آيات عرابي تكتب |شعب ليس معه جيشه

 

رؤوف شاب معه جيشه، يعمل بوظيفة مرموقة لا يستطيع شاب في سنه أن يحلم بها. حياة رؤوف عادية رتيبة، من العمل للمنزل ثم إلى النادي أحيانا وأحيانا أخرى يجلس أمام شاشة التليفزيون مستمعا لوائل الإبراشي، ليتحول موضوع البرنامج لنقاش في اليوم التالي مع مديره في العمل. 

رؤوف كما ترى مقتنع بشدة بعظمة الجيش الماسري وكثيرا ما يستغل وقت فراغه في (البريك) ليكتب تعليقا على صفحة المتحدث العسكري، رؤوف كتب في تعليقه (اقتلوا الإخوان الإرهابيين .. تحيا ماسر)، ووجد أن (ناني) تشيد بحكمته السياسية وعمق تحليله للأحداث! 

منذ ذلك اليوم، يختلس رؤوف لحظات للـ(تشات) مع ناني التي أصبحت صديقته على الفيسبوك. 

رؤوف لا يقلق من ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه، وهو واثق أن (ماسر) ستعبر الأزمة وأن إيرادات ترعة أم أنور عندما تتدفق على (ماسر) ستنقلها نقلة حضارية جديدة، رؤوف وشيكو وناني وباقي الشلة، عاشوا لحظات وطنية عميقة ربطت بين قلوبهم حين كانوا يشاهدون افتتاح ترعة أم أنور، ناني المعروفة بحرصها على مظهرها لم تهتم بوضع (الروج آجو) المناسب، واختارت لونا خريفيا وأسرعت تقود سيارتها وقتها إلى حيث يجلس الجميع أمام تلك الشاشة الكبيرة في النادي، لتستمع لخطاب التنمية الشاملة ولتبشر صديقاتها المتشائمات في اليوم التالي في العمل بأن (الخير جاي). 

مجموعة مترابطة تعيش في ضاحية تملؤها القصور المفتعلة المبنية على الطراز الأوروبي. يسخرون منها هنا في أمريكا فيسمونها (Mcmansion) وهي تسمية تعني القصور الفسيحة المضحكة، أو شيئا من هذا القبيل. 

رؤوف وناني وشيكو وتوتي وباقي الشلة شباب معهم جيشهم كما هو واضح، عائلاتهم موزعة بين القضاء والإعلام والمخابرات والجيش. 

تتذكر ناني أنها أصيبت بالذهول والصدمة حين علمت بخبر ترشح الدكتور مرسي، وأسرعت لتتصل بكل صديقاتها لانتخاب شفيق (لأنه عمل شغل في المطار). 

ناني وشيكو ورؤوف ينتمون لتلك الطبقة التي صعدت دون مجهود مع انقلاب يوليو 1952، مجموعة من الفطريات التي نبتت حول طبقة الضباط الذين قاموا بالانقلاب الأمريكي. الكل وقتها كان يضمن مستقبله. 

الرئيس الراحل محمد نجيب روى كيف طلب منه المقبور عبد الناصر طباعة عشرة آلاف جنيه لكل ضابط، وروى كيف كاد يطرده من السيارة حتى قال المقبور وهو ممتقع الوجه: (أنت صدقت أنا كنت بعمل لك اختبار). 

عثمان أحمد عثمان في كتابه (تجربتي) روى كيف بنى المقبور عبد الناصر فيلتين لابنتيه في ضاحية مصر الجديدة، وكيف سافرت الفتاتان إلى فرنسا لشراء الباركيه اللازم للفيلتين، ثم كيف دفع المقبور ثمن الفيلتين من مخصصات الرئاسة (ثلاثة آلاف جنيه للفيلا الواحدة)، في الوقت الذي كانت فيه دعايته تتحدث عن نزاهته، وكان هو شخصيا يحدث الشعب عن شد الحزام!

والد ناني كان شاويشا بسجن طرة، قدم خدمات جليلة للدولة فقتل عددا من أعداء الوطن من الإخوان المسلمين، والدولة لم تنس له نضاله فكافأته بالترقيات، وأغدقت عليه المكافآت حتى وصل لمكانته الاجتماعية المرموقة تلك. 

ناني تركب الآن سيارة بي أم دبليو موديل السنة، ولديها في خزانة ملابسها عدد لا تعرفه من الفساتين التي اشترتها من محلات باريس ولندن. 

والد رؤوف كان صحفي محافظات في إحدى الصحف القومية، وكان يشي بزملائه من أعداء الوطن، الدولة بدورها لم تنس له (تضحياته) فعينته في الإذاعة، ثم انطلق بعد ذلك ليشغل عدة مناصب في التليفزيون المصري. 

رؤوف الآن يتقاضى خمسين ألف جنيه شهريا من وظيفته بالبنك، والمستقبل كله أمامه خصوصا وقد وجد اسمه في كشوف الترقيات. 

على بعد عدة كيلومترات من الضاحية الراقية، يعيش محمد مع والدته في جحر ضيق في منطقة تتراص فيها المنازل بعضها فوق بعض. محمد لم يعبأ بكل هذا واستطاع الالتحاق بكلية الهندسة. 

والده كان موظفا رقيق الحال، ولكنه كان يحرص أن يأكل ابنه من حلال، محمد ما يزال يتذكر كيف نجا من القتل في رابعة حتى الآن، وعلى الرغم من أنه شاب (ليس معه جيشه)، إلا أنه مازال مصرا على أن يجد لنفسه مكانه الذي يستحقه، ومازال مصرا على عودة الرئيس مرسي. 

محمد يمثل الشريحة المجتهدة التي لا أستطيع إلا أن أحبها، يمثل عندي مصر التي سرقها العسكر. 

محمد هو الشعب الذي جرى استرقاقه وسرقته ونهبه وإفقاره لصالح شرذمة من عسكر السي آي إيه. 

محمد شعب ليس معه جيشه، لكنه بإصراره وعزيمته قادر إن شاء الله على استعادة مصر.