آيات عرابي تكتب| براندات سايكس بيكو!


بعد اجتماع السيسي بوزراء الإعلام العرب، الدولة المصرائيلية والكيان السعودي يشكلان لجنة لتوحيد الرؤية الإعلامية

عنوان عريض طالعتنا به وسائل إعلام كانتونات سايكس بيكو اليوم

في إتصالات التسويق المتكاملة IMC (Integrated Marketing Communications) يعمد خبراء التسويق إلى استخدام استراتيجيات وتكتيكات تسمح بتوصيل رسائل تسويقية ذات أهداف موحدة من خلال وسائل إتصال ومحتويات متنوعة بحيث تصل لجميع القطاعات المستهدفة نفس الصورة الذهنية النهائية عن المنتج ولكنها تصل لكل قطاع من خلال نوع المحتوى ووسيلة الاتصال الأنسب لسلوك المستهلكين المنتمين للقطاع.

كيانات سايكس بيكو الوظيفية التي أسموها أوطانا لم تكن لتعيش كل تلك السنين بالمكونات المادية وحدها من حدود وجيوش ومؤسسات عميلة من شرطة وقضاء وإعلام ودساتير كفرية فحسب، بل سبقها ثم تطور معها بالتوازي استراتيجيات تقطيع سوق سايكس بيكو ثم صناعة مكونات معنوية اشتملت على هويات ومناهج فكرية إسلامية وعلمانية تضمن دوام استعباد سكان الحظائر وانصياعهم التام، مهما اختلفت قطاعاتهم. أنا هنا لا أقصد الأيديولوجيات الوطنية الجاهلية التي تعظم الانتساب للوطن فحسب، بل أقصد أيضا المكونات المعارضة التي تتحرك تحت سقف سايكس بيكو وتعارضها بأدوات تثبت دعائم كيانات سايكس بيكو من حيث تظن أنها تعارضها.

هو بالضبط ما يحدث حين تسمع خبيرا استراتيجيا ومحللا سياسيا هابطا يحدثك عن ضرورة إسقاط السيسي الذي أفسد جيشنا العظيم ودولتنا المصرية العظيمة التي أنشأها عميل فرنسا وصبيها محمد علي ومؤسساتها المجيدة وقضائها الشامخ، هو بالمناسبة لا يختلف كثيرا عن شعبولا حين غنى بكره “إسرائيل” وبحب حسني مبارك، مؤكدا بذلك وجود شيء اسمه “دولة إسرائيل” ودافعاً عن كنز “اسرائيل” الاستراتيجي تهمة العمالة!

البيائة والسوقية أسلوب حياة.

في القلب من تلك المعارضة التي تفيد منها كيانات سايكس بيكو كان المكون المتأسلم بكل أطيافه إلا من رحم ربي، وأخص بالذكر حركات الإسلام السياسي التي طبعت مع ثوابت سايكس بيكو لتتمكن من المشاركة السياسية. وكذلك الكثير من الحركات الإسلامية الإصلاحية ولكن بدرجات متفاوتة بحسب ما تسمح به درجة الانحراف العقدي، أما الحركات الجهادية فتمت الإفادة منها بقدر جهلهم بالواقع، إلا من رحم ربي. المهم أن الصور الذهنية لبراندات سايكس بيكو طبعت في قلوب وعقول الجماهير على اختلاف قطاعاتهم، كل بحسب ما يلائمه، فعند الدعاة الدولجية الرسميين الأقحاح فالإسلام دين وطني ومصر محفوظة بالكنافة والبالوظة وجيشها خير أجناد الأرض، وعند الحركات الإصلاحية نجد من يقبل بعض ذلك أو يرفضه بحسب درجة انحرافه، وعند أصحاب العقيدة السليمة – نظريا – نجدهم يرفضون هذه الخرافات نظريا بينما قد يشرعن بعضهم ذلك الواقع الحظائري ويسمي الطواغيت ولاة أمر أو في أحسن الأحوال يستسلم ويعرض عن ذكرهم من باب ما يسميه بدرء المفاسد وحقن الدماء.

أما المواطن الحظائري الكنباوي فهو الشريحة السوقية الأكبر والأكثر استهلاكا لبراندات سايكس بيكو والأكثر تعرضا لرسائلها التسويقية، مما يتطلب استراتيجية خاصة جدا من خبراء الإعلام والتسويق لضمان عدم تعارض الرسائل التسويقية مع بعضها البعض، تلك الاستراتيجية جعلت العقل المصري ينشأ في قالب يشبه ذلك المستخدم في الصين لمنع أرجل الفتيات من النمو، ونجحت تلك الاستراتيجية ببراعة حتى صار العقل المصري يجمع أكبر قدر من التناقضات التي يستحيل أن تجتمع في كائن حي فضلا عن إنسان، فما بالك لو كان منتسبا للإسلام!

فهو يقدس إخناتون ويسميه أول الموحدين ويفخر بأن التوحيد اختراع أجداده الفراعنة، بينما يزعم أنه أشد الشعوب حبا للنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الكرام! يقدس الجيش المصرائيلي ويسميه خير أجناد الأرض، بينما يقيم فرحا إذا ما أخذ إعفاءاً أو تأجيلا من التجنيد! يحب الشعراوي ويحب عبد الناصر! ويحرص على متابعة الراقصة سنية نفخو، بينما يسعد باعتزالها وارتدائها الحجاب! يعشق أم كلثوم ويشعر بالنخوة حين يسمع الشيخ كشك يصفها بالعجوز الشمطاء التي تدعو إلى الزنا.

ذلك المسخ البغيض المسمى بالهوية المصرية أو التدين المصري المعتدل جعل العقل المصري يحمل مخزونا جاهليا يفوق جاهلية العقول في شتى حظائر سايكس بيكو، لذا كانت الكوادر المصرية قوام عملية العلمنة في العديد من كيانات سايكس بيكو إبان مرحلة ما يسمونه بالتحرر والاستقلال وبداية مرحلة طواغيت السي آي إيه ضمن حقبة الاحتلال بالوكالة. شملت تلك الكوادر المجالات السياسية والعسكرية والمخابراتية والشرطية والقضائية والإعلامية والتعليمية بل والعديد من المهن والتخصصات.

بعد اجتماع السيسي بوزراء الإعلام العربي تم الإعلان عن تشكيل لجنة لتوحيد الرؤية الإعلامية بين الدولة المصرائيلية والكيان السعودي، ويمكن اعتبار الكيان السعودي كناية عن امتداد عمل تلك اللجنة لسائر أكشاك الخليج. الأمر ليس جديدا كما يظن البعض، بل التعاون على الإثم والعدوان بين الطواغيت وكلاء الفرع الرئيسي في واشنطن أقدم مما نتصور، لأن استراتيجية صناعة الهويات البديلة لكيانات سايكس بيكو واحدة، وتمت فقط معالجتها لتلائم خصائص الشعوب. فشعوب الجزيرة العربية في الأصل شعوب محاربة اعتادت الحياة القاسية، فكان لابد من استعبادهم بالرفاهية – ولو إلى حين – وصناعة تلك النعرة و الفشخرة الكدابة التي يتعامل بها الكفيل ويكتسبها من كونه مواطنا سعوديا أو إماراتيا يعتز بانتسابه لدولته وانتمائه لجلالة الملك وسمو ولي العهد. بينما المصريون سكان وديان سهل المعشر والانقياد – كما وصفهم الداهية الهرم أحمد شفيق حين سخر منه الجميع- لم تتجذر فيهم النخوة والشهامة إلا حين نشط المكون العقدي، وهو ما أدركه الرجل الأبيض حين أمم شعيرة الجهاد واستبدلها بالجيوش النظامية العميلة، فكان استعباد المصريين بالمزيد من القهر بينما استعباد سكان الجزيرة العربية بالرفاهية والقعود.

في عام 1983 كتب خبير التسويق اليهودي ثيودور ليفيت مقالا بعنوان عولمة الأسواق والماركات، تحدث فيه عن أثر العولمة على التسويق. تطور الأمر فيما بعد إلى ما يعرف بال Inter-Market Segmentation وهو مصطلح سكه صلاح حسن أستاذ التسويق بجامعة جورج واشنطن في مقال كتبه سنة 1991، ويعني ببساطة إمكانية تقطيع السوق بناء على رصد أذواق وسلوك المستهلكين بغض النظر عن تواجدهم الجغرافي، وهو لا شك أحد أهم آثار العولمة وسهولة الحصول على المعلومات وذوبان الكثير من الفروق بين أذواق الشعوب.

إستراتيجيات تقطيع سوق سايكس بيكو القديمة قد أدت بالفعل دورها في صناعة الحواجز النفسية قبل الحدودية بين سكان الكيانات المقسمة، ولم تعد الهويات الوطنية تحتاج لأكثر من صيانة بين الحين والآخر، يتكفل بذلك الأعياد القومية والأغاني ومباريات كرة القدم، وغير ذلك من الأعمال المنتظمة والاستراتيجيات المتجذرة المستقرة المشتملة على آليات تطوير ذاتية.

من يرصد الساحة الفكرية والإعلامية لكيانات سايكس بيكو يجد أن الأفكار المراد تسويقها في المرحلة القادمة لا تحتاج لتقطيع السوق على أساس جغرافي أو وطني – كما كان في الماضي – بقدر ما تحتاج لتقطيعه على أساس اتجاهات فكرية يراد الإفادة منها في بث أفكار وظيفية جديدة لجمهور ما يسمونه بالوطن العربي بغض النظر عن قطاعاته، ولذلك كان من الطبيعي أن تجد قناة العربية تبث ما يحبه جمهور الدولجية بينما تبث الجزيرة مايطلبه جمهور المعارضة الهابطة، بينما النتيجة تتلخص في نتائج لعبة العداء العربي التي انكشفت مؤخرا.

تقطيع السوق إلى دولجية ومعارضة هابطة هو أحد أبرز استراتيجيات التقطيع الجديدة التي استخدمت بنجاح على مسرح عمليات سايكس بيكو، أو في سياق آخر، تقطيع تيارات المعارضة الهابطة إلى علماني و إسلامجي هابط (علماني بلحية)، بينما كلا الفريقين يحدثك عن الوطن والحدود والدستور وإرادة الشعب ومؤسسات الدولة وإخوانهم شرفاء الجيش والعساكر الغلابة.

والمعاني المراد توصيلها للفريقين مثل الإسلام الوسطي أو المقاصدي أو سمه ما شئت يبثه القرضاوي والريسوني وتليمة لجمهور المعارضة الهابطة، بينما يبثها علي جمعة وسعد الضلالي وأحمد كريمة لجمهور الدولجية.

بينما يحدثك الغيطي وأحمد موسى عن عظمة السيسي ودولته، كانت الجزيرة تقدم لك مع تغطية أحداث الانقلاب والمجازر فقرات حوارية ترى فيها الضيوف الانقلابيين يفحمون ويهانون، وما أن تعودت علي رؤيتهم حتى صارت تقدمهم كرأي آخر نناقشه – كل ذلك وأنت تستمرئ سماع الرئيس المعزول الرئيس المعزول الرئيس المعزول – ثم ما لبث هؤلاء أن أطلوا عليك من قنوات اسطنبول في حلة الاصطفاف، حتى وصل بك الحال إلى مشاهدة حمدي بخيت وغيره من مراكيب العسكر على قناة مكملين، وصرت تعتبر صنديد الانقلاب أيمن لمبة زعيما ثوريا يجب التوحد خلفه من أجل الانتصار على الإنقلاب بالتنازل عن شرعية الرئيس مرسي رحمه الله والإقرار بالسيسي كرئيس أنهي مدته!

بينما كانت استراتيجيات التقطيع القديمة في أغلبها تخضع للتقسيم السياسي لسايكس بيكو وتخدم عليه فإن استراتيجيات ال Inter-Market Segmentation تقطع السوق على أساس خصائص تتعدى الحدود والجنسيات، وتبث أفكار وظيفية جديدة تمهد لأهداف مثل صفقة القرن أو التحلل من أحكام الشرع، أو إطالة حكم الطواغيت بلعبة الطيب والشرس (أردوغان وتميم في مقابل السيسي وبن زايد وبن سلمان ) والعداء العربي العربي أو العربي التركي.

في حظائر سايكس بيكو تمثل تلك الاستراتيجيات الجديدة من تقسيم السوق إلى دولجية ومعارضة هابطة أو علماني وإسلامجي هابط، أو مستهلكي الرواية الرسمية ومستهلكي الرواية النصف رسمية للصد عن الحقيقة الكاملة هدفاً لمخرج النظام العالمي الذي يهمه استمرار حالة التيه التي يعيشها المواطن الحظائري

هذه مجرد أمثلة على استراتيجيات تخضع للـ Inter-Market Segmentation وبعض صور تجلياتها في السوق الإعلامي لسايكس بيكو وأرجو من الإخوة المتابعين أن يُعملوا عقولهم لتطبيق تلك المفاهيم وإثراء التعليقات بمزيد من استراتيجيات ال Inter-Market Segmentation وتجلياتها في الإعلام الحظائري.

One thought on “آيات عرابي تكتب| براندات سايكس بيكو!

  1. تامر says:

    اللة ينور عليكي مقال مفيد
    واللةأيام الثورة كنت زعلان من الناس أوي بسبب جهلهم وكنت متأكد ان الشرمنتهاش بعزل مبارك وأن النظام هوة
    الي لازم نثور علية مش شخص هوة الي ممشي البلد لا دة نظام ونظام حظائري زي محضرتك وصفتية ودة مش حيتغير غير لما نقاوم مش نثور مقاومة بس المشكلة أنهم من جلدتنا وأننا شعب عزل وهما مدججين بالسلاح

Comments are closed.