آيات عرابي تكتب | حرب القمار !


ما يحدث من تحالف أمريكي الآن هو محاولة لضرب (الربيع العرب) الذي يراه كثير من المحللين الغربيين ربيعاً اسلامياً. ففي العراق اعتصم الثوار ستة أشهر ثم تعرضوا لحملة قمع رهيبة غير مسبوقة من جانب المالكي ونظامه الطائفي, وأثرت المجازر التي ارتكبها الانقلاب في مصر على فكر التغيير في العراق, فأدرك العراقيون أن تغيير مثل ذلك النظام لن يكون الا بحمل السلاح, ولما حملوا السلاح لم تصمد قوات المالكي وبغض النظر عن مسألة ( الدولة الاسلامية في العراق والشام ). ففي الدول التي انتهجت الطريق السلمي في الثورة مثل مصر, تعاملت معها الادارة الامريكية بمنطق التجاهل واستمرار الوضع على ما هو عليه, ولكن في العراق بدأ الوضع يمثل تهديداً, فالتغيير السلمي والوصول للسلطة عن طريق الصناديق أثبت فشله واتحد الغرب كله وانظمة سايكس بيكو ضده ( السعودية – الكويت – الامارات ), فلم يعد أمام الراغبين في التغيير في العراق سوى حمل السلاح, وأصبح الوضع أكثر خطورة بعد نجاح المقاومة الفلسطينية بإمكانيات تعتبر متواضعة عسكرياً في تحقيق التوازن وهزيمة الاستراتيجية الصهيونية وانضمام السعودية والإمارات علناً للمجهود السياسي الصهيوني ضد المقاومة ( طبعا انضمام خادم الصهاينة وحذاء نتن ياهو في مصر للصهاينة في الحرب على غزة أمر مفروغ منه ), وصبت انتصارات ثوار ليبيا على قوات حفتر المدعومة جوياً من انقلاب مصر ومن الإمارات في صالح التغيير المسلح, وهو ما مثل إضافة جديدة وتدعيماً لاختيار التغيير المسلح في المنطقة, وأصبحت انظمة موالية للاحتلال الغربي أو ما يعرف بأنظمة سايكس بيكو, مثل النظام السعودي, تشعر بتهديد حقيقي على وجودها.

السبب الثاني هو ان الاسلامي السني الذي انتهج طريق التغيير عن طريق الصناديق, تجري محاولات لسحقه في مصر, مما أفسح المجال للتوجه الإسلامي الآخر ( اتفقنا أو اختلفنا معه ) الذي يسعى للتغيير بالقوة بعدما يأس من التغيير عن طريق الصناديق, ويرى التغيير صراع وجود ويطمح هو أيضاً لإقامة خلافة اسلامية, فأرادت امريكا توجيه ضربة لإرادة التغيير ولإزالة الأنظمة القديمة ورغبت في المحافظة عليها, ولكن أمريكا من الناحية العسكرية غير قادرة عملياً على دخول حرب برية خصوصا بعد ان تم إنهاك جيشها لمدة 8 سنوات في العراق وفي أفغانستان بالإضافة إلى أن امريكا غير قادرة اقتصادية ولا عسكرياً على تحمل تكلفة هزيمة في العراق أو تورط جديد في المستنقع العراقي, فقررت أن تشن الحرب بالوكالة عن طريق مقاول الأنفار الشهير بالعرص في مصر, فجيش الكحك يقدم ( يد عاملة رخيصة ), وتقوم السعودية والإمارات والكويت بالإنفاق على الحرب, بينما توجه أمريكا وفرنسا الضربات الجوية وتقدم الدعم الاستخباراتي, والقوات الإيرانية تعمل على الأرض فعلياً وقد نشرت منذ فترة أن هناك قوات من الحرس الثوري الإيراني في العراق, ولذلك فلا داعي للإعلان عن التحالف الشيعي العربي, وأمريكا تعلم أن فرص نجاح ذلك الحلف ليست كبيرة ولكنها لا تملك اي اختيارات أخرى الآن. والنتائج التي اتوقعها هي هزيمة لقوات جيش المكرونة أمام قوات متمرسة في الحرب وفي بيئة لم يتعود عليها المجندون وعلى غير أرضهم ..

باختصار الهزيمة ستكون ساحقة للقوات البرية والفشل في العراق سيكون آخر ورقة في يد أوباما قبل رحيله وسيتبع الفشل, هزات أرضية عنيفة في الانظمة الداعمة للانقلاب والموالية لأمريكا, وأظن أنه سيحدث تحول استراتيجي كبير في فكر الحركات الاسلامية التي تقف الآن في خندق واحد ضد القوى القديمة المسلحة, وربما يظهر تيار أكثر شراسة في التعامل مع المتغيرات الجديدة حتى من بين الإخوان المسلمين أنفسهم وهم من اشد دعاة السلمية حتى الآن, تلك المتغيرات ربما ستمهد لقيام دولة خلافة او على الاقل نواة دولة خلافة, وربما خلال خمس سنوات من الآن ستكون كتب الجغرافيا التي كانوا يدرسونها لنا في المدارس مثار سخريتنا ونكاتنا. هي إذاً جولة من جولات الصراع القديم الحديث في الحرب بين الشرق الإسلامي والغرب الصليبي.

*هذه هي وجهة نظري التي كونتها من الاطلاع على عدة تحليلات قيمة في اليومين الماضيين. *المقال لا يتطرق لمناقشة حقيقة تنظيم الدولة الإسلامية فالله أعلم بهم, المقال فقط عن النوايا الأمريكية.