آيات عرابي تكتب | علاج الفشل الكلوي بالزار !

 

أشار عليه رفيق المقهى بضرورة إجراء زار. هذه وصفة مجربة لا تخيب.

حين تشعر بألم في الكليتين فعليك أن تتناول أعشاباً ما وتقيم زاراً عند الشيخ فلان الفلاني .. هكذا يفعل رفاق المقهى في 99% من الأفلام المصرية، فيبرأ المريض.

لم يبالغ شيخ الزار في طلباته كما يفعلون في الأفلام، فلم يطلب منه رجل نملة يتيمة ولا شعرة من ذقن جني نيبالي. فقط بعض الدجاج.

شعر الحاج ذهني ببعض التحسن بعد الزار، ولكن الألم ما لبث أن عاوده بعد يومين.

اتصل برفيق المقهى من جديد ليرتب له زاراً عند الشيخ الفلاني، وفي الزار وقف الجميع يتمايلون.

بعد فترة لم يعد الزار يفلح في وقف الألم الشديد. الكلية بحاجة لعلاج حقيقي. تناول قرصاً من المسكن كما نصحه رفيقه في المقهى. دقائق وعاد الألم من جديد.

أحد زملاء العمل صارحه. الفشل الكلوي يُعالج بالغسيل الكلوي، والغسيل الكلوي مؤلم ومكلف.

ما تفعله الثورة لا يختلف كثيراً عما يفعله الحاج ذهني. فهي تعالج الفشل الكلوي من البداية بأقراص المسكن.

تحدثت كثيراً عن النموذج الذي تمت منتجته وعرضه على الشاشة. الوجبة منزوعة الدسم التي عرضها إعلام العسكر بعد مرور الثمانية عشر يومياً الأولى لانتفاضة يناير. التركيز على مشاهد الهتافات حتى بدا للبعض أن الثورة هتاف وأن هذا الهتاف هو ما أسقط النظام.

والحقيقة أن النظام لم يسقط والحقيقة أن الزخم الشعبي الجارف نجح في تحقيق مكاسب كبرى على رأسها انتخاب أول رئيس يمثل الشعب.

وبغض النظر عن الأخطاء التي ارتكبها الجميع، إلا أنه يبدو أن هناك اتفاقا غير مكتوب بين البعض على عدم الخوض في مسائل بعينها يرونها شائكة.

فلا أحد يناقش النموذج الاحتجاجي الذي اعتمده الجميع بعد الانقلاب. ولا أحد يرى أن النموذج المستخدم حتى الآن لا يمكنه إقلاق الانقلاب.

الكل يبدو أنهم يعرفون تكلفة الغسيل الكلوي، فيتفقون على تناول الأسبرين.

والحقيقة أن أي دراسة سريعة للأخطاء المرتكبة ثورياً في المرحلة الماضية تكشف أن الثورة بحاجة لقيادة ثورية وأنها بحاجة لأيديولوجيا ترشدها وتحتاج لنموذج كما تحتاج لإعلام يتفادى السقوط في فخ الحيادية.

فلا يمكنك أن تضع العيش والحرية والعدالة الاجتماعية الآن شعاراً للثورة، فالأمر تجاوز هذه السطحية. فما أسهل أن تفرق ميليشيات الانقلاب جموعاً لم يخرجها إلا العيش.

ولست ممن يصبون غضبهم على الشعب ويتهمونه بالرخاوة، فالأعداد المليونية التي احتشدت في الميادين بعد مجزرة رابعة في رمسيس وفي 6 أكتوبر 2013 وغيرها لا تكشف فقط عن وعي الشعب ورفضه للانقلاب بل كانت أكثر من كافية لإحداث تغيير ومازالت.

وقبل كل ذلك، هناك حاجة للوعي بالظروف الداخلية والاقليمية التي تتحرك خلالها الثورة. فالوعي الشعبي في تزايد مستمر تخطى حتى وعي بعض النخب بالثورة وبالظروف الاقليمية. وهؤلاء لم يعد يحركهم الخطاب الاعلامي الاحتجاجي العادي الذي يركز على دائرة فشل العسكر الاقتصادية (كما يحلو للإعلام المعارض للانقلاب أن يقدمها) وقد تجاوز وعيهم، الخطاب الحزبي التقليدي أو ذلك الخطاب الجبهوي الضحل، وهم بحاجة بالإضافة الى الخطاب السياسي الناضج، إلى قيادة واعية تقودهم لإحراز نقاط على العسكر.

إن تحويل العمل الاحتجاجي الحالي إلى ثورة يحتاج إلى تدارك أخطاء المرحلة السابقة وعدم دفن الرأس في الرمال ووضع مجموعة من الأهداف المحددة يتفق عليها الجميع وعلى رأسها عودة الرئيس مرسي. فالمرحلة لم تعد تحتمل عراكاً على البديهيات يدخل معسكر الثورة في نقاش غير منطقي أصلاً.

بمعنى آخر، حين تُصاب بالفشل الكلوي عليك أن تُعالج نفسك من الفشل الكلوي لا أن تقيم زاراً!!