على بلاد المسلمين؟

الإجابة ببساطة واختصار

أن المرجئة (كما قرأت) يؤخرون العمل عن الإيمان فتختل لديهم موازين الأعمال فلا يقدرون الذنوب حق قدرها في ميزان الشرع، حتى لا يضر مع الإيمان ذنب عند أكثرهم غلوا، فهم درجات قد يخرج أحدهم من طور المبتدع إلي المرتد، على تفصيل لا يتسع المقام لذكره، وهو دين ابتدعه فقهاء بني أمية ليوافق أهواء ملوكهم، أما أهل السنة فالإيمان عندهم قول وعمل يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، بل ومن الذنوب ما يكفر صاحبه حتى وإن لم يستحله، وحتى وإن أقر بكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

الخطورة أن كثير من مرجئة هذا الزمان قد يوافقونك على هذا الكلام نظريا، بل ويحفظونه عن ظهر قلب ويدرسونه لأتباعهم، ولكن مكمن الخطر في تنزيلهم للنصوص الشرعية علي واقع تلقوه من وسائل إعلام الطواغيت ورواياتهم الرسمية للأحداث، وهذا ليس عذرا، قال تعالى: “وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون”

وقد ظهرت ثمرات الإرجاء جلية في تعامل أغلب (علماء) هذا الزمان مع قضية الإسلام الكبرى التي تندرج تحتها كل قضايا الإسلام في زماننا، ألا وهي الحكم بغير ما أنزل الله( الشريعة)، فتجدهم يبحثون في أقوال أهل العلم عن مخرج يبرئ الطواغيت من ردتهم بالحكم بغير ما أنزل الله وموالاتهم لأعداء الإسلام، ليقنعوك أن هؤلاء حكاما مسلمين تجب طاعتهم، وولاة أمر الله في سياسة الدنيا بالدين! تعالى الله عما يقولون

فالحمد لله الذي أنجانا وإياكم من كل هذا وبصرنا بحقيقة الإرجاء ومشايخ الطواغيت الذين يدعون الناس لانتخاب السيسي حقنا للدماء والموازنة بين المصالح والمفاسد!

الحمد لله رب العالمين

(أعتذر لطول المقال)

آيات_عرابي

One thought on “آيات عرابي تكتب|”هذا مني وأنا منه”

Comments are closed.