آيات عرابي تكتب| أوطان الضرار

بعد أن عاد الرجل الأبيض من الحروب الصليبية مجرجرا أذيال الخيبة بعد أن مُني بهزيمة ثقيلة، لم يكن بإمكانه إلا البحث عن السبب الحقيقي وراء انتصار المسلمين رغم كبواتهم ، فبالرغم من أن الحروب الصليبية لم تدر رحاها في عصور ساد فيها النموذج الأمثل للنظام السياسي والإجتماعي الإسلامي، إلا أنها أبرزت معدن الشخصية الإسلامية عند الشدائد وقدرتها على الانتفاض مهما علاها من صدأ.

عكف الرجل الأبيض على دراسة الهوية الإسلامية بمكوناتها الفريدة وفهم أن مكمن الخطر في التصريح بعدائه لهذه الهوية، هو ما يزيدها استقواءاً وانتفاضاً، فما كان منه إلا أن عمل باستراتيجية مسجد الضرار ولكن بنفس أطول من نفس منافقي المدينة، حتي انتهي به الحال بعد قرنين من العمل الدؤوب من إتمام ذلك المسخ من نسخة إسلام الضرار بكل مكوناتها التي تضاهي الإسلام الذي جاء به جبريل من السماء، اشتملت نسخة إسلام الضرار على عدة ألوان تلائم كل أذواق وأهواء مسلمي الضرار، بل واشتملت على أطوار تستوعب حتى الثائرين على إسلام الضرار نفسه!

أطوار تسمح لهم بالتنقل بين نسخ الضرار وهم في الواقع كالسمكة الحبيسة تقفز من حوض سمك إلى آخر، بحيث يتصور مسطحي العقول أن بإمكانهم محاربة الخصم بأدواته التي استعبدهم بها.

ليس في الإسلام إلا الإسلام، ولا يعيش المسلم الحق إلا للإسلام وبالإسلام وفي الإسلام، لذا كان على الرجل الأبيض أن يغلف نسخة إسلام الضرار بثوب إسلامي مؤصلا شرعاً ليروج على مسلمي الضرار.

لا يوجد في الدين وطن ولا حدود ولا أرض خُلقنا لعمارتها ونموت ونحيا من أجلها، بل خلق الله الأرض وسخرها للإنسان الذي خلقه بيديه وكرمه على جميع خلقه وأسجد له ملائكته وجعل حرمة دم عبده المسلم أعظم من زوال الدنيا، بل ومن بيته العتيق، وسخر له الأرض وما فيها وما عليها لتكون عونا له على وظيفة الاستخلاف في الأرض وإقامة شرع الله وتعبيد الدنيا بأسرها لرب واحد وفق دين واحد أظهره على الدين كله ليكون الدين كله لله وحده. “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَىٰ بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ” (القصص 43)، لقد كانت القرون الأولى تهلك بسنة عامة وعذاب من السماء حتى أهلك الله الفراعنة وأمر موسى بدخول الأرض المقدسة ثم شرع منابذة أعداء الإسلام لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، ولا يعلم بعد هلاك آل فرعون أن أحق حق أو أبطل باطل إلا بمنابذة أعداء الإسلام.

فلما تولى بنو إسرائيل و نكصوا عن مهمة الاستخلاف في الأرض وتعبيد الأرض لله استبدلهم الله بأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده الصالحين.

وهذا ما أدركه صانعوا إسلام الضرار وغفلت أنت عنه و استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير، ورضيت أن يكون حظك من الإسلام هو نسخة الضرار، فأورثك الله ذلا لن يرفعه عنك حتى تعود إلى صحيح الإسلام الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولن يتحقق ذلك إلا بأن تكفر بإسلام الضرار، وحتى يعتبرك مسلمو الضرار صابئا بعقيدتهم.

هل تظن أن محمدا صلى الله عليه وسلم قصَر في البلاغ عن الله؟! أو أن الله جل جلاله لم يكمل لنا ديننا ويتم علينا نعمته؟!

هل نسي رسول الله أن يعلمنا حب الوطن والموت في سبيله؟!

وطن المسلم هو كل أرض يتمكن فيها المسلم من إقامة دينه وعبادة ربه، وأهل المسلم هم كل من يعبد نفس الإله الذي يعبده ويصلون لنفس قبلته، مهما اختلفت ألسنتهم وألوانهم وتباعدت أراضيهم، وعدو المسلم هو كل من خالفه في شيء من ذلك وإن شابهه في كل ما عداه؟

ألم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من وطنه ليستوطن أرضا أخرى يتمكن فيها من أداء وظيفة الاستخلاف في الأرض وإقامة شرع الله؟

ألم يأت بجيش ليحارب به جيش بلده؟

ألم يجعل ثوابت وطنه ودستوره تحت قدمه ويسمه بأمر الجاهلية؟

ألم يهن التراث الحضاري لوطنه وهو يهدم الأصنام ويقول جاء الحق وزهق الباطل؟

لو كنت موجودا وقتها هل كنت ستمصمص شفتيك وأنت تشاهد لميس الحديدي تتحدث عن ثوابت الهوية المكاوية التي هدمها الإرهابيون عملاء يثرب؟!

أم كنت ستتهم الرسول وصحابته بأنهم أعداء الوطن ومتخابرون مع مخابرات يثرب؟

قبل أن يشرب مسلمو الضرار بول سايكس وبيكو وفضلات المحافل الماسونية التي جاء بها رفاعة الطهطاوي من فرنسا، كان لهم تصورا مختلفا. لم يكن علماء المسلمين ينسبون في الغالب إلا إلى قراهم التي ولدوا فيها أو نزلوا بها، ولعل الكثيرين لا يعلمون أن ابن حجر العسقلاني رحمه الله ولد في مصر.

لم تتفتت الدولة الإسلامية إلا عندما ظهرت النعرات القومية، بل دعا النبي صلى الله عليه وسلم لنبذ وصف الشرف القرءاني (المهاجرين والأنصار) حين كاد يُستخدم استخداما عصبيا، فقال دعوها فإنها منتنة.

حب مكان الولادة وتعلق المسلم بذكرياته لا يعدوا كونه أمرا شخصيا كحب الملوخية الناشفة أو الخضراء.

إذا تأملت في بلد كـ مصر مثلاً، ستجد أن سكان جنوب مصر أقرب لأهلنا في السودان، بينما سكان غرب الإسكندرية ومطروح أقرب لأهل ليبيا، وسكان سيناء أقرب لأهل غزة، هذا التشابه في الزي واللهجة والملامح بل وفي الامتداد القبلي والعشائري من أقوى الأدلة على هشاشة ووهمية صنم الحدود والوطن.

حين تدخل قبرك لن يسألك ناكر ونكير عن جنسيتك ولن يطلبا منك أن تغني النشيد الوطني، فلن تدخل الجنة أو النار لأنك مصري أو سوداني أو سوري أو ليبي.

الوطنجية من أتباع دين الوطن والحدود هم من معتنقي إسلام الضرار وهم أشبه بالسيخ الذين لفق لهم جورو ناناك ديانة ماسخة تخلط بين الإسلام والهندوسية، فأنت تعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب مكة لأنها وطنه، وأن الله أمرنا بالاستشهاد من أجل الأرض، وأن حب الأوطان من الإيمان وأن مصر هي أم الدنيا المذكورة في القرآن وأن جيشها هو خير أجناد الأرض، وأن إخناتون هو أول الموحدين وكل هذا هو عقيدة مخالفة تماما للعقيدة الإسلامية والحقيقة أن كل معتقداتك هذه صنعت خصيصا لك في معامل معهد راند ليلبسوا عليك دينك!

أيها المسلم الضرار إنزع شريحة الرجل الأبيض المتحكمة في عقلك المبرمج واعلم أن الله لم يخلق الإنسان إلا موحدا ولم يستخلفه في الأرض إلا لكونه موحدا، وأن إخناتونك هذا كان شاذا جنسيا يدعو لعبادة الشمس.

عزيزي مسلم الضرار المصري أنت لم تعرف الفراعنة إلا بعد الحملة الفرنسية، قبل ذلك كان أجدادك المسلمين يسمون ما تعتبره بآثار حضارة ال7 آلاف سنة “المساخيط” ويستخدمونها في مواربة الأبواب.

لقد بحث الرجل الأبيض في كل بلد إسلامي دخله عما كان قبل الإسلام ليحييه ويلفق دينا يضاهي الإسلام لشعب هذا البلد.

إعلم أيها البائس أن أم القرى هي مكة وأن مصر لم تذكر في القرآن مرارا وتكرار بجنودها وقضائها وسجنها إلا لكثرة العبر في أهلها من كفار آل فرعون الذين جعلهم الله مثلا يضرب في فنون الكفر والضلال المتعددة، تماما كما تكرر ذكر بني إسرائيل وعاد وثمود وإبليس، الأرض لا تقدس أحدا، وقد سلط الله القحط على أهل مكة وبختنصر على أهل بيت المقدس.

إحذر من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم واعلم أن حديث خير أجناد الأرض حديث باطل، وأنه لا يوجد جيشا مقدسا في الإسلام، بل عاتب الله جيش نبيه صلى الله عليه وسلم – الذي هو بحق خير أجناد الأرض – في غير ما موضع من كتابه العزيز.

وطنك ووطنيتك وحدودك وجيشك ودولتك وتاريخ ورموزك الوطنية والفكرية، بل والثورية والدينية، لا تعدوا كونها صنائع الرجل الأبيض لاستعبادك بهوية وظيفية لا تعطلك عن التحرر فحسب، بل تعطل عقلك عن التفكير والثورة إلا في إطار يفيد منه النظام العالمي.

لقد تم وضع عقلك منذ أمد بعيد فيما يشبه القالب الذي كان الصينيون يستخدمونه قديما لمنع أرجل الفتيات من النمو كعلامة على الجمال.

إن العقل المصري والهوية المصرية والدولة المصرية ومؤسساتها منذ عهد محمد علي خير مثال على نموذج الاستعباد الذي سلكته الحملات الصليبية في العصر الحديث، حيث يحمل العقل المصري قدرا من الجاهلية والتغريب يفوق غيره من عقول مسلمي الضرار، بل هو نقطة الانطلاق لتغريب العالم الإسلامي وصناعة حظائر أوطان الضرار التي لولاها لما كان الكيان الصهيوني.

العقل المصري يحمل قدرا من التناقضات يندر أن تجتمع في عقل بشري سوي! فهو يزعم حب النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وأولياء الله الصالحين وأبطال الإسلام الكبار، ويعظم المشايخ والقراء بينما تجده يعظم إخناتون والفراعنة ويعتبر نفسه من الفراعنة، ثم تجده يعتبر الماسوني محمد علي هو مؤسس مصر ويعتبر صديق الاحتلال البريطاني سعد زغلول زعيم ثوري ويعتبر المجرم العميل المقبور عبد الناصر زعيم وملهم، ومحمد عبده والأفغاني وطه حسين والعقاد من المجددين ويفتخر بنجيب محفوظ الذي سخر من الله عز وجل وأنبيائه في رواية أولاد حارتنا.

تجده يتزاحم على أبواب المساجد و تراويح رمضان وصلاة العيد ثم تجده أيضا يتزاحم ليشاهد أفلام العيد ومسرحيات وأفلام عادل إمام ومباريات كرة القدم

يزعم أنه يؤمن بالله الواحد القهار ثم تجده يحرص على تهنئة جيرانه وزملائه النصارى بعيد ميلاد “ابن ربهم”!، (تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا)

تجده يعاني الفقر والجوع والمرض ويسب العسكر ثم تلتفت لتجده يهتف ويغني للطواغيت تسلم الأيادي، ذلك أن نسخة إسلام الضرار تحرص على ملأ الفراغ الروحي دون المساس بثوابت النظام العالمي.

لا يوجد أي حل حقيقي يخلصنا مما نحن فيه إلا بالعودة إلى صحيح الدين الذي أنزله الله عز وجل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والكفر بتلك النسخة التي زرعها المحتل

وهي نسخة إسلام معهد راند (الضرار)