آيات عرابي تكتب | الكرملين في البيت الأبيض

 

الصورة كانت مضحكة بشدة.. أن ترى صورة منفذ الانقلاب وهو يقف متنفساً هواء البيت الأبيض والدموع تترقرق من عينيه وترامب يرنو إلى اللا مكان. هذا كوميدي بشكل لا يُصدق.

هل البيت الأبيض بالنسبة لهم بهذه الأهمية؟

هذه الحالة من الوله لم تظهر عليه حين كان في الكعبة. يبدو أن للبيت الأبيض سحرا يفوق السحر في نفوس هؤلاء القوم. لا ريب أنه شعر بأنه يقف أمام مقر (مجلس إدارة العالم). ترامب أخذ ينقل نظراته بينه وبين جدران البيت الأبيض ويبدو أنه اندهش هو الآخر من تلك الحالة من الوله.

إلا أن الأسوأ كان في انتظاره، فالصورة التي التقطها ومدير مخابرات في سعادة وهما يقفان خلف ترامب الجالس على مقعد البيت الأبيض. نسفت حالة الزهو الهستيري التي حاول إعلام الانقلاب ترويجها والتي تعمد فيها تصوير زيارة البيت الأبيض على أنها فتح الفتوح وانتصار الانتصارات وأم المعارك.

يمكنك اعتبار الصورة التي نشرها ترامب على حسابه بتويتر، صورة من خارج الفقاعة التي تعيش فيها منذ 65. صورة التقطت دون عدسات الإعلام المكبرة التي تضعهم في الصفحة الأولى، وتنشر تصريحاتهم في مانشيتات وتجعل من سعالهم أخباراً عاجلة. شق يتسع في جدران شرنقة الوهم التي نسجوهها حول تلافيف العقول لعقود.

منظومة العسكر كلها. مؤسساتها.. مخابراتها وجيشها وممثلها الانقلابي تقف خلف كتف الرئيس الأمريكي وهو جالس. مشهد النهاية من فيلم (الريس عمر حرب) حين يكتشف المشاهد حقيقة العلاقات بين الأطراف.

حكم العسكر يسقط!!

دولة العسكر المبنية على جرف على شفا بحر هادر، تسقط!

تسقط ببطء مليمتري يحتاج لعدسة مكبرة لتراه، ولكنها تسقط. أنت فقط لم تلتقط إشارات الزلزال تحت أساسات دولتهم. لم تشعر بتلك الهزات الخفيفة التي تسبق انجراف المبنى، فهناك من رفع صوت الموسيقى. الصراخ يأتيك من الشاشة ومن المذياع. مانشيتات الصحف تصرخ.

ليست دولة العسكر فقط التي تسقط، بل إن معمار المنطقة كله حولك يتهاوى. دعك من كل ما يُقال عن الاتفاقات الهامة وانعكاسات الزيارة والعلاقات الثنائية وكلام الجرائد المكرر.

حتى البيت الأبيض لم يعد يمارس ذلك النفوذ المعهود الذي مارسه على سياسة المنطقة لعقود، ويبدو واضحا، التراجع المستمر في الدور الأمريكي في الشرق الأوسط وميل الكفة نحو دور روسي أكبر في المنطقة. ويبدو هذا واضحا من الدور الذي تمارسه روسيا في المجازر التي ترتكبها في سوريا بلا رادع ولا حساب، اللهم إلا بعض العتاب اللطيف هنا وهناك على سبيل ذرّ الرماد في العيون.

أضف إلى ذلك تقارير المخابرات الأمريكية التي نشرتها السي إن إن قبل انتهاء ولاية أوباما والتي كشفت عن محاولات قرصنة روسية وأوامر من بوتين بالتأثير على الانتخابات الأمريكية وتفضيل بوتين الواضح لترامب على حساب هيلاري كلينتون.

ودعك من الزفة الإعلامية التي واكبت زيارة منفذ الإنقلاب للبيت الأبيض، وحالة الفرح المفتعل التي بدت أشبه بكيد النسا. الزيارة كانت في الغالب للترضية، لتنعم النفس الانقلابية العليلة بالوصل مع جدران البيت الأبيض. زيارة جاءت في الغالب بناء على تفاهم ما بين بوتين وترامب.

ما نراه الآن في المنطقة هو بعثرة لكل الأوراق القديمة وإعادة ترتيبها على نحو جديد تماماً يغادر فيه مركز صناعة القرار في المنطقة، البيت الأبيض (بالتدريج) لينتقل إلى الكرملين. ليودع العالم سياسة التصريحات المسكنة التي انتهجتها إدارة أوباما حين كانت تخرج من حين لآخر للحديث عن ضرورة رحيل بشار، ولتبدأ في سوريا مرحلة جديدة يدير فيها كل الأطراف ظهورهم للمجازر الوحشية التي ترتكبها روسيا مع إطلاق بعض الشهقات على أقصى تقدير. وهو ما ظهر واضحاً في مجزرة خان شيخون المروعة التي قد يقف أمامها إبليس نفسه مذهولا من وحشيتها وهجميتها.

استقبال الانقلابي في البيت الأبيض، يبدو كتدشين لمرحلة شديدة العنف والدموية في المنطقة وهي مؤشر على تغييرات كبرى ليس فقط في مراكز صناعة القرار بل في خارطة المنطقة ككل. وهي تغيرات قد تطول في نظري كل من سوريا وليبيا وسيناء في مصر.