آيات عرابي تكتب | أولاد الكلبة !

جندي يقف فوق مدرعته في أحد شوارع الاسكندرية

ها هم قادمون .. رجال ونساء يهتفون بسقوط النظام

الجندي لا يفهم .. أي نظام ذلك الذي يهتفون بسقوطه وما دخله هو بكل هذا

هو يريد أن ينهي خدمته العسكرية ليعمل

هناك تلك المطبعة التي كلم أبوه مالكها .. سيعمل عملاً بسيطا حتى يستطيع أن يجد وظيفة بالخليج

هكذا كان يفكر حتى صباح اليوم

اسبوع واحد يفصله عن التحرر من تلك العبودية وتنفتح أمامه الحياة كلها

هكذا يتصور

استيقظ في وحدته على حركة غير عادية .. الكل استيقظ

ضابط يصرخ فيهم جميعا لارتداء ملابسهم

والجميع يتراصون في طابور

الضابط يتحدث إليهم بنبرة توحي بالخطورة

العدو على الأبواب .. مصر كلها في خطر .. الأسطول السادس الامريكي ينتظر اشارة للهجوم على مصر

بعض المجندين هزوا رأسهم في تفهم وقد اكفهرت وجوههم وغزا القلق ملامحهم

أحدهم همس لنفسه (يادي المصيبة .. الأسطول السادس !!)

هو لا يعرف ما هو الاسطول السادس ولكن الكلمات رنانة توحي بالويل

مجند المدرعة, اجتاحته الدهشة .. كيف تحول ضابط الكانتين الذي كان حتى الأمس يحصي كراتين العدس, إلى قائد عسكري يقف أمام أسوار عكا ؟

ضابط آخر انضم إلى الطابور وأخذ يشرح للمجندين خطورة الوضع بكلمات حازمة تمتليء جهلاً

هذا ضابط ضل طريقه .. لماذا يلتحق هؤلاء بالجيش بدلاً من العمل في أية شركة ؟

انطلق الجميع من معسكرهم بوجوه مكفهرة

الضباط تبدو عليهم مخايل النشوة

عما قليل سيستعملون الأسلحة التي صدأت في المخازن

شوارع الاسكندرية في الظهيرة والشمس ترسل أشعتها اللافحة على الوجوه

الوجوه مازالت مكفهرة ومجند المدرعة يمسح عرقه

تمسك اصابعه بالمدفع الغليظ فتنزلق فيمسح عرقه من جديد

ها هم آتون من بعيد .. الضابط يصرخ : امنعوهم من المرور بأي ثمن

اسبوع كان يفصل بينه وبين الحرية والآن عليه ان يقتل ليكسب حريته

تذكر قصة درسها في المدرسة قبل أن يتركها

وحشي الذي قتل حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم

كان عليه أن يشتري حريته بجريمة قتل

لا فرق بينه الآن وبين وحشي قبل غزوة أحد

الفتاة المحجبة في المقدمة هدف سهل

في نفسه هز الحربة عشرات المرات وهو ينظر إلى وجهها

حدث نفسه لن تشعر بشيء .. انا اريحها من هذه الحياة .. لن تتزوج وتحمل ولن ترعى أطفالاً ولن تتشاجر مع الباعة في السوق لتنزيل جنيه أو اثنين من مشتروات الخضروات ..

كانت ستموت على أي حال وهو فقط يريحها بوسيلة سريعة

تذكرة سريعة إلى الأخرة

ستموت بالطعام المسرطن أو تحمل فلا يجد زوجها مصروفات الولادة فيلقون بها خارج المستشفى

أنا انقذها من هذه الحياة البائسة .. أنا اضحي بشعوري بالذنب وبمجهود اصابعي وأنا اطلق الرصاصة على رأسها لكي انقذها من الموت الف مرة .. قال لنفسه

هز الحربة من جديد .. هاهي تقترب مع جموع المتظاهرين

ضابط الكانتين يرفع بندقيته ويصرخ وتنطلق أعمدة النار تمزق بعض الأجساد في مجال رؤيته

الآن .. صرخ واطلق النار

صوت الرصاص يدوي .. هذه حرب حقيقية ولكل حرب ضحاياها .. أنتم لا تعرفون شيئاً أيها الحمقى

الأسطول السادس على الأبواب وقد تبقى لي اسبوع على التحرر من الخدمة العسكرية !

لماذا جئتم ؟ لماذا لم تأجلوا تظاهركم لأسبوع ؟

انتم تستحقون ما يحدث لكم … سيضحك كثيراً

بوووم بووووم .. صوت الرصاصات يدوي والدخان يرتفع فوق كل شيء تمزقه صرخات المصابين

بالتأكيد لم تشعر الفتاة بشيء .. فقط تهشم رأسها وتحطمت جمجمتها وتطايرت أجزاء مخها .. ونافورة من الدماء تلتهب من جسدها ثم لا شيء

لانقذ ضحية أخرى من هذه الحياة .. أنا طبيب اعالجهم

ليس هذا قتلاً بل انقاذ

ضابط الكانتين مستمر في اطلاق النيران صارخاً تحيا مصر

ضحك وهو يختار ضحية جديدة

الكثيرون تساقطوا .. كفاءته كطبيب تعتمد على قتلهم بسرعة حتى لا يشعروا بالألم

افهموا ايها الأغبياء .. أنا انقذكم .. اريحكم .. امنحكم تذاكر مجانية للأخرة عبر بوابة لا تمرون فيها على مستشفى تلقيكم في الشارع ولا طعام مسرطن ولا غسيل كلوي .. انتم حمقى

قالها لنفسه وهو يهز الحرب في اعماقه آلاف المرات

في الخلفية يدوي صوت جنرال قبيح ما .. جنرال كانتين آخر .. يتحدث عن انقاذ الوطن والفوضى والحرب الأهلية التي كانت تحلق فوق الرؤوس

البيان الأول .. مجموعة من الارهابيين المسلحين اعتدوا على قواتنا المسلحة الباسلة وقامت القوات بالتعامل معهم على كل الجبهات .. انتصرنا

امام الحرم يقول أنهم ارهابيون .. لا ريب أنه على حق .. هذا إمام الحرم نفسه يساندهم في حربهم

بعد شهور كان يجلس على المقهى .. كان جنرال الكانتين على شاشة التلفاز يلتقي بمدير شركة كبرى

“قال روزفلت عن رئيس نيكاراجوا اناستاسيو سوموزا أنه قد يكون ابن كلبة ولكنه ابن الكلبة التابع لنا .. هكذا وصف رئيس الولايات المتحدة عملاءهم الانقلابيين”

ابن الكلبة على الشاشة يلتقي بمديره ..

حسناً .. هو قتل الفتاة المحجبة وهشم رأسها برصاصاته من أجل أن يلتقي ابن الكلبة بمديره

لم يكن يعرف من هو روزفلت ولا من هم أولاد الكلبة على وجه التحديد ولم يدر أنه احدهم

هو لا يفهم أن كل ما فعله وكل أوامر ضباط الكانتين وكل الهذيان الذي سمعه عن الاسطول السادس وحماية الوطن, كان من اجل رشاوي تلقاها جنرال الكانتين لحماية مصالح شركة ما

لم يفهم أنه ابن الكلبة الخاص بأحد اولاد الكلبة التابعين لابن الكلبة الأكبر

هو أخر حلقات في سلسلة أولاد الكلبة واقلهم شأناً

على الأقل فإن أولاد الكلبة الآخرون يتلقون أموالاً مقابل القتل ويعيشون كعلاء الدين في الف ليلة وليلة, قبل أن يغادروا إلى جهنم. بينما هو لا يحصل على شيء

ابن الكلبة التعس الذي يذهب إلى جهنم مجاناً

لم يفهم أنه ترس صغير في ماكينة شر يشغلها بعض اللصوص

لا يفهم كل هذا ولكنه يعرف أنه لم يجد عملاً طيلة هذه الشهور والجميع يرفضون إقراضه

حاول التبرير لنفسه بأنه يريحهم ليُحرم هو شخصياً من الراحة .. محركات نفسه لم تعد تقبل هذا التشحيم النفسي .. هو قتلها وهو ذاهب إلى جهنم .. كيف تبدو جهنم ؟

لا يعرف ولكنه سيحاول الآن أن يعرف

عاد إلى بيته وسكب على نفسه بعض الكيروسين واخذ يضحك في جنون ولهب عود الثقاب يقترب من جسده المبلل بالكيروسين .. منذ شهور كان ينقذ تلك الفتاة المحجبة وها هو الآن ينقذ نفسه.

*ابن الكلبة هي ترجمة غير دقيقة لجملة امريكية تعني ابن العاهرة