آيات عرابي تكتب | مسرح العرائس

 

 

ليس من المصادفة أبداً أن تتم مناقشة قانون يسمح للكنيسة الأرثوذوكسية بتبني أطفال الشوارع قبيل زيارة واجهة الانقلاب لروما للقاء بابا الفاتيكان, وسيعني هذا تمكين الكنيسة من تكوين جيش من الميليشيات المسيحية وإعادة استنساخ تجربة المعلم يعقوب بتوسع, وهو ما تنبه إليه المفكر القبطي جمال أسعد, واصفاً تلك الخطوة بالقنبلة التي ستنفجر في وجه الدولة بل أشار صراحة إلى أن الكنيسة ستستخدم هذا الأمر سلبياً لمصلحتها مما سيؤجج المناخ الطائفي.

تزامنت تلك الأخبار مع تصريح قائد الانقلاب لصحيفة كورييري ديلا سيرا الايطالية أنه سيبحث مع بابا الفاتيكان حقوق الأقليات وخصوصا القبطية.

الزيارة تزامنت أيضاً مع أصوات بدأت تعلو بعد صمت دام حوالي سنة ونصف, كالبرادعي وغيره, مما اعطى مؤشراً بعدم رضا سادة الانقلاب في امريكا عن الأسلوب الغشيم الذي يتعامل به قائد الانقلاب والذي أدى الي تصاعد الغضب في الشارع المصري وجعل الكثير من الشباب يكفر بالسلمية كما رأينا في حادثة كرم القواديس, واختيار ايطاليا لم يأت عبثاً, فإيطاليا رئيسة الدورة الحالية للاتحاد الاوربي ورئيس وزراءها ماتيو رينزي مثله مثل بيرلوسكوني تماماً تربطه علاقات وطيدة بالكيان الصهيوني, لا يحاول إخفاءها حتى أنه صرح بعد اجتماعه برئيس المؤتمر اليهودي العالمي قائلاً : ” علاقاتي بدولة اسرائيل كانت ممتازة دائماً وستظل كذلك “, الصحافة الايطالية معروفة هي الأخرى بتحيزها الكامل للكيان الصهيوني, حتى أن مجدي علام نائب تحرير جريدة كورييري ديلا سيرا السابق ( وهي أول جريدة اوربية تجري حواراً مع أبو فلاتر ), المرتد عن الاسلام والذي اعتنق المسيحية, ألف كتاباً بعنوان ( تحيا اسرائيل ) !

ويبدو أن زيارة ايطاليا مدفوعة الأجر كزيارة روسيا والتي فضحت قناة روسيا اليوم, المبلغ الذي عرضه بندر بن سلطان مدير المخابرات السعودية على بوتين, لإتمامها وكان 15 مليار دولار, ومن الممكن أن تكون زيارة ايطاليا هي الأخرى مدفوعة الأجر, الا أن ملابساتها تشير إلى أن ابو فلاتر ذهب إلى ايطاليا بكارت من سيده نتنياهو, فقد حرص حتى قبل أن يطأ ارض ايطاليا على خلع ملابسه وإظهار إخلاصه وخضوعه التامين للكيان الصهيوني حين صرح أنه مستعد لارسال قوات لدولة فلسطينية لطمأنة الكيان الصهيوني.

زيارته للفاتيكان تأتي هي الأخرى تأكيداً على استعادة المسار القديم الذي كان يسير عليه المخلوع, الذي ذهب لزيارة بابا الفاتيكان السابق في قصره, الأمر يبدو تأكيداً لولاء ( خولي العزبة ) للثوابت التي وضعها له الغرب وإعلان ضمني عن اخلاصه للعهود المقدسة التي قطعها سابقوه من حكام العسكر.

فرنسا هي الأخرى ضالعة في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الاسلامية, وتربطها علاقات وطيدة بالإمارات والتي سبق أن مولت الحملة الفرنسية ضد المسلمين في مالي, ويبدو أن الإمارات قدمت مبلغاً سخياً ليتم استقبال صبيها, ولا يمكن الفصل بين فشل السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط والذي كان الانقلاب في مصر أحد مراحله, وتُوِّجَ بالأمس بإقالة وزير الدفاع الأمريكي ( كفيل الانقلاب في واشنطن ), والأصوات التي بدأت تتصاعد منتقدة الانقلاب وسياساته وزيارة صبي الإمارات والكيان الصهيوني إلى أوربا.

الانقلاب فشل تماماً في الحصول على شرعية شعبية في مصر, برغم كل تلك الهالة الإعلامية الزائفة حوله, فالمظاهرات ما تزال مستمرة في الشارع, بل أن أرضية الخصومة مع الانقلاب تتسع مع الوقت, حتى بدأت سيناء في الاشتعال, والجيش الذي انفقت عليه الولايات المتحدة مليارات لتضمن ولاء قادته, لا يبدو قادراً على حسم الصراع, خصوصاً مع ازدياد شعبية تنظيم الدولة الاسلامية بين الشباب في مصر, وبعد الفيديو الذي بثته جماعة انصار بيت المقدس والذي يمثل صفعة على وجه جيش كامب ديفيد ويكشف حقيقة ذلك البالون المملوء بالهواء.

ومن ناحية أخرى, فميليشيات حفتر تنتقل في ليبيا من فشل إلى آخر, ولا يمل ذلك البهلوان حفتر من الهزيمة مرة تلو الأخرى, وفي الداخل المصري فالاقتصاد ينهار والبورصة تخسر يومياً, والدولة تبدو كقطع الدومينو المتساقطة, والصدام الغشيم مع الهوية, فجر دعوات التظاهر اعتباراً من يوم 28 نوفمبر بعنوان صريح يدور حول هوية مصر الاسلامية, وهو أمر يهدد في حالة استمراره بفقد أمريكا لكل رصيدها من المتعاونين معها داخل مؤسسات دولة العسكر, وهو أخر ما تريده أمريكا.

ويبدو أن السيناريو الذي تتجه له الأحداث هو التضحية برقبة الدمية الحالية وتصعيد دمية أخرى من خارج الجيش, ومن الواضح أنه يرى هذا السيناريو في الأفق, ويود الإبقاء على رقبته وأن يظل في الواجهة, فيقدم نفسه كمدافع عن الأقباط في مصر والمسيحيين في المنطقة ويقدم نفسه كخادم للكيان الصهيوني, ولا يهتم بأن يتشاغل رئيس الوزراء الايطالي بهاتفه المحمول ولا أن يتأفف على الهواء وينظر خلفه مللاً من كلامه غير المفهوم, هو فقط يهتم الآن بالحفاظ على رقبته, في المقام الأول وفي المقام الثاني, البقاء على خشبة مسرح العرائس.