أيمن نور .. مبادرة نطح الشرعية

 
لم يكن الخبر الذي نشرته جريدة ((المصريون)) عن سعي أيمن نور لتدشين تحالف يتنازل عن عودة الرئيس مرسي, بجديد ولا مستغرب. فقد كنت أرى هذا منذ البداية بل وهو شخصياً لم يدخر وسعاً في توضيح نواياه التي انكشفت للجميع من البداية باستثناء بعض السذج بطبيعة الحال.
يقول الله عز وجل في سورة الأنفال )وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)
وتفسيرها أن الله عز وجل يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام ( وإما تخافن من قوم ) قد عاهدتهم نقضا لما بينك وبينهم من المواثيق والعهود ، ( فانبذ إليهم ) عهدهم ( على سواء ) أي : أعلمهم بأنك قد نقضت عهدهم.
وهو ما فعلته حين قال أيمن نور في حوار صحفي أنه ينوي دخول الانتخابات في مواجهة بعوضة الانقلاب.
وقتها كتبت مقالاً عنيفاً جداً حمل كل ما يعتمل في نفسي من غضب مما قال.
وظل هو يلف ويدور على القنوات في محاولة لتكذيب ما قاله بالنص الصريح.
لم تكن المشكلة في هذا ولم تكن عبقرية مني أن كشفته مبكراً, فهو بنفسه كشف نواياه.
المشكلة أنه ككل المتلونين الذين تربوا على حجر المخلوع ونشأوا في كنفه, عاد ليغازل جماهير الثورة بكلمات عن الرئيس مرسي (الذي يحرص على تلقيبه بالدكتور).
لم تكن في هذا مشكلة أيضاً لو أن للبعض وعياً.
المشكلة الحقيقية هي أن البعض ينظر للأمور من منظور هواه الشخصي.
هو لا يرى الأمور من منظار الدين.
وضع طبيعي هو نتاج عملية تجريف مستمرة.
كتبت كثيراً وحذرت مما يقوم به, وكانت بعض الردود (لا للتخوين – كفى تشكيكاً), أما اسخف الردود على الاطلاق فهي تلك التي تتحدث عن أنه (مع شرعية الرئيس مرسي).
كتبت كثيراً وتعمدت الكتابة عنه وكشفه وقلت كثيراً أن آل سعود ينفقون على قناته ونبهت كثيراً لمصادر دخله المشبوهة.
ولله الحمد ادرك الكثيرون حقيقته حتى أنه صار ماركة مسجلة لكن العرض الجانبي لكل هذا هو أن هذا العراك استنزف كثيراً من طاقة معسكر الثورة. ناهيك بالطبع عن لحاق بعض من يُعتبرون من النخب المناهضة للانقلاب, بمبادراته.
كانت أخر كوارثه اطلاق مبادرة عن الشرف, اتضح فيما بعد أنها لا تحمل من الشرف سوى اسمه, فالمبادرة كانت تضم سامي عنان.
هذا غير وجود أحد المخبرين العاملين مع المخابرات العامة منذ التسعينات. وهو ما يعطيك فكرة عن حقيقة علاقاته.
إذا اردت أن تفهم حقيقة مبادرة أيمن نور الجديدة للتنازل عن شرعية الرئيس مرسي, فعد إلى تشيلي في بداية سبعينات القرن الماضي.
بعد انتخاب سلفادور اليندي وتهديده لمصالح الشركات الأمريكية الكبرى, وجهت المخابرات الأمريكية احد صبيتها في الجيش التشيلي للانقلاب على الرئيس المنتخب.
الفرق بين انقلاب تشيلي وانقلاب مصر هو أنهم قتلوا الرئيس اليندي في بداية الانقلاب, اما في مصر ونتيجة لسيناريو معد سلفاً, فقد قرروا الابقاء على حياة الرئيس مرسي (اتحدث عن الجهات الخارجية التي رتبت الانقلاب ولا اتحدث عن صبيتهم من العسكر ومؤسساتهم, فهؤلاء لا قيمة لهم ولا دور لهم في التخطيط وهم مجرد منفذون).
الاعتداء على حياة الرئيس مرسي (رغم رغبة العسكر الجارفة في ذلك) قد يؤدي إلى انفجار الأوضاع في مصر وانفلات صمامات الأمن وتحول الأمر إلى مواجهة مفتوحة قد تطيح بمؤسسة الجيش المصرائيلي. والابقاء على حياته من ناحية أخرى مزعج لهم لأن بقاءه معناه تمسك معسكر الثورة بشرعيته.
فكان لابد من كاسحة جليد تمهد الطريق ليتنازل معسكر الثورة عن الرئيس مرسي, فإن لم يتنازل عن شرعيته, فعلى الأقل يصيبوا معسكر الثورة بالدوار ويفتتوه إلى جزر صغيرة بفعل العراك اللا منطقي الذي جروه إليه عن طريق اذنابهم.
وأيمن نور بطبيعة الحال يسعى بكل جدية ونشاط ليتنازل معسكر الثورة عن شرعية الرئيس لتحقيق حلمه في الرئاسة, فقد اصبح مهووساً بالمقعد إلى درجة الخبال.
ولكنه لا يعلم أنه قد يكون مستغلاً من قبل من يحركونه, فيدفعونه إلى (نطح) شرعية الرئيس مراراً ولا ضير عندهم إن احترق وانكشف, ففي هذه الحالة يكونوا قد احدثوا شرخاً ومرروا طرح عدم عودة الرئيس مرسي إلى بعض المغفلين, ليكونوا أرضية لطرطور آخر قابع في المخزن أو جالس على (دكة الاحتياطي) يقوم بالتسخين.
أيمن نور لا يرى من كل هذه الصورة الا مقعد الرئاسة الذي صار يناديه كالنداهة. ويرى أنه حاصل على كل الموافقات اللازمة, فهو غير اسلامي ولا يعادي الكيان الصهيوني وهو حائز على موافقة آل سعود (أو هكذا يظن).
لكنه لا يعرف أن فشله احتمال وارد لدى من يحركونه, وأنه بالنسبة لهم اما أن ينجح أو أن يستمر في النطح ليفتح الطريق لطرطور مُخَزّن.

 

#آيات_عرابي