آيات عرابي تكتب | يناير و سيناريو 54

 

 

كان عبد الناصر يخطب في المنشية وفجأة انطلقت رصاصات وسط الجمهور مصوبة باتجاهه وهتف هو بعد أن سكت صوت الرصاص ” فليبق كل في مكانه” ثم خرجت مانشيتات الصحف في اليوم التالي تتهم جماعة الإخوان المسلمين التي بايع عبد الناصر مؤسسها حسن البنا على السمع والطاعة, بشهادة خالد محيي الدين زميله في تنظيم الضباط الأحرار في كتابه ” الآن أتكلم ” ثم وقف على قبره قائلاً ” نحن على الدرب سائرون “, سنة 1954 لم تكن هناك قنوات تلفزيونية تغطي الأحداث بل لم يكن اختراع التلفزيون قد دخل مصر أصلاً, فيما بعد قرأنا في كتاب عباس حسن السيسي ( عبد الناصر وحادث المنشية ) شهادة حسن التهامي رجل المخابرات وثيق الصلة بعبد الناصر حول اللقاء الذي دار بينه وبين بول لاينبرجر مسئول الدعاية في المخابرات الأمريكية, والذي رتب لعبد الناصر فكرة حادث المنشية لاستعادة التعاطف الشعبي المفقود الذي كان يستحوذ عليه الرئيس محمد نجيب.

الاكثر مدعاة للسخرية هو أن عبد اللطيف البغدادي في مذكراته اعترف بان التفجيرات التي وقعت في جروبي وفي السينمات المختلفة كانت من ترتيب عبد الناصر شخصياً وأن الزعيم الملهم اعترف امامه وأمام آخرين من بينهم حسين كمال عضو مجلس قيادة الثورة ان السبب في تخطيطه لهذه التفجيرات والكلام للبغدادي هو: ( أنه كان يرغب في إثارة البلبلة في نفوس الناس ويجعلهم يشعرون بعدم الطمأنينة حتى يتذكروا الماضي أيام نسف السينمات ويشعروا أنهم في حاجة إلى من يحميهم ).

أي انقلاب لكي ينجح يحتاج لتثبيت نفسه في فترة وجيزة, حتى لا تتململ شرائح المجتمع فتثور ضده وترفضه, وهو ما كان يلعب عليه الانقلاب, وعلى الرغم من سيطرة إدارة الانقلاب بالكامل على وسائل الإعلام, وأن وسائل إعلام أخرى مثل الجزيرة استغرقت وقتاً حتى تهضم حقيقة ما حدث في 30 يونيو وأن الاحتجاجات الشعبية التي دامت اربعة ساعات فقط كانت مجرد غطاء مصطنع للإنقلاب, إلا أن إصرار الإخوان ( وكانوا تقريباً وحدهم في تلك الفترة ) على عدم الإنجرار لسيناريو إربكان-إردوغان الذي كانت تلوح به إدارة الإنقلاب فوت على الإنقلاب فرصة النجاح, فكان الإخوان مدركين مع كل اخطاءهم السابقة في إدارة المرحلة أن الذوبان في اطار 30 يونيو يعني محوهم بصورة ناعمة وتدريجية, المحصلة أن إدارة الإنقلاب فشلت في تثبيت الإنقلاب باعتباره ثورة كما يصورون للبسطاء, وعلى الرغم من حملات الشيطنة والتشويه, إلا أن مجزرة رابعة صدمت الضمير المصري, وكان هذا اكثر تصرفات الإنقلاب حمقاً, إذ أن إدارة الإنقلاب انطبع لديها منذ سنة 2011 أن الإعتصام قد يسقط النظام ويهدم هيبته, فانقضت على اعتصامي رابعة والنهضة بمنتهى الوحشية, لتسد المنفذ الوحيد المتاح حينها للتعبير عن الغضب, فانفجرات عشرات المسيرات بعدها في كثير من انحاء مصر, وقامت هذه المسيرات في الشهور الأربعة الأولى بدور الإعلام

 

** نشر هذا المقال بتاريخ 24 يناير, 2014 على موقع الجورنال