آيات عرابي تكتب| أوكرانيا .. والصراع الأمريكي الروسي


بعض المتابعين للأحداث على حدود أوكرانيا يتساءلون، هل ستغزو روسيا أوكرانيا؟
ولماذا الصراع حول أوكرانيا؟
ولماذا يخشى الاتحاد الأوروبي من تهديدات روسيا بغزو أوكرانيا؟
بداية وقبل أن أتطرق إلى التحليل السياسي لما يحدث في أوكرانيا، أقول إن روسيا لن تغزو أوكرانيا قولاً واحداً، وسأشرح السبب في نهاية هذا المقال

بالأمس وخلال الأيام القليلة الماضية تابعنا في الأخبار أن أمريكا حذرت مواطنيها من السفر إلى أوكرانيا وأمرت عائلات الدبلوماسيين بالعودة فوراً إلى الأراضي الأمريكية، بالإضافة إلى أن البيت الأبيض أصدر أوامر بالأمس فقط لكل أفراد البعثة الدبلوماسية بمغادرة الأراضي الأوكرانية بسبب تهديدات روسيا بالقيام بعمل عسكري

وروسيا قامت بحشد عشرات الألوف من الجنود والآليات العسكرية على حدود أوكرانيا (وصل عدد الجنود الروس حسب أخر الأخبار ما يزيد عن 120 ألف) في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الدفاع الأمريكية عن استعداد ما يقرب من 8000 من عناصر الجيش الأمريكي للتدخل، وطبقاً لتقارير المخابرات الأمريكية والاستطلاعات التي يقوم بها حلف الناتو فإن تحركات روسيا على حدود أوكرانيا يوحي بأن روسيا تستعد لغزوها
على المقابل قال بايدن عن هذه التحركات أن روسيا ستدفع الثمن

جدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مواجهات بين أوكرانيا وروسيا، فمنذ التسعينات وروسيا تسعى للسيطرة على أوكرانيا والسبب بسيط جدا

أنه بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي، نتج عن ذلك دويلات جديدة في منطقة شرق أوروبا، وأصبحت هذه الدويلات كشريط عازل بين روسيا ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو حلف أنشئ من الأساس لمجابهة الاتحاد السوفيتي وبالتالي كان سعي روسيا الدائم لفرض سيطرتها على هذه الدول كي تمثل بالتالي خطر على القوة الأوروبية، إحدى هذه الدول هي أوكرانيا، وهي بالمناسبة ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي ولا في الناتو حتى الآن

أوكرانيا بما أنها كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي المنحل فهي أقرب إلى ثقافة روسيا، وروسيا تعتبرها جزءا منها، حتى أن بوتين كتب مقالا مطولا منذ عدة أشهر تحدث فيه عن العلاقة التاريخية التي تربط روسيا وأوكرانيا وأنهما بمثابة أخوة، ومن ضمن ما ذكره في هذا المقال أن وجود حكومة معادية لروسيا على أرض أوكرانيا ستكون بمثابة سلاح دمار شامل، ولذلك تحاول روسيا إبعاد أوكرانيا عن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو الناتو لأسباب جيوسياسية وأمنية بالقطع لأن روسيا وأوكرانيا لهما حدود مشتركة ولذلك فأوكرانيا بالنسبة لروسيا جزء من أمنها القومي والمساس بها خط أحمر، ولكن الحكومة الأوكرانية وكذلك الشعب الأوكراني يريدا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والتخلص من التبعية الروسية، بل أن الرئيس الأوكراني المدعوم أمريكيا سخر من مقال بوتين الأخير بوصفه أوكرانيا وروسيا بالأخوة ، بأن قال نعم أخوة مثل قابيل وهابيل

العلاقات الروسية الأوكرانية حديثاً شهدت عدة أزمات، أولى هذه الأزمات كانت في عهد بوتين وتحديدا سنة 2003، حين بدأت روسيا بشكل مفاجئ في بناء سد في مضيق كريتش باتجاه جزيرة “كوسا توسلا” الأوكرانية، والتي اعتبرته أوكرانيا محاولة روسية لإعادة ترسيم حدود جديدة بين البلدين. ازدادت حدة الصراع، ولم ينته إلا بعد لقاء ثنائي بين بوتين والرئيس والأوكراني والذي كان من أهم نتائجه وقف بناء السد وهدوء نسبي سرعان ما اختفى سنة 2004، بسبب دعم روسيا في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية فيكتور يانوكوفيتش وهو من الأصدقاء المقربين لروسيا، لكن المظاهرات العارمة التي صاحبت الانتخابات منعت فوزه، وفاز بدلاً منه فيكتور يوشتشينكو، وهو من المقربين لأوروبا

الصراع لم ينته خاصة بعد التدخل الأمريكي

في سنة 2008، وبعد محاولة بوش ضم أوكرانيا وجورجيا في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وقبول عضويتهما من خلال برنامج تحضيري، كانت روسيا في هذا الوقت أقوى من ذي قبل وبالتالي قامت روسيا بغزو جورجيا فيما سمي بحرب الأيام الخمسة، كرسالة واضحة للغرب بعدم الاستهانة بقوة روسيا وبعدم اللعب في ورقة جورجيا وأوكرانيا ولقطع الطريق تماما أمام المخططات الغربية لتهديد حدودها، لأنه باختصار انضمام أوكرانيا تحديداً للناتو يعني أن صواريخ وآليات الحلف العسكرية قد تشكل تهديداً في أي لحظة على روسيا وهو ما لم تقبله روسيا.

بعدها حاولت أوكرانيا الارتباط بالغرب بعقد اتفاقية تعاون مع الاتحاد الأوروبي، ولكن روسيا مارست ضغوطاً اقتصادية كبيرة على أوكرانيا وقامت بتقليل الواردات إلى أوكرانيا، ما أسفر عن تجميد الاتفاقية، والذي تسبب في اندلاع احتجاجات معارضة للقرار (اعتبرته روسيا فيما بعد انقلابا مدبرا من أمريكا والغرب) ، ما أدى إلى فرار الرئيس الأوكراني وقتها إلى روسيا في فبراير 2014، وترك فراغاً هائلا في السلطة استغلتها روسيا فقامت بضم شبه جزيرة القرم، في مارس 2014 وهي المنفذ الوحيد لروسيا على البحر الأسود

الصراع ازداد في السنوات الأخيرة وتحول إلى حرب بالوكالة حين دعمت روسيا مجموعة من الانفصاليين في شرق أوكرانيا بقوات روسية ما أسفر عن اعلان جمهوريتين منفصلتين عن أوكرانيا ولائهما لروسيا، وبعد زيادة التوتر طلبت روسيا وبشكل علني من الولايات المتحدة ألا تسمح بانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو

ما أجج الصراع هو قيام رئيس أوكرانيا المدعوم أمريكيا وغربيا باستقبال الأسلحة من أمريكا وأوروبا لإعادة تسليح الجيش الأوكراني تحسباً لأي هجوم روسي، بعد حملات قام بها داخل أوروبا لإعادة انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، ومطالبة الغرب بمساعدته في تحرير شبه جزيرة القرم، بالإضافة إلى خطوة اعتبرتها روسيا عدائية وهي محاولة رئيس أوكرانيا وقف إتمام خط غاز نورد ستريم ٢ والتي تعتبره روسيا هام جدا لتوصيل الغاز الى المانيا
الجديد في هذا الموضوع وطبقاً لما نشرته وكالة بلومبرج الأمريكية أن روسيا هددت بقطع الغاز عن أوروبا مما دعى أمريكا لإجراء مباحثات مع قطر لإمداد أوروبا بالغاز إذا نفذت روسيا تهديداتها بغزو أوكرانيا وهذا يعني أن روسيا نجحت في الهدف الأول من هذا الحصار، إلا وهو إجبار أمريكا وأوروبا على الرضوخ لطلباتها
وهذا يرد على التساؤل المبدئي، هل ستغزو روسيا أوكرانيا؟

والإجابة حسبما أتوقع لا
روسيا فقط تريد التفاوض مع أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي وهي تقف على أرض صلبة، حتى تحصل على الشروط التي تريدها وهي باختصار، تعهد دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو بعدم محاولة ضم أوكرانيا مجدداً لحلف شمال الأطلسي على أن يكون هذا التعهد مكتوب وموثق، وأن يتوقف حلف شمال الأطلسي عن نشر أسلحته على حدود روسيا، وأن يتوقف الحلف عن عمل أن مناورات عسكرية على أراضي الدول المجاورة لروسيا

هذه الشروط عرضها بوتين في أكثر من لقاء تفاوضي لحل الأزمة، وطبعا بما انها شروط تعجيزية لم يقبلها الغرب وحاول مع روسيا حل الأزمة بشكل أقل من هذه الشروط التي تجعل من روسيا قوة ضاغطة وتجعل من هذه الدول منطقة عازلة بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي ولكن لافروف رفض كلام الغرب وقال حرفيا أن مطالب روسيا حزمة واحدة ومن حق روسيا ضمان أمنها القومي ولمح إلى أن روسيا يمكنها التدخل هي الاخرى بأسلحتها إلى دول الجوار الأمريكي كما وصل السلاح الأمريكي لأوكرانيا، ما أدى إلى تدخل الغرب بتهديد روسيا بأنه لو اقتربت روسيا من أوكرانيا فإن الدول الغربية سترسل كل أنواع المساعدات لأوكرانيا، وقد حدث بالفعل، وصول كميات كبيرة من الأسلحة الدفاعية إلى أوكرانيا، في الوقت نفسه أعلنت أمريكا أنها ستدعم الجماعات المقاومة لروسيا بالسلاح، وهو ما قد يسفر عن أفغانستان جديدة بالنسبة لروسيا مما سيتسبب في خسائر اقتصادية بالغة في ظل مشاكل اقتصادية كبيرة جدا تواجه روسيا

ولذلك أغلب الظن أن ما تقوم به روسيا الآن كرد فعل على إمداد أوكرانيا بالأسلحة سينتهي بعد أن تعلن أمريكا عن سلسلة جديدة من المفاوضات الدبلوماسية مع روسيا لفض الأزمة بدون الدخول في مواجهات عسكرية
وضع القوات الروسية على حدود اوكرانيا وضع امريكا في مأزق سأشرحه في مقال لاحق ان شاء الله

** اعتذر لطول المقال**

آيات_عرابي