آيات عرابي تكتب |القنبلة الدماغية

 

يجلس بيلي في عطلة نهاية الأسبوع أمام شاشة التليفزيون، على الطاولة أمام طبق كبير من الـ “بوب كورن” يلتقط منه حبات يحشو بها فمه بينما يتابع المذيع اللامع على فوكس نيوز متحدثاً عن الإرهاب الإسلامي. 

إلى جانب طبق الـ”بوب كورن” عدد الواشنطن بوست ملقى بإهمال يظهر فوقه مانشيت عن مكافحة الإرهاب في مكان ما.  بيلي يمصمص شفتيه ثم يصاب بالسأم من متابعة الأخبار فيمسك بالريموت كنترول ويحول على قناة محلية ليشاهد ليدي جاجا وهي تضرب ليوناردو دي كابريو في كتفه حين ضحك ساخراً من منحها جائزة ما. 

يتناول بيلي الآن حبات الفشار الساخنة بمزيد من الاستمتاع وهو يشاهد مذيعة الأخبار الفنية تتحلل الحدث الجلل مستعرضة محطات حياة الليدي جاجا وليوناردو دي كابريو في فلاش إخباري سريع. 

بيلي لا يعلم أن الأخبار التي كان يستمع إليها طُبِخَتْ في مطبخ (السي آي إيه) ولم يتابع تحقيقات مجلس الشيوخ مع مدير( السي آي إيه) حين تفجرت الفضيحة سنة 1975 واتضح للرأي العام أن ا(لسي آي إيه) تتحكم في الأخبار عبر مكتب يسمى مكتب التنسيق السياسي منذ سنة 1951 وأن ما يراه من أخبار هو فقط ما تريده له (السي آي إيه) أن يراه.

بيلي ليس لديه الوقت لكل هذا الهراء، فهو يعمل طيلة أيام الأسبوع كسائق شاحنة وبالكاد يتابع محطات الراديو وهي تذيع أغاني الروك التي تبقيه مستيقظاً على الطرق المملة ليلاً بين الولايات.

بيلي لا يعلم أن أطول عملية سيطرة على الرأي العام والتي استغرقت 25 عاماً كانت تهدف إلى صناعة مواطن ببغاء يردد ما تريده (السي آي إيه)، يعلم ما تريده له (السي آي إيه)،  يتصرف ويعيش ويحب ويكره كما تريد له (السي آي إيه)، وبيلي نفسه لا يعلم أن تلك العملية مستمرة ربما حتى الآن، ولم يسمع اعتراف مذيع (السي ان ان) الشهير بأنه كان يعمل مع (السي آي إيه)، وبالطبع لا يعلم أن( السي آي إيه) في بداية اطلاق “عملية الببغاء” كان لديها 3 آلاف مخبر داخل أجهزة الإعلام الأمريكية موزعين على كل الصحف والقنوات ومحطات الراديو الشهيرة والمحلية ويتقاضون رواتب من (السي آي إيه). 

على بعد عشرات الآلاف من الأميال تهبط تلك الأخبار القادمة من (الصحف العالمية) كما يسمونها في مستعمرات العالم الثالث، وعلى الأرض يقف المريدون يتلقفون تلك الأخبار.

حمدي يقف في لهفة بانتظار هبوط خبر من (السي ان ان)، داليا الناشطة الحقوقية تنظر إلى الأعلى وحبات من الدموع تتلألأ في عينيها بانتظار هبوط تحليل في الواشنطن بوست، الكل ينتظر ويضم يده في خشوع أمام صدره منتظراً خبراً يحلله، اللوا حموكشة المخلل الاستراتيجي في وقفته العسكرية ينتظر هبوط مجموعة، الكل ينتظر ويدعو ويشعل الشموع.

بعد ساعات داليا تكتب في مدونتها تحليلاً لخبر قرأته على (السي إن إن) وتؤكد بثقة أن مصر تتكدم إلى الأمام وتكفز كفزات سريعة نحو المستكبل) بفضل سهرة 30 سونيا). 

اللوا حموكشة يتحدث على شاشة قناة انقلابية ما وشاربه يهتز مؤكداً عدم وجود مظاهرات في 25 يناير مستشهداً بتحليل ما قرأه في الواشنطن بوست.

نجفة وزوجها يجلسان أمام الشاشة وعلى الطاولة الصغيرة أمامهما قطع من البطيخ، وهما يتابعان بانبهار اللوا حموكشة المثقف. 

شاب ابريلي يرتدي طرحته السوداء وفي يده تليفونه، ينتهي من كتابة تغريدة على تويتر ثم ينتبه إلى شاشة قناة الشرق التي يتحدث عليها د. محمود رفعت وهو يتكلم بثقة عن فوز شفيق المزعوم بالانتخابات وليس الرئيس مرسي !! 

يهرع بلهفة إلى أزرار هاتفه ليكتب أن “الإخوان قفزوا على الثورة” مستشهداً بحديث الدكتور محمود رفعت. 

صحفي ما يجلس على مكتبه ليكتب مقالاً عن زعامة عبد الناصر مستشهداً بجزء من تحليل في جريدة أمريكية ما، ويكتب أن الصحف الأمريكية تعترف بزعامة عبد الناصر.

حموكشة ونجفة وداليا وحمدي والصحفي وغيرهم لا يدركون أن الأخبار تُصنع منذ عقود في مطبخ بـ(السي آي إيه)، ثم تقدم الوجبات سابقة التجهيز للمشاهدين، ثم تهبط تلك الأخبار على مستعمرات دويلات العالم الثالث ليتلقفها أنصاف المثقفين ليكتبوا تحليلاتهم. 

لا يدرك هؤلاء البائسون أنهم يعيشون في حوض سمك، انتصروا فيه في اكتوبر 73 في خيالهم فقط بينما على الأرض كان العدو يحاصر 45 الفاً ويأسر 8 آلاف ويصل إلى مسافة 100 كيلومتر من القاهرة. 
يؤمنون بزعامة عبد الناصر، بينما صُنع هو والسادات والمخلوع في أدراج (السي آي إيه).

نحتاج فقط إلى الخروج من ذلك الواقع الموازي وإلى علاج ضحايا تلك القنبلة الدماغية، لنحرر بلادنا.