آيات عرابي تكتب | ماسونية محمد علي التي يتجاهلونها

 

بعد نجاح محمد علي في احتلال الشام وتهديد الخلافة العثمانية
وقفت دول أوربا في وجه محمد علي وبدا للجميع أن القوى الأوربية تؤازر مركز الخلافة في اسطنبول
والتفسير الذي يقدمه المؤرخون الرسميون في مصر وهو الرواية المنتشرة في كتب التاريخ هي أن القوى الغربية خشيت من قوة مصر وارادت تحجيمها وهو تفسير ساذج يقوم على النظر للأحداث التي شكلت تاريخ مصر من منظور وطني لم يكن أصلاً موجوداً وقتها ولم يكن يعني (محمد علي القادم من البانيا ذو الأصل الكردي)
والحقيقة أن تفسيراً كهذا ينهار تماماً إذا وضع أمام الحقائق التاريخية التالية :
فمحمد علي كان رجل فرنسا المخلص واشرف الضباط الفرنسيون على صناعة جيشه ومؤسساته (الكولونيل سيف كان خادماً لنابليون وكان ضابطاً بمخابرات فرنسا متخصصا في اختراق الدول الصديقة والمعادية كما كانت التدريبات تتم تحت إشراف دروفيتي قنصل فرنسا) وبلغ إخلاص محمد علي لفرنسا أن عرض على الحكومة الفرنسية القيام نيابة عنها بحملة احتلال الجزائر وقال أن جنوده سيمروا وسط المسلمين بمحاذاة ساحل البحر الأبيض المتوسط عبر ليبيا وتونس إلى الجزائر ولن يثيروا انتباه السكان باعتبارهم مسلمين مثلهم (أرشيف الدولة الفرنسي – سبق نشر الموضوع على الصفحة القديمة منذ أكثر من سنتين) وهو تصرف لا يقدم عليه الا من انسلخ من دين الاسلام.
هؤلاء المؤرخون يتناسون حقيقة معروفة وهي أن محمد علي كان شيعياً باطنياً يعتنق مذهباً معادياً للإسلام
(الجبرتي)
وهي نقطة شديدة الأهمية في تحليل معاهدة لندن وفهم حقيقة الصراع الحالي في مصر
وبالإضافة إلى ذلك يتغافل هؤلاء المؤرخون الغاطسون في الوطنية المصرية عن حقيقة هي الأشد أثراً في صناعة فكر محمد علي وتحركاته السياسية والعسكرية في مصر وخارجها.
وهي أن محمد علي كان ماسونياً وعضواً بمحفل ماسوني في الاسكندرية تحت رئاسة دروفيتي قنصل فرنسا (أوراق البحر الأبيض المتوسط – سبق نشره منذ شهور)
أي أن محمد علي اجتمعت فيه ثلاث عناصر معادية للإسلام
(شيعي – ماسوني – موالِ للغرب)
هذه التركيبة الشريرة التي تمت صناعتها على يد خفية لا نعرف منها على وجه اليقين الا اسم تاجر التبغ اليهودي (ليون) الذي تعهد محمد علي منذ أن كان في السابعة عشرة, هي التي يجري تقديمها على أنها صانعة مصر الحديثة.
العنصر الآخر الذي يتغافل البعض عنه هو أن محمد علي لم يكن يرى أي غضاضة في توطين (اليهود) في فلسطين وأنه وافق على إقامة مستوطنة لهم (مذكرات موزس مونتيفيوري – سبق نشره منذ شهور على الصفحة) وأنه امتداد لنابليون الذي دعى لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين والذي كان رجاله يدربون جيش محمد علي ويرأسونه في محفل الاسكندرية الماسوني.
وذلك على الرغم مما يتم تصديره في كتابات الرسميين عن الطموحات التوسعية لمحمد علي.
وقد كان صاحب طموحات توسعية بطبيعة الحال ولكن سياساته وفكره صُنعت في المحفل الماسوني وعلى يد معلميه الذين ذكرته بعضهم, وهي النقطة التي يتغافل عنها المؤرخون ليتسنى لهم تقديمه على أنه راعي المصرية والنزعة الوطنية على الرغم من أصله الكردي ونشأته في البانيا.
هذه هي النقاط التي تمثل تأصيلاً لوضع مصر الحالي وبدونها لن يمكن فهم مخطط تقسيم التقسيم الذي يجري الآن على قدم وساق.
التفسير الذي اقدمه بناءً على هذه (الحقائق) هو أن محمد علي كان ثوراً في متجر الخزف.
وأن دوره الوحيد في تخطيط من رفعوه لحكم مصر هو اثارة الفوضى في الخلافة العثمانية وشن الضربة الأولى التي تدخلها في حالة من الإغماء لتستسلم للتقسيم الذي جرى بعد عقود.
فهم لم يكونوا يرغبون في أن يحل محمد علي محل السلطان العثماني ليحكم أرض الخلافة موحدة لكيلا يأتي من بعده من يكون خارجاً عن السيطرة ويدعم وجود الخلافة بالتوسع في الفتوحات, بل كان المطلوب أن يخلخل مركز الخلافة ويضرب الضربات الأولى لتفكيكها ثم بعدها يتم غل يده واعادته للقمقم وقد استقل بمصر بعد أن ساهم في فصل اليونان عن الخلافة وبعد أن ساهم في فصل الجزائر واحتلالها (لم توافق فرنسا على خطته باحتلال الجزائر بجيشه لأسباب مالية في الظاهر واكتفت بأن يقوم بإمداد جيشها بالحبوب)
كان المطلوب أن يتم سحبه من الأراضي التي احتلها بعد أن سدد ضربات عنيفة لجيش الخلافة واضعفه وأن تتم اعادة للقمقم في مصر حتى يترك فراغاً في الأراضي التي احتلها ليفسح هذا المجال لدعوات الاستقلال والانفصال التي تظل تغلي وتتفاعل تحت السطح حتى يأتي وقتها.
وحتى التفسيرات المدرسية عن الخلافات بين انجلترا وفرنسا هي تفسيرات مغرقة في السطحية, فعلى الرغم من أنه لا يمكن تجاهل الخلاف بين انجلترا وفرنسا والذي وصل في بعض الأحيان إلى الحرب والمواجهة العسكرية, إلا أننا نجد الاثنين في نهاية الأمر يتفقان على ثوابت واحدة ونجد نابليون يدعو لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ونجد الجنرال أللنبي يحتل القدس بعده بقرن بمساعدة قطيع من مصر لتهديها بريطانيا بعد ذلك للعصابات الصهيونية. والخلاف بينهما في حقيقة الأمر مثل الخلاف الأمريكي الروسي, فهما يختلفان ويتحاربان ويتعاركان ولكن ما إن يصل الأمر لأمن الكيان الصهيوني حتى يتفقا ونلمس تعاوناً وتنسيقاً بينهما في سوريا يقومان بدور الطيب والشرس, فبوتين يقتل ويقصف ويدمر ويحرق والرسميون الأمريكيون يكتفون بالنقد اللطيف على طريقة (عيب كدة).
هذه هي الحقائق التي يجب أن نعرفها والتي تؤصل لما نعيشه الآن.