آيات عرابي تكتب| صاحب اللعبة


تنبيه هام: (النقولات الشرعية الواردة في هذا المقال أخذتها من عدة مواقع إسلامية، علما بأنني لست من أهل العلم الشرعي، ولم أقرأ المراجع الأصلية لهذه النقولات، ولست مسؤولة عن تنزيلها على الواقع بأي شكل من الأشكال، وإنما أحاول من خلال مقالي طرح عدة تساؤلات على الشيوخ والعلماء في معسكر التغيير ومناهضي الانقلاب)

غالبا ما يقوم الطفل صاحب اللعبة بفرض إرادته على باقي أصدقائه ويلزمهم بقوانين تضمن فوزه وفوز فريقه، أو يفركش اللعب حين يجد فريقه يوشك على الخسارة، فهو صاحب اللعبة حتى وإن كان أقلهم مهارة في اللعب.

أتذكر أنه إبان جولة الإعادة بين الرئيس مرسي رحمه الله والانقلابي الفلولي المجرم أحمد شفيق، إشتهر مقطعا كارتونيا يصور الأستاذ محمد بديع فك الله أسره وهو يلعب المصارعة على البلاي ستيشن مع حسين طنطاوي عجل الله هلاكه، كان المصارع الذي يحركه الدكتور بديع هو الرئيس مرسي بينما يقوم طنطاوي بتحريك شفيق وقد أوشك الرئيس مرسي على هزيمة شفيق، فقال الدكتور بديع لطنطاوي: شكلي كدة أنا اللي هكسب يا حسين، فأجابه طنطاوي: بس ما تنساش إن البلاي ستيشن ده بتاعي يا بديع.

كم كان المعنى معبرا عن الكثير من المعارك التي قد نخوضها بإخلاص، ولكن وفق خطط عدونا واستراتيجياته وأسلحته ونتائجه المحسومة سلفا، بينما نحن مجرد كومبارسات مفعلين في سيناريو كتب لنا منذ زمن بعيد.

نحن نعيش في واقع فكري وسياسي علماني شئنا أم أبينا، نتعلم وندرس وفق مناهج وآليات البحث العلمي لأعدائنا. وتتغلل قيم العلمانية في أدق تفاصيل حياتنا بداية من الترف الاستهلاكي ووصولا إلى علمنة الإجتماعيات و المناسبات والشعائر الإسلامية وتحويلها لفلكلور وعادات مفرغة من محتواها الأصلي.

واقع تري فيه فقه الحج أكثر الأبواب الفقهية تجددا مع مرور الزمن، نظرا لعدم انقطاعه أبدا. بينما تقوم الكثير من الاجتهادات المعاصرة في معظم أحكام المعاملات خصوصا المعاملات المالية على باب الاضطرار وعموم البلوى، في واقع لم ننشئه وإنما نحاول التعاطي معه بأقل المفاسد.

أما في أبواب السياسة الشرعية، فالأمر لا وصف له إلا التيه، أو ما يشبه انقطاع الحج وتوقف تطور فقهه ل 200 او 300 سنة! تتراكم خلالها أسئلة بلا إجابات واستفتاءات بلا فتاوى، حتى يعم الجهل ويسود القول علي الله بغير علم، فقلما نجد عالما متخصصا في السياسة الشرعية، ملما بأدوات الاجتهاد الشرعي، مع فهم دقيق وعميق للواقع بعيدا عن آليات العدو في البحث والدراسة، مع أفق متحرر من سقف النظام العالمي.

فنجد من الإسلاميين من اعتزل الواقع وتفرغ للحديث عن القلوب والتزكية والسلوك والعبادة بشقها الشعائري فقط بما يشبه الرهبانية، أو خالط الواقع وفق آليات العدو مع طلاء إسلامي هش يشرعن كل منكر بأنه مثل صلح الحديبية، ومنهم من رفض كل ذلك نظريا ولكن العدو أفاد منه علي المستوى العملي وحركه حيث يشاء.

ليس العدو ولا التيارات الإسلامية المهجنة هم المسؤولون فقط عن علمنة معركة التغيير وتحويلها لمعارضة كارتونية علمانية، تقر بشرعية أنظمة سايكس بيكو، وتقدم أطروحات تغيير تنحصر في خصومة سياسية مع أنظمة عميلة (يستطيع النظام العالمي تفويرها وقتما ترتفع الموجة)، ليطيل عمر منظومة الاحتلال بالوكالة وثوابتها من دساتير وضعية وحدود وأوطان ضرار ومؤسسات وجيوش عميلة.

كل هذا لا يتحمله العدو أو ما يسمى بـ التيارات الإسلامية وحدهم، بل يتحمله في الأصل العلماء المخلصون في معسكر التغيير ومناهضة الطواغيت، الذين لم يقدموا للناس تخريجا شرعيا مفصلا للمعركة، بل كانت بيانات وتصريحات كثير منهم تنحصر في مصطلحات سياسية علمانية عن الانقلاب وإرادة الشعب والدستور والرئيس المنتخب، وأحسنهم حالا كان يعطيك فتوى مجملة عن كفر السيسي وإثم التعاون معه.

كل ذلك أعطى الطواغيت فرصة ذهبية لتوجيه الحراك وعلمنة المشهد ودس سقط متاع الانقلاب من الاصطفافجية وتحويلهم لأيقونات تغيير، (تغيير علي وساخة بيجيب تسلخات) تغيير يجدد عمر منظومة الرجل الأبيض والاحتلال بالوكالة، تماما مثل ما يسمونه بثورة يناير، تغيير يحافظ على “شرفاء الجيش” و”مؤسسات الدولة” ونظم الحكم الوضعية، ولوازمها من الأفكار الجاهلية عن الوطن والحدود والأعلام. في حين أن كلمة ثورة لا معنى لها إلا هدم النظام الذي تريد تغييره فكريا ومعنويا قبل هدمه حسيا على رؤوس من يقيمونه.

بالطبع كانت الجولة للعلمانيين على المشايخ الذين لم يُخرجوا الواقع تخريجا إسلاميا كاملا، بل وحتى على أصدقائهم من قيادات التيارات الإسلامية المنبطحة المصطفة معهم، فالعلمانيون يتفوقون في عزف ألحان الوطنية والحدود والكرامة والحريات وحقوق الإنسان ودولة القانون والقضاء علي الفساد، واسترداد جيش أكتوبر وخير أجناد الأرض الذي اختطفه السيسي الشرير الدكتاتور الظالم، لأن هذه الألحان هي اختراع علماني صرف، بينما التيارات الإسلامية كانت تحاول نظم قصائدها وأناشيدها المتأسلمة لتضاهي تلك الألحان العلمانية، ليحدثوك عن الإسلام الذي يحمي الحقوق والحريات ويحافظ علي كرامة الإنسان ويحقق العدل والمساواة بين البشر علي اختلاف عقائدهم و يهتم بحقوق المرأة! إلي غير ذلك من نشاز الألحان الملفقة التي تشعرك بأن الإسلام متهما في محكمة وفق القوانين والمصطلحات العلمانية ويحتاج لإثبات براءته من التهم المنسوبة إليه!

كانت الجولة للعلمانيين (أصحاب اللعبة) و استطاعوا الاستحواذ على مشهد مناهضة الانقلاب (الذي صنعوه ثم شرعنوه) في ثوب معارضة تقر بنتائجه وتُنظر له كنظام يمكن منافسته وزواله بالآليات السياسية العلمانية، بينما التيارات الإسلامية المتعلمنة تعزف نغمة نشاز مقلدة، وقد خسروا يوم وافقوا على اللعب والتنافس في لعبة يملكها الخصم المنافس ووضع قواعدها.

وأنا هنا أسأل مشايخ وعلماء معسكر التغيير ومناهضة الطواغيت، ألا تستطيعون تقديم أطروحة تغيير وفق تخريج سياسي شرعي منضبط، توازن بين مراعاة موازين القوة والضعف والمصالح والمفاسد، وبين تجلية الأحكام الشرعية الأصلية بوضوح وتفصيل يحفظ الحق من الاندراس والضياع؟

وإن لم تفعلوا فإنكم تتحملون وزر ما تنجرف إليه التيارات الإسلامية المتصالحة مع الأنظمة، حيث تظل أطروحات العلمانيين أقوى وأطغى على اطروحاتهم، لأن أطروحات العلمانيين قائمة على مناهجهم الأصلية، بينما أطروحات هذه التيارات الإسلامية قائمة على مناهج العلمانيين وآلياتهم، أو في أحسن الأحوال يمكن وصف اطروحاتهم بالمسوخ التي تلبس الإسلام بالجاهلية والجاهلية بالإسلام.

والسؤال الذي يشغل الجميع الآن، خاصة بعد مشهد التمثيلية البائسة التي أخرجها العسكر في محاكمة الشيخ يعقوب، ويحتاج تفسيرا محترما من المشايخ والعلماء في معسكر التغيير ومناهضة الطواغيت هو: ما معنى مصطلح الطائفة الممتـ نـ عة الذي تحدث عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والذي تهرب الشيخ يعقوب من الإجابة عليه؟ وما هو التفسير الصحيح لعباراته؟

المصطلح الذي تعمد العسكر ابتذاله في إعلامهم ومسلسلاتهم، بل وفي محاكمتهم الهابطة علي يد قاض بصمجي يسميها فئة ممتـ نـ عة، ويظن ابن تيمية ينص عن الجيش والشرطة في مصر!

هذا هو نص كلام ابن تيمية المنتشر في العديد من المواقع الإسلامية ويريد البعض تفسيره:
قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى في المجلد 28 ص 509 في كلامه عن (عسكر التتار) الذين يظهرون بعض الإسلام: “كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين; وإن تكلمت بالشهادتين. فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يصلوا. وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة. وكذلك إن امتنعوا عن صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق. وكذلك إن امتنعوا عن تحريم الفواحش أو الزنا أو الميسر أو الخمر أو غير ذلك من محرمات الشريعة. وكذلك إن امتنعوا عن الحكم في الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة. وكذلك [ ص: 511 ] إن امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار إلى أن يسلموا ويؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون. وكذلك إن أظهروا البدع المخالفة للكتاب والسنة واتباع سلف الأمة وأئمتها; مثل أن يظهروا الإلحاد في أسماء الله وآياته أو التكذيب بأسماء الله وصفاته أو التكذيب بقدره وقضائه أو التكذيب بما كان عليه جماعة المسلمين على عهد الخلفاء الراشدين أو الطعن في السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان أو مقاتلة المسلمين حتى يدخلوا في طاعتهم التي توجب الخروج عن شريعة الإسلام وأمثال هذه الأمور.”

وقال أيضا: “والطائفة إذا انتصر بعضها ببعض حتى صاروا ممتنعين فهم مشتركون في الثواب والعقاب – إلى قوله – فأعوان الطائفة الممتنعة وأنصارها منها فيما لهم وعليهم – إلى قوله – لأن الطائفة الواحدة الممتنع بعضها ببعض كالشخص الواحد.”

وقال في الصارم المسلول ص 325 و 326: “على أن الممتنع لا يستتاب وإنما يستتاب المقدور عليه”.

وقال أيضاً رحمه الله: “كل من قفز إليهم – يعني إلى التتار – من أمراء العسكر وغير الأمراء فحكمه حكمهم، وفيهم من الردة عن شرائع الإسلام بقدر ما ارتد عنه من شرائع الإسلام، وإذا كان السلف قد سموا مانعي الزكاة مرتدين مع كونهم يصومون ويصلون ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين، فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلاً للمسلمين؟” إنتهى.

وكما قلت هذا هو كلام ابن تيمية الذي يهاجمه إعلام العسكر والبعض ممن راسلوني يريدون تفسيرا له ولذلك أرجو ممن يجد في نفسه القدرة على الإجابة من السادة المشايخ والعلماء من مناهضي الانقلاب، أصحاب التاريخ المشرف في الصدع بالحق في وجوه الطواغيت أن يفيضوا علينا من علمهم ويخبرونا عن أحكام “الطائفة الممتنعة” وهل تنطبق على أجهزة الدولة المصرية والجيش الم صـ رائ يلي أم لا؟

وهل ينسحب كلامه على سائر دويلات سايكس بيكو؟

وبغض النظر عن رأيي الشخصي في كلام الشيخ يعقوب والذي وضحته في عدة مقالات، إلا أن بعضكم أغلظ القول للشيخ يعقوب في سكوته أو إجاباته المجملة ولذلك أرجو منكم الإجابة؟

وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

آيات_عرابي