آيات عرابي تكتب |ذاكرة جيم كاري وكيت وينسلت !

 

في مقالات وتدوينات سابقة تحدتت عن شعار 25 يناير.

وجهتُ انتقادات لذلك الشعار وبدت انتقاداتي للبعض غير مفهومة. البعض تساءل وقتها, وما الضير في شعار (عيش – حرية – عدالة اجتماعية)؟

قلتُ هذا شعار يصلح لاضراب محدود يقوم به موظفو شركة يطالبون بزيادة رواتبهم. الشعار ذاته يحمل بصمات الصنعة الاحترافية, فهو مزيج من الشعارات الليبرالية والاشتراكية. يأخذ من الليبرالية عنوانها العام ومن الاشتراكية عنوان العدالة الاجتماعية. بمنطق (ناخد الحلو من هنا ونحطه على الحلو من هنا ونعمل حاجة أوستيك) على رأي ذلك المشهد في الفيلم الشهير.

وسيحلو بالطبع للبعض تصور أن هذا الشعار نشأ هكذا من تلقاء نفسه وأن قوى الشعب المتفاعلة .. الخ خرجت بذلك الشعار في خضم الأحداث وهو تفسير من تلك النوعية الرائجة المحببة لدى البعض والتي تريح أصحابها من عناء التفكير وإرهاق العقل, فالأمور لديهم تحدث من تلقاء نفسها.

الأمور كلها لديهم (جت كدة) وكل شيء يحدث من تلقاء نفسه دون تدخل.

وهؤلاء يغضبون بشدة لو ادركوا أن الأمور تسير بصورة مقصودة, فهم يعشقون أن تحدث الأشياء من تلقاء نفسها وأن تسير الامور بصورة أوتوماتيكية لا تدخُل فيها, بعضهم يعتقد مثلاً أن الحدود نتيجة كفاح الشعوب, فإن شرحت له أن الحدود من انتاج ضباط وزارات المستعمرات البريطانيين والفرنسيين في بداية القرن العشرين, ادار ظهره وتظاهر بأنه لم يسمع شيئاً ثم لا تمضي دقيقة حتى تسمعه يكرر.. الحدود نتيجة كفاح الشعوب!!

تستطيع أن تجزم بضمير مستريح ان هناك جهة ما تدخلت بعد الإطاحة بالمخلوع مباشرة لمحو ذاكرة الثورة القريبة واجرت عملية مونتاج هائلة الحجم حذفت فيها مشاهد كاملة من الذاكرة.

وجرت عملية إعادة تلوين للوحة الثورية بألوان باهتة جديدة لإطفاء جذوة الثورة والقيام بأكبر عملية تهدئة نفسية للشعب. فجرى ترميز مشاهد الهتاف ومحو مشاهد الصدام مع نظام المخلوع.

أصحاب الذاكرة القوية ربما يتذكرون أخبار التحقيقات مع المخلوع في جريمة قتل المتظاهرين وكاميرات المتحف المصري المتصل بالمخابرات العامة والتي جرى محو شرائط التسجيل بها.

ربما ساعد تذكر تلك الأخبار أصحاب نظرية (هي جت كدة) على الاقتناع بأن جهة ما تدخلت لعمل مونتاج على المشهد كله.

الفكرة ان المخرج الذي يقف خلف المشهد يدرك قواعد اللعبة بينما لم يكن الشعب الخارج من القمقم لتوه يملك أي خبرة تؤهله للتعامل مع أجهزة احترفت اللعب بعقله وخداعه طيلة عقود.

ولذلك تبدو منطقية كهذه ضرباً من الخيال الذي تفغر له أفواه إخواننا المحللين الاستراتيجيين والنشطاء السياسيين الذين اتخموا الساحة.

الأمر يشبه أحد الأفلام القديمة لجيم كاري وكيت وينسليت حين قامت شركة ما بمحو ذاكرتيهما.
ربما كان الفيلم يحمل بعض لمحات الخيال العلمي ولكن هذا الخيال قابل للتحقيق بالإعلام.

ولكن دعنا من مسألة المونتاج فقد اسهبت في شرح تلك الطريقة القدرية في التفكير ولم يكن هذا موضوع مقالي أصلاً. الحقيقة أن شعار (عيش – حرية – عدالة اجتماعية) الذي يحمل رائحة صنعة واضحة هو احد اخطر الفخاخ التي وقعت بها الثورة.

عملية ضبط لموجات الحراك الشعبي قامت بها جهة ما، فخفضت صوت الحناجر الملتهبة من ثورة كاملة إلى نصف ثورة من ثورة قد تتعاظم أهدافها لتبلغ مرحلة كنس نظام العسكر بالكامل إلى مجرد عنوان اجتماعي يحمل رائحة ليبرالية ولمسة اشتراكية مع لمحة استجدائية ما مع بلفظ (عيش) ولكن المهم الا يصل مؤشر محطات المذياع إلى أي محطة ايديولوجية اسلامية تعبر عن هوية الشعب.

حين تقرأ عما سمي إعلامياً بـ”جمعة قندهار” ودور الدعوة البرهامية الأمنية فيها ستدرك أن هناك يداً أمنية ما كانت تسعى بسرعة محمومة لتخويف الشعب من الإسلاميين وربما اسعفتك الذاكرة وتذكرت ما يسمى بـ”سلفيي كوستا” ومحاولات النحت المستمرة في التيار الاسلامي.

فهم هذه المرحلة وادراك نوايا الأجهزة التي كانت تعبث بالمشاهد وتقوم بالمونتاج وتضخ لعقلك صورة اعلامية مركبة فقط من مشاهد تنزع عن الثورة ثوريتها هو البداية المنطقية لتخطيط سليم لمواجهة الإنقلاب.

وإن كانت الثورة قد سقطت في فخاخ اعدتها لها الأجهزة صاحبة الخبرة الطويلة في التعامل مع الشعب، فلا يجب أن تسقط الثورة الآن في فخ البرهاميين الجدد الذين يدعون للتخلي عن عودة الرئيس مرسي.