آيات عرابي تكتب| تفيدة ووجبة الفئران المشوية!


تفيدة تجلس في الغيط بعد أن جف كل المحصول بسبب قلة المياه ولا تجد ما تقتات به هي وأولادها

أولادها يجلسون حولها وهم يصرخون من الجوع والعطش ولا تجد تفيدة كسرة خبز واحدة أو شربة ماء تعطيها لأبنائها

تفيدة تتذكر كيف كانت هذه الأرض الجرداء أمامها الآن كانت تمتلئ بمحصول الذرة الذي كانت تحصده بمساعدة زوجها قبل أن يموت بسبب فيروس كورونا وقبل أن يجف النيل ولا تجد ما تروي به أرضها

تسرح بخيالها بعيداً وتتذكر كيف كانت تأخذ الذرة لتبيعها في السوق وتأتي بالغذاء لعائلتها الصغيرة

تفيدة تتذكر كيف كانت حياتها على رغم بساطتها لكنها كانت راضية بها على الرغم من أنها تعيش في بيت مصنوع من الطين في قرية صغيرة تأتيها الكهرباء مرة كل شهر

تتذكر تفيدة كيف كانت تذهب إلى اللجان لتنتخب السيسي بعد أن جاء أحدهم إلى القرية ليجمع الفلاحين ليدلوا بأصواتهم مقابل عشرين جنيها لكل فرد

تتذكر تفيدة أنها عندما أخذت العشرون جنيها من مندوب تحيا ماسر أخذت ترقص من الفرحة لأنها سترتاح من الذهاب إلى سوق القرية لتبيع الذرة في ذلك اليوم

كانت تحدث نفسها (الآن تستطيع أن تشتري بالعشرين جنيه طعاما لأبنائها دون الحاجة إلى الجلوس في السوق طيلة اليوم)

تفيدة وكل أهالي القرية ذهبوا يومها إلى اللجان وكان المطلوب أن يدلوا بأصواتهم ويصفقوا ويهللوا لطبيب الفلاسفة

لم تكن تعلم تفيده ان السيسي الذي وعدهم بمصر جديدة في 2020  كان يقصد فعلا مصر جديدة في كل شيء

فها هو السيسي يبني القصور له ولانتصار وأبنائه في العاصمة الإدارية الجديدة ولا يبالي بمن رقصوا له أمام اللجان أو من انتخبوه من الفقراء والفلاحين

ليس هذا فقط بل أن السيسي الذي مضى على اتفاقية سد النهضة الذي تسبب في خفض منسوب مياه النيل مما أدى إلى موت حقلها الذي ورثته عن زوجها الذي مات بـ كورونا أيضا بسبب السيسي وتقصيره في توفير العلاج أو المستشفيات التي تستقبل المرضى والآن وقد جف الحقل بسبب جفاف النيل لا تجد تفيدة ما تطعم به أبنائها

تفيدة كانت تتخيل ان السيسي الذي وعدهم بمصر جديدة سوف يوفر لهم سكنا في إحدى المدن الجديدة التي كانت تسمع عنهم من أهل قريتها

كانت تتخيل انها (هتعيش بقى وتقب على وش الدنيا)

كانت تسمع الناس يتحدثون عن اكتشاف حقول جديدة للغاز وتقول لنفسها (أيوة بقى السيسي وعدنا بمصر جديدة أكيد هيدي الناس نصيبها ماهو قال اننا نور عينيه .. سحيح)

تفيدة كانت تسمع من شباب القرية ( المتعلم المتنور اللي بيروح مدارس) ان مصر كشفت عن جبل جديد لإنتاج الذهب فباتت سعيدة مبسوطة ممنية نفسها ان السيسي هيوزعه على شعب مصر وكانت تحدث نفسها (أو حتى بلاش يوزعه بس على الأقل ناكل ونشرب زي مخاليق ربنا)

تفيدة سوف تصبح غنية بل ستصبح من أثرياء مصر (الجديدة)

تسرح تفيدة بخيالها وتتذكر كيف مرت الأيام وهي تغني تسلم الأيادي

وكيف كانت تقول تحيا ماسر كما يقولها السيسي (تتحزم وترقص)

تفيدة تذكرت كيف ان كانت أحلامها وردية وأنها صدقت انها نور عينين السيسي الى أن استيقظت ذات يوم وزوجها منصور ينتفض جسده من الحرارة المرتفعة

أخذته وهي تجري به على مستوصف البلد لكن الممرضات قالوا لها (مفيش مكان اطلعي بيه على البندر.. المدينة)

تجري تفيدة وتحاول تركب الميكروباص لكن لا يقف لها أحد حين يعرف ان منصور يعاني من كورونا

تجري تفيدة كالمجنونة بزوجها وتستأجر عربة كارو وتطلع بيه على مستشفى البندر

وهناك تكتشف تفيدة أن المستشفى لا يوجد بها أسرة كافية للمرضى وأن الأطباء والممرضات يموتون بسبب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية

تخرج من المستشفى وتجلس أمامها وزوجها على كتفها كالطفل الصغير

تعود به على العربة الكارو الى قريتها ولكنه يموت قبل أن يصل

تفيدة كالمجنونة تصرخ في البلد منصور مات

منصور مات يا بلد

نظر إليها أحد الشباب الذين التفوا من بعيد يستمعون لصراخها

تنظر اليه وتقول له (أمال قلتوا لي السيسي بيبعت أدوية لبلاد برة ليه )

يبعت لبلاد برة ويسيبنا (تحدث نفسها ويسيب نور عينيه)

تفيدة ظلت تصرخ بجنون ولا حياة لمن تنادي وأهل القرية ينظرون لها ولجثة زوجها الملقاة على الأرض من بعيد والكل خائف أن يقترب منهما حتى لا يصاب بالعدوى

تضطر تفيدة ان تذهب بجثته الى المقابر على العربة الكارو وتتركه هناك

تفيدة تتذكر كيف أن حياتها بعد وفاة زوجها أصبحت جحيما

عليها أن تذهب الى قطعة الأرض الصغيرة لترويها وتحصد الذرة و تبيعه وتشتري الأكل لأبنائها

ثم تتذكر أنها استيقظت في يوم من الأيام وقد انقطعت المياه التي كانت تروي بها الأرض وكيف أن رغيف الخبز وصل فجأة الى عشرون جنيهاً وكيف ارتفعت كل الأسعار فلا تجد المال الذي تشتري به ما ينقذ أولادها من الجوع

ثم تتنهد وتنظر للأرض الآن وقد بارت ولم يعد فيها حبة ذرة واحدة تأخذها وتبيعها وتشتري بها ما يسد رمق أبنائها

مر ستة أشهر على بدء ملء سد النهضة وكل الأراضي من حولها جفت ولا يجد أهل قريتها ما يأكلون ولا يجدون حتى شربة ماء واحدة

لدرجة ان أهالي القرية بدأوا يأكلون القطط والكلاب ويسرقون المحاصيل المخزنة في بيوت بعضهم البعض

تذكرت تفيدة كيف انها ذهبت لتعمل خادمة في دوار العمدة نظير بعض كسرات من الخبز وبعد فترة لم يجد العمدة هذه الكسرات ليعطيها

الجميع في القرية أصبحوا سواسية، العمدة اضطر يبيع بعض ما يملك لشراء الطعام من البندر ولم يكن يجده بسبب جفاف النيل وبوار الأراضي الزراعية

واضطر شباب القرية أن يهاجر خارج مصر بحثاً عن الطعام

فجأة وهي غارقة في ذكرياتها وتبكي فجأة تسمع تفيدة أهالي القرية كلهم يصرخون ومنهم من يهلل فرحاً ويقول (عيش) (عيش يا أمة)

تجري تفيدة تجد كل أهالي القرية ملمومين على أحد الشباب الذي استطاع أن يشتري بعض من الخبز من مخبز في المدينة المجاورة استطاع ان يستخدم مياه المجاري ليصنع الخبز ببعض الدقيق الذي خزنة لوقت الشدة

أهل القرية خطفوا الخبز من الشاب وداسته تحت الأقدام

وللأسف لم تستطع تفيدة الحصول على لقمة خبز واحدة تعطيها لأبنائها

مصر كلها تعيش حالة من الرعب الحقيقي لدرجة ان أفراد الشرطة أصبحوا عصابات مسلحة تقتحم البيوت في المدن والقرى بحثا عن كسرة خبز وانهار شكل الدولة في مصر وتصدعت أركان الحكم ومؤسساته وانتشر آكلي لحوم البشر

تعود تفيدة الى منزلها لتجد أحد أبنائها وقد اصطاد فأراً كبيرا ويشويه فنظرت تفيدة للفأر المشوي وحضنت ابنها وهي سعيدة بوجبة الفئران المشوية وهي تقول بصوت واهن تحيا ماسر تحيا ماسر تحيا ماسر