آيات عرابي تكتب| لا تكن فوزية .. ولا تفعل مثل نادية ( سلسلة سينما وتلفزيون العسكر)

في فيلم الليلة الأخيرة تستيقظ نادية يوم فرح ابنتها سامية وقد عادت لها الذاكرة بعد 15 عاما من فقدانها على إثر غارة هدمت بيت والدها على رؤوس من فيه، تستيقظ نادية لتكتشف أنها تعيش واقعاً جديداً يناديها كل من فيه باسم أختها فوزية، تحاول نادية – أو فوزية كما يناديها الجميع – في البداية التأقلم مع واقعها الجديد، وتحاول تصديق أسباب المشكلة التي يطرحها زوجها شاكر كمسكنات، ولكن تظل شخصيتها الأصلية تطاردها بين الحين والآخر، تعافر نادية في البحث عن الحقيقة ويتهمها شاكر بالجنون كلما تمردت على واقعها المتمثل في شخصية أختها فوزية، ويحاول إبعادها عن كل من يقدم لمعاناتها حلا يخالف أطروحته عن جنونها الوراثي، بل ويسعى لقتلها، إلى أن تكتشف في النهاية أن المشكلة ليست جنونا كما يدعي شاكر وأن شاكر هو من استغل فقدانها الذاكرة فأقنعها بأنها فوزية – الأخت التي توفيت في الغارة مع أبيها – حتى يتمكن من السيطرة على ثروة الأب ويوفر أمًّا بديلة لابنته سامية.

في نهاية الفيلم حين تكتشف نادية الحقيقة بمساعدة طبيب نفسي – ويتزامن ذلك مع وفاة شاكر في حادث سير – تقرر نادية الاستسلام للواقع وإكمال حياتها بشخصية فوزية حفاظا على مستقبل سامية ابنة أختها الراحلة فوزية.

بالطبع ليس هدفي من هذه السطور الترويج لمشاهدة الأفلام والمسلسلات، بل وأبرأ إلى الله ممن يستغل كلامي في ذلك، ولكن أحاول الاستفادة مما شاهدناه قديما في جاهليتنا تحت حكم العسكر للوصول لبيت الداء.

كما قلت في المقال السابق من سلسلة سينما العسكر، إن أخطر ما تم ترويجه في دراما العسكر ليس فقط نشر الفواحش والأفكار العلمانية وغير ذلك مما قتل بحثا، ولكن أيضا زراعة مناهج تفكير أثرت بعمق على طريقة تلقينا للمعلومات وتحليلها، فإذا ما صادفنا مواقف تحاكي تلك التي تفاعلنا معها في الدراما تجدنا تلقائيا نحاكي نفس التعاطي الممسوخ، معطلين أي رد فعل طبيعي ممكن أن ينتج عن خلفيتنا الشرعية و فطرتنا السليمة، كل ذلك يمر على اللاوعي دون أدنى تكلف، ويستغل العسكر تلك الفيروسات الفكرية لترويج أباطيلهم وتدجين ردود أفعالنا.

دعك من مناقشة تسلسل الأحداث المهترئ والمعالجة الدرامية الطفولية التي تورث العته التراكمي الممتد الذي تحدثت عنه باستفاضة في مقال استراتيجية الحلقة الأخيرة، ولكن ركز معي في القالب الفكري لدماغ نادية – والذي لا يختلف كثيرا عن قالب حذائها – ومع ذلك فقد ارتضاه الكثيرون مكان قلوبهم وعقولهم.

كلما تلفتُّ حولي أسمع الناس يقولون الدولار أصبح بكذا وكذا، مصر ضاعت، مصر راحت ومصر جائت، السيسي ضيع مصر، السيسي دمر اقتصاد البلد، السيسي قال السيسي عاد، السيسي زاد، إرحل يا سيسي، أنقذوا مصر من السيسي، السيسي جوع الشعب، هل سيتحرك الجيش لينقذ مصر، هل سيصمت المجتمع الدولي، مستحيل مصر تضيع، مصر بلد الرسل والأنبياء، مصر ربنا حافظها

أعيد تمرير هذه الكلمات على عقلي و تتراءى أمام عيني عناوين مقالاتي القديمة وتتزاحم الردود على لساني وقلمي بشكل يكاد يصيبني بصدمة عصبية، أفيق منها وأنا أردد أنا مش فوزية أنا مش فوزية أنا ناااادية. للأسف هذا ما أشعر به حين أقرأ بعض التعليقات أو أستمع لما يسمونه محلل سياسي وخبير استراتيجي، أشعر وكأنني أعيش في عالم آخر لا أعرفه، أو أن هؤلاء كائنات من من عالم آخر أو من المتحولين وأنهم بحاجة إلى إعادة تأهيل نفسي مثل نادية لتذكر ليلة الغارة ولحظة فقدانها الذاكرة.

منذ ما يقرب من 10 سنوات وأنا أكتب عن نشأة الدولة المصرية وسائر مستعمرات الاحتلال وطواغيتها في العالم الإسلامي، تحدثت عن مصر والجزيرة العربية والمغرب والشام بمكوناتها والعراق وتركيا وماليزيا وباكستان، واستفضت في الحديث عن ورموزها ومؤسساتها وهوياتها البديلة للإسلام، وشرحت كيف أن مصر صُنعت لتبدو كدولة فاشلة ولكنها في الحقيقة لا تعدو كونها مستعمرة يعمل فيها العبيد وتُمسخ قلوبهم وعقولهم حتى لا يبقى لهم من إسلامهم إلا القدر الذي يخدم طواغيت الاحتلال الصـ لـ يـ بي. تحدثت عن ذلك مرارا وصغت الموضوع في آلاف (العدد ليس للمبالغة) المقالات والقوالب الفكرية، لم يتبق إلا أن أقوم بعمله ساندويتشات.

السيسي لم يضيع مصر

مصر تؤدي دورها كمستعمرة صنعت لتكون دولة فاشلة

– السيسي لا يعيد ولا يزيد

السيسي مجرد طرطور، مثل سائر طراطير سايكس بيكو، هو فقط يردد الكلام الذي لقنوه إياها يرطن به في كل مناسبة مثل (الإرهاب، الزيادة السكانية، استعراض المشاريع الفاشلة، الشحاتة والفقر، التنمر على المسلمين وتجديد الخطاب الديني)، السيسي مجرد ممثل يؤدي دوره على مسرح سايكس بيكو، الفارق بينه وبين سابقيه، ربما احترافية أدائهم لدور الرئيس، بينما يؤديه السيسي بكاريزما المنولوجست سومة الحساس، الذي يفتح الباب لرئيس فرنسا ويقول لترامب أن بطمنك على مصر وبقولك إن مصر بخير!

– الاقتصاد المصري لم ينهار

الاقتصاد المصري يؤدي دوره كما خططت القوى الغربية التي عينت رعاع السي آي ايه الذين استولوا على مصر بقوة السلاح لتنفيذ هذا المخطط، وهو الحفاظ على إفقار الشعب وتزويد الرجل الأبيض بخيرات الأرض التي يحكمها كلابه، مثل الكهرباء التي تُقطع عنك يوميا ليتم توفير الغاز وتصديره لأوروبا، علما بأنك تعاقدت على استيراده من قبرص بعد 5 سنوات!! نعم، من قبرص التي تنازلت لها عن حقول الغاز في اتفاقية (كيلو بامية) التي عقدها السيسي مع طرطور قبرص الذي يمثل الصـ هـ اينة هو الآخر.

الاقتصاد المصري يؤدي دوره بتحصيله أكثر من 60 مليار جنيه في ثلاثة أيام فقط، ثمن شهادات فوائد ال25% الربوية التي ستقضي على ما تبقى من مدخرات المرابين. (وإن كنت أظن الرقم مبالغ فيه لحض الناس على الشراء، ولذلك أنصح الجميع بسحب مدخراتهم من البنوك وشراء سبائك ذهبية).

ثم من قال أنه اقتصاد مصري، نعم هو موجود في مصر ولكن أصوله تباع على الأرصفة لأشباه دول مثل قطر والكويت والإمارات والكيان السعودي ومزرعة البحرين.

– الشعب المصري لم يجوع

التاريخ يثبت، أنك لست شعب ولا لا مؤاخذة (نيلة) أنت عبد في مستعمرة رسم لك حدودها ضباط إنجليز وفرنسيين بعد أن قطعوا الدولة الإسلامية مترامية الأطراف، وجواز السفر المصري الذي تحمله، ليس إلا صك عبودية لك ولذريتك بغرض استعبادك في التجنيد الإلزامي وتكبيلك أنت، وأبنائك بترليونات من الديون، وسنوات تقضيها وأنت تعيش داخل الحائط. فأنت مجرد رقم وزيادة عدد أمثالك يزعجهم لأنهم يعتبرونك، نوعاً حقيرا من الطفيليات، يأكل إنجازاتهم بزيادته ولذلك كل يوم يظهر شاويش الانقلاب ليقول أن الزيادة السكانية هي سبب فشل الاقتصاد المصري، بينما كان المصريون يعيشون بهناء ورفاه حين كانوا نصف عددهم – مطرح ما تروح معاك 60 مليون فداك – في عهد مبارك، أو 12 مليون في عهد انقلاب ابن فهيمة!

– المجتمع الدولي لن يصمت

المجتمع الدولي الذي يتحدث عنه بعض مخابيل اليوتيوب، يبارك كل ما يحدث في مصر، وسيزيد من مباركته طالما بقي العسكر يحمون مصالحهم في مستعمرة مصر، ولو انهارت أمريكا والغرب وصعدت روسيا والصين فستكون عبدا لسيد جديد أشد كفرا. ولا مانع لدى المجتمع الدولي من تشنيف آذانك من حين لآخر بطقطوقة عن حقوق الإنسان، وسلم لي على المعتقلين 🙂

– اطمئن، شرفاء الجيش سيتحركون لإنقاذ مصر

شرفاء الجيش لن يقفوا عاجزين وسيقومون بدورهم على أكمل وجه، تماما كما قاموا بدورهم في رابعة والنهضة وأخواتهما وفي سخرة حفر قناة السويس وفي التجريدة المصرية لاحتلال فلسطين وفي تجنيد المصريين للحرب في المكسيك وفي دعم احتلال فرنسا للجزائر وفي تجنيد مليون ومئتي ألف مصر في الحرب العالمية الأولى وفي حرب التجنيد الإجباري، بالتأكيد سيتحرك شرفاء الجيش لإنقاذ مصر من كل من يريد أخذها من ساداتهم، فمصر بمن عليها من العبيد مشروع ناجح لا مثيل له.

– أما مصر المحفوظة وأرض الأنبياء

فأي نبي تقصد حضرتك؟ موسى كليم الله، الذي سعوا لذبحه رضيعا وطاردوه كبيرا؟ أم يوسف الصديق الذي استرقوه وبهتوه وسجنوه؟ وقد أخذ الميثاق على بني إسرائيل أن يأخذوا جثمانه معهم إذا خرجوا من مصر! أم أبو الأنبياء الذي حاولوا اغتصاب زوجته؟ أو لربما تقصد ما يسمونه برحلة العائلة المقدسة التي لا أصل لها في المصادر الإسلامية! وصدق من قال مصر وطنا يعيش فينا، فمصر المحفوظة المقدسة لا وجود لها إلا في خاطرك ودمك الملوث بفيروس سي.

إن من يرى المشكلة في أي مما سبق هو كمن يرى مشكلة نادية في شاكر زوج فوزية، بينما نهاية الفيلم توضح أن المشكلة في دماغ نادية.

أيها المسلم المصري الذي يعيش داخل حدود مصر، أو الذي يعيش داخل حدود مستعمرات سايكس بيكو أينما كنتم

إذا أردت أن تتحرر حقا فعليك أن تكفر بواقعك الذي صنعه الطواغيت بكل مكوناته، وأن تستعيد ذاكرتك الإسلامية وسنن التغيير التي شرعها الله، واعلم أنك ستتهم بالجنون مثل نادية حين خالفت تشخيص شاكر، بل وبالعمالة إذا ما خالفت أطروحة المفكرين والمحللين للتغيير عبر ثورة الهتافات السلمية والحلل والاصطفاف مع الملاحدة وشرفاء الجيش وسلمان غير أخوه بتنجان، وأن تكون لديك شجاعة إنكار واقع فوزية بكل مكوناته.

لا يكفي أن تقتنع بهذا الكلام وتستعيد ذاكرتك ثم تكون مثل نادية التي انتكست وفضلت الاستمرار في واقع فوزية توفيراً لثمن التغيير، فلم يعد لديك أكثر من ذلك لتخسره، فطواغيت العسكر يحاربون دينك ويستحلون دمك وعرضك ومالك وينتهكون عقلك وعقول أولادك في إعلامهم وتعليمهم، وفاتورة التغيير تتراكم جيلا بعد جيل، والاستسلام للعسكر ولطراطير سايكس بيكو، طمعا في سلامة ما تبقى يشبه الخاسر المقامر طمعا في المكسب، فيستمر في خسارة المزيد

فلا تكن فوزية ولا تفعل مثل نادية.

وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

#آيات_عرابي