آيات عرابي تكتب| يقدّس إخناتون ويعمل مع البنتاجون!!

هناك تعبير شائع عمل الإعلام على ترديده بين الأساطير التي حاول غرسها، وهو أكثر أساطير الإعلام عرضة للسخرية بعد الانقلاب، وهو أن المصريين شعب متدين بالفطرة. ترديد الكذبة حتى تصبح حقيقة هو أحد مبادئ الإعلام المعروفة، وهي مقولة لم تكن تلق أي معارضة قبل الانقلاب. فقد كانت مؤسسات دولة العسكر تسمح ببعض التدين الشكلي والذي يضفي على الدولة الطابع الفولكلوري المطلوب الذي يسمح بتمرير تلك الأكاذيب وغيرها.
وترويج المقولة نفسها كان يقوم على ترويج أكاذيب أشد فداحة من منظور الإسلام، مثل أن مصر عرفت التوحيد قبل أن يعرفه العالم كله، وأن إخناتون هو أول الموحّدين! وهي مقولة تتعارض مع المعلوم من الإسلام بالضرورة، وأن أبانا آدم هو أول الموحدين. ولكننا كنا نمر عليها مرور الكرام دون أن نُعمل عقولنا في مدلولها أو فيما تحويه من صدام صريح مع الدين، شأنها شأن غيرها من أساطير الإعلام العسكري. فإخناتون هذا في الحقيقة لم يكن سوى كافر، خالف وثنية من حوله وصنع وثنية جديدة في مركزها صنم لإلهه الذي يعبده وهو الأشعة الساقطة من الشمس.
كانت بشاعة مجزرة رابعة وتورط الجيش في ارتكابها والتفاصيل الفاجعة للمذبحة من حرق لجثامين الشهداء ودهسها بالبلدوزرات وقيام الجيش بحرق المسجد، هي الصدمة المعرفية التي خلخلت كل ثوابتنا التي صنعها إعلام العسكر عبر ستين عاماً هي عمر دولة العسكر. مجزرة رابعة كانت الضوء الأخضر الذي أطلقه الجيل الرابع من العسكر لعقولنا لتنطلق من سباتها الطويل وتبدأ رحلة البحث التي انتهت إلى أن كل ما نعيشه هو مجرد وهم، وأن ما ينقله لنا الإعلام هو مجموعة من الأكاذيب المتراصة بشكل عنقودي تضم قليلاً من الحقيقة ولكنها في نهاية الأمر مجرد أكاذيب. والجيل الرابع من العسكر والذي نواجهه الآن، هو أكثر أجيالهم تشوهاً من الناحية العقلية والنفسية، وأكثر أجيالهم فجوراً وعمالة وتبجحاً وعداء للدين.

قد لا أكون مبالغة إن قلت إنه ربما كان مئات الآلاف من المصريين قد أعادوا النظر في كل ما تربوا عليه منذ الصغر من ثوابت حُشِرَتْ في رؤوسنا، وإننا جميعاً قد توصلنا تقريباً لنفس النتائج. بعضنا لم تحتمل نفسه كل ذلك القدر من الحقائق فاحترقت مراوح روحه، وانزوى بعيداً عن المشهد كله. والبعض لا يزال يعاني من حالة إنكار مزمنة ويبدو كما لو كان يمسك بعصا يدفع بها عن نفسه أشباحاً غير مرئية. والأغلب على ما أعتقد قد استطاع التكيف مع كل ما عرفه.

لحظة التنوير جاءت قاسية ومليئة بالدماء وصرخات الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن، ولكنها مع بشاعتها كشفت لنا سواد مشهد تلك القمامة الملقاة خلف كواليس المشهد. ولا شك أن الانقلاب الذي دبرته عقليات توقف بها الزمن في الخمسينيات، أسهم في صناعة الصدمة المطلوبة لعقولنا.

لم نستغرق وقتاً طويلاً لنكتشف أن الجيش لم ينتصر في أي من معاركه، وأنه (أخيب) جيوش الأرض، وأنه (بواب) الكيان الصهيوني، يتقاضى راتبه على حراسة الصهيونية من البنتاجون، وأن قرارات تعيين قيادات المجلس العسكري تأتي من واشنطن، وأن مصر لا تمتلك قرارها منذ الحملة الفرنسية، وأن مؤسسة الحكم في مصر هي (وكالة) تتبع وكيلاً غربياً قد يتغير موقعه ولكنها تظل مجرد (وكالة). اللهم إلا السنة التي أعقبت انتخاب الرئيس مرسي، والتي حاول فيها الاستقلال بالقرار المصري عن البنتاجون، فكان الانقلاب. واكتشفنا أن دين الدولة الرسمي ليس الإسلام الذي نعرفه من القرآن والسنة، وإنما مجموعة من (الفولكلوريات) تضم خليطاً عجيباً من المعتقدات، كالاعتقاد أن ديانة عبادة أشعة الشمس توحيد. هذا هو دين العسكر، يقدس إخناتون ويتلقى راتبه من البنتاجون. إذا كنت قد أعدت اكتشاف ذاتك وفهم ما حولك، فقد حققت نصف النصر في المعركة.