آيات عرابي تكتب| كم منهم بيننا؟

 

الفكرة التي بدأت بها المقال اختلفت كثيراً عما انتهى إليه قلمي

أمسكت بالقلم وخططت بعض الأفكار ثم احتجت ان ابحث نقطة تذكرتها.

فإذا بالبحث يقودني إلى كتاب للرائع الراحل محمد جلال كشك رحمة الله عليه

وإذا بموضوع المقال يتغير ليصبح شيئاً مختلفاً بعد أن عثرت على ما اثار اهتمامي،

الراحل محمد جلال كشك هو أحد معلميي الذين لم أرهم

أدين لهذا الرجل بالكثير.

القراءة له متعة غير عادية

يكتب بوعي يندر أن تجده. ترى في كتاباته رفقاً بالقارئ، فالرجل على الرغم من المعلومات الصادمة التي يكتبها، لكنه يترفق بالقارئ، تراه يرسل ضوء مصباحه في ومضات متقطعة تراها في ثنايا كلماته، ترى على ضوئها الحقائق الأكثر سواداً دون أن تفقد تركيزك في الموضوع الأساسي الذي يحدثك عنه.

تكاد وأنت تقرأ، ترى تعبيرات وجهه الساخرة الناقمة المهمومة بأمته وأنت تقرأ له.

يقصف الأنظمة الطغيانية بكلماته، فتشعر كأن عدداً من المدافع ينطلق في آن واحد هادماً جدرانهم الإعلامية ويتركهم عرايا مفضوحين.

تقرأ ما يكتبه، فتكاد تسمع صوت

هذا كاتب لو خلوا بين الناس وقلمه لتغير وجه بلادنا للأفضل.

في كتيبه الصغير (النابالم الفكري)، وكعادته، في تسليط ضوء مصباحه على حقائق سوداء ثم الالتفات لموضوعه الأساسي كتب جملة قصيرة عن والد علي صبري الذي هاجر إلى مصر من سالونيك.

وهي إشارة صغيرة ذكية، لم أكن لأتنبه إليها لولا أنني بحثت شهوراً في تاريخ عميل فرنسا الغامض محمد علي، فتعثرت في اسم تلك المدينة أكثر من مرة.

وسالونيك هذه تقع في اليونان الحالية وربما لم تؤثر مدينة في تاريخ بلادنا كما أثرت هذه المدينة ذات الجدران الشريرة.

فمن قرية صغيرة تابعة لها (قوله) جاء رجل فرنسا محمد علي.

في تلك المدينة الغامضة تعهده تاجر الدخان اليهودي الفرنسي ليون بالرعاية وشكل أفكاره.

ومن تلك المدينة قام الانقلاب على سلطان المسلمين عبد الحميد، وفيها خدم عزيز المصري ومنها قاد إحدى الكتائب التي شاركت في الانقلاب على الخليفة سنة 1908.

وهنا لابد من التوقف قليلاً والحديث عن عزيز المصري

ذلك الرجل القصير الذي كان يرسم ملامح الدويلة المصرية من خلف الستار.

فالرجل حسب ما يرويه كاتب سيرته الذاتية.

شارك في الانقلاب على السلطان عبد الحميد (والسلطان عبد الحميد رحمه الله رفض اعطاء فلسطين لليهود كوطن قومي) منطلقاً من سالونيك (وكانت معقلاً للدونمة والماسونية ومركزاً للمؤامرات ضد الخلافة العثمانية) ليشارك في ازالة أخر جدار حماية لفلسطين وذلك قبل إعلان دولة الاحتلال الصهيونية بعدها بثلاثين سنة.

كما أن عزيز المصري قاد جانباً من الجيش العثماني جنباً إلى جنب مع عدو الخلافة كمال أتاتورك ضد قوات الاحتلال الايطالي في ليبيا ولكن تفاوض مع القائد الإيطالي الذي عرض عليه ذهباً ثم تم استدعاءه إلى اسطنبول واتهم هناك بالخيانة العظمى وحوكم لولا تدخل الكثيرين

وهو الرجل الذي اختارته بريطانيا لقيادة قوات الشريف حسين ضد جيش الخلافة العثمانية (وكان الإعلام والأوساط السياسية تشيع في نفس الوقت أن الرجل على خلاف حاد مع الاحتلال البريطاني)، وقد صدق الكثيرون هذا الزعم حتى أن البعض استقبلوه في ميناء الإسكندرية بهتاف (يا عزيز يا عزيز كبة تاخد الانجليز) وذلك بعد أن توسط له المندوب السامي البريطاني لدى السلطات العثمانية بعد اتهامه بالخيانة في ليبيا.

وهو الرجل الذي وافق البريطانيون على تعيينه مفتشاً عاماً للجيش ثم رئيساً للأركان وقت التحاق دفعة عبد الناصر والسادات وباقي من سموا أنفسهم بالضباط الأحرار، بالكلية الحربية ليلقي محاضرة أسبوعية بالكلية الحربية.

وتدرك حين تقرأ سيرته الذاتية أنه كان الموجه السري للمقبور جمال عبد الناصر حتى أن مديرة منزله قالت بعد وفاته أن ضباط انقلاب يوليو كانوا مجتمعين في بيته قبل الانقلاب بساعات.

وهو الرجل الذي اختاره رجل أمريكا وصديق ضباط الموساد، الشيوعي جمال عبد الناصر ليكون سفيره في موسكو.

هذا الرجل الذي رفض أن يكون قائداً ظاهراً لانقلاب يوليو 1952 وكان من الممكن أن يحتل موقع محمد نجيب.

كان عزيز المصري يمتلك القدرة على التحرك بين العالمين الشرقي والغربي.

كان على الرغم من أفكاره التي تميل للشيوعية وعلى الرغم من ايديولوجيته القومية، وميله للاتحاد السوفييتي، الا أنه كان قادراً على التحرك بين الشرق والغرب حتى انه تزوج أمريكية في العراق وأنجب منها ابناً اصبح فيما بعد كولونيلاً بالجيش الأمريكي.

وترى نفس الملامح العجيبة لاتصالات المقبور عبد الناصر حين تقرأ سيرة الرجل، فالرجل مثل جمال عبد الناصر كان على اتصال بإيران.

فقد سافر إلى طهران والتقى رئيس وزراءها الموالي لبريطانيا قبل قيام الكيان الصهيوني وقبل انقلاب يوليو. فهل كان عزيز المصري هو من اختار تحية زوجة لعبد الناصر؟ (لا نعرف والأمر يحتاج لبحث).

وهو الرجل الذي كان ضباط المخابرات البريطانية يزورونه في منزله.

تدرك من سيرة عزيز المصري انه كان مبعوثاً من جهة ما لإحداث تغيير في مصر. تدرك أن كاسحات الغام خفية كانت تمهد طريق الرجل وتذلل العقبات أمامه.

تلمح في المناصب التي شغلها، ثقة من تلك الجهات في ولاءه التام لها.

هذا الرجل الذي شارك في إزالة أقوى العقبات أمام قيام دولة “إسرائيل” هو نفسه من وضع مصر كلها على بداية طريق الانقلابات العسكرية.

فإذا ربطت بين مشاركته في الانقلاب الصهيوني ضد السلطان عبد الحميد وعلاقات المقبور عبد الناصر واتصالاته السرية بالكيان الصهيوني حتى قبل قيام دولة “إسرائيل”، ستصل إلى نتيجة مخيفة.

هذه المياه السوداء كانت تجري تحت أنوف المسلمين في مصر دون أن ينتبهوا إليها.

هذه المقدمة الطويلة نوعاً كانت ضرورية للحديث عن تلميح الراحل محمد جلال كشك عن أصول علي صبري وهجرة والده إلى مصر من سالونيك.

وبين علي صبري وعزيز المصري وعبد الناصر أرضية مشتركة.

فالثلاثة كانوا على اتصال بالمخابرات الأمريكية.

وعلى صبري بالذات كان المكلف من تنظيم ضباط الانقلاب بالاتصال بالسفارة الأمريكية.

وهو في الوقت ذاته رجل قادر على التحرك بين العالمين، الشرقي والغربي.

والمدركون لقواعد اللعبة الدولية، يعلمون أنه على الرغم من الحرب الشرسة بين امريكا والاتحاد السوفييتي ثم روسيا، الا أن هناك أرضية مشتركة يلتقيان فوقها خلف مشاهد العداء الشرس التي تظهر للناس.

هذه الأرضية هي المصلحة الصهيونية، فأمريكا وروسيا تسابقا للاعتراف بالكيان الصهيوني حين قيامه.

والأمريكيون والسوفييت تناسوا خلافاتهم وعملوا سوياً في إدارة الملاحة بقناة السويس بعد خدعة تأميم القناة التي ادارتها المخابرات الأمريكية لطرد بريطانيا من مصر.

والاتحاد السوفييتي لعب دوراً شديد الخبث في التمهيد لهزيمة 67 (سنتكلم عن هذا لاحقاً ان شاء الله).

ولولا الضوء الأخضر الأمريكي لما دخلت عصابات روسيا إلى سوريا والهدف كله في النهاية حماية الكيان الصهيوني من نجاح الثورة في الإطاحة بـ السفاح بشار وتأتي باسلاميين.

علي صبري كان من بين القلائل الذين يُسمح لهم بالتحرك بين العالمين، فهو مندوب ضباط الانقلاب في الاتصال (الظاهر) بالسفارة الأمريكية وهو في الوقت ذاته عميل السوفييت رقم (1) في مصر والرجل الذي ارادوا تنصيبه رئيساً بدلاً من السادات بانقلاب (وكشف الموساد للسادات المخطط السوفييتي عن طريق عميلهم أشرف مروان وعن طريق ضابطي مخابرات امريكيين في مصر ثم تم تقديم الأمر كله للمصريين على أنه صراع مع مراكز القوى بينما كانت الحقيقة أنه صراع بين السوفييت من جهة ممثلين في علي صبري ورفاقه وبين الأمريكيين والصهاينة من جهة أخرى ممثلين في السادات).

ذلك الرجل الغامض علي صبري كان أول مدير للمخابرات العامة التي أنشأتها المخابرات الأمريكية!!

وكان رئيس وزراء مصر ومحل ثقة المقبور عبد الناصر.

منذ ثلاث سنوات تقريباً كتبت مقالين عن محلب وأصوله اليهودية (وهو امر تدعمه بعض الدلائل كما جاء في المقالين).

وبعد فترة نشرت عن علاقة جمال مبارك بأحمد الزيات رجل الأعمال الشهير، والذي كشفت زوجته لاحدى الصحف أنه كان من بين اليهود الذين اعتنقوا الإسلام للتحايل على قرارات التهجير والبقاء في مصر.

تلميح الراحل محمد جلال كشك لـ (أصول يهودية محتملة) لعلي صبري، لا يمكن الا أن نأخذه بجدية شديدة خصوصاً وهو تلميح صادر من كاتب وباحث جاد.

في كتابه (إيلي كوهين من جديد) أورد الراحل جلال كشك معلومة مفادها أن الاحتلال البريطاني ترك قبل رحيله عن العراق 33 الفاً من المتعاملين مع المخابرات البريطانية!!

33 وإلى جانبها ثلاثة أصفار!!

هل تدرك حجم الكارثة؟؟

نتحدث هنا عن متعاملين وليس عن رجال اخترقوا صفوف السلطة وصعدوا لاحتلال مواقعها الهامة.

أتحدث هنا عن متعاملين لا عن يهود مثل أحمد الزيات تستروا باعتناق الإسلام واخترقوا قصر الرئاسة (أحمد الزيات كان صديقاً لجمال مبارك).

أتحدث هنا عن متعاملين وعملاء مباشرين للمخابرات البريطانية بالآلاف لا عن سيدات يتم اعدادهن للزواج من ضباط مغمورين ليصلوا إلى أعلى مستويات السلطة في مصر.

راجع فقط ما تستطيع يدك أن تصل إليه من تفاصيل عن تحية كاظم زوجة المقبور عبد الناصر وقصة زواجهما الغامضة، وأصولها العائلية التي ترجع لإيران، وراجع ما تعلمه من معلومات شحيحة عن الأصول اليهودية لجيهان السادات والتقائها مع سوزان زوجة المخلوع في إحدى جداتهم كما كتب الكاتب مجدي حسين.

تذكر وأنت تقرأ أن جيهان السادات هي من رشحت سوزان قريبتها زوجة للمخلوع، ثم راقب صعوده العجيب في السلطة واقرأ ما قاله أحد ضباط المخابرات الأمريكيين عن تجنيده.

اقرأ قصة أحمد الزيات أو افرايم صديق جمال مبارك واسأل نفسك، كم من هؤلاء يعيشون بيننا وإلى أي درجة وصل اختراقهم؟

وعلى كل حال لم يكن الكاتب الراحل محمد جلال كشك يملك دليلاً ملموساً عن أصول علي صبري، فاكتفى بالتلميح ذي المغزى.

الأمر يحتاج إلى دراسة جادة وإلى إعادة فحص.

*بعض المراجع

(النابالم الفكري – إيلي كوهين من جديد – عزيز المصري وصحبه – لعبة أمريكا الكبرى – تقرير الشرطة النمساوية عن ماسونية محمد علي – مقالات للكاتب مجدي حسين)

 

*صورة لعلي صبري والسادات والشافعي والمقبور عبد الناصر