افصلوا الثوري عن السياسي!

 

حرص الرئيس مرسي في خطابه الأخير الذي وجهه للشعب على أن يبعث بعدد من الرسائل كان أهمها ألا تُسرق الثورة منا، وكأن الرجل ببصيرته في تلك اللحظات كان يرى حجم الخداع الذي سيُمارس على معسكر الثورة. 

ترك الرئيس الميدان مؤقتاً وقد حرص على عدم ترك الثورة تُسرق، وحذر من عملية الخداع التي ستُمارس على الشعب، فعل الثورة إذاً بحكم الواقع وبحسب ما أدركه الرئيس ليس من بين مسؤولياته. 

الثورة مسؤوليتنا نحن. 

نحن جنود تركهم قائدهم في ميدان القتال يواجهون عدوهم حسبما تتطلب ظروف المعركة. 

على عاتقنا نحن تقع مسؤولية إدارة معركة الإعلام وتخطيط الحراك الثوري ومواجهة مخابرات العسكر ومن خلفها مخابرات الدول الكبرى التي خططت للانقلاب. 

فهل نحن على قدر المسؤولية حتى الآن؟ 

هل صرنا على القدر الكافي من الفطنة لننتبه إلى ما يُحاك للثورة على مدار الساعة؟ 

أم تركنا عدونا يتقاذفنا بألاعيبه وخدعه حتى من داخل الصف؟

الحقيقة أنني ألمس هشاشة حقيقية في عملية إدارة الثورة من البداية. 

منذ البداية تصدر المشهد الثوري سياسيون تقتصر علاقتهم بالثورة على ترديد الكلمة فقط دون إدراك مضمونها. 

في تلك اللحظات من حياة الأمم لا يقف خلف الدفة سياسيون. 

بل القائد السياسي ببساطة لا يصلح لإدارة معركة كهذه.

هو غير مؤهل لإدارتها مهما بلغت نزاهته والأمر هنا لا يحمل أدنى قدر من الذم، بل هي أمانة الكلمة التي قد أكون خائنة لله ورسوله إن لم أقلها وبالأحرى في مرحلة دقيقة كهذه من عمر أمتنا. 

السياسي لا يجيد سوى التفاوض وتقديم التنازلات التكتيكية أحياناً ليناور خصمه. 

السياسي شخص بحكم تكوينه النفسي لا يميل للصدام بل إلى التفاوض والمهادنة. 

وهذه هي كارثة الثورة الآن. 

فنحن بصدد حالة تآمرت علينا فيها قوى غربية واقليمية ومليارات الدولارات دُفعت وعدد من أجهزة المخابرات تعمل بلا كلل (أقلها وأهونها وأكثرها كوميدية بالمناسبة هي مخابرات العسكر) من أجل تمرير انقلاب صهيوني في مصر يسكت صوتها لحين الانتهاء من القضاء على البؤرة الأهم في سوريا وتمهيد المنطقة كلها للتقسيم. 

معركة عالمية كبرى حشد فيها العدو كل قدراته وألقى فيها بفلذات أكباده. 

بينما نجد على جانبنا من يركض خلف حركات لا تمثل إلا عدد متحدثيها في الإعلام, علها تحتشد بجانبه. 

السياسي هنا يحاول ممارسة الثورة بعقلية مرشح البرلمان الذي يحشد كل العائلات ذات النفوذ (كما يحسبها) في دائرته استعداداً للانتخابات. 

بعض هذه العائلات التي يخطب ودها من أجل أصواتها في (الانتخابات) كما يرى السياسي الثورة, ليست ذات ثقل ولا تملك ظهيراً في الشارع. 

والأنكى أن بعض هؤلاء الذين يخطب السياسيون ودهم يمارسون التمنع والدلال وهو غير قادر على حشد ركاب سيارة أجرة. 

ثم هناك الأعداء الطبيعيون الإيديولوجيون للإخوان والذين لا يرون في الرئيس مرسي سوى عضو في جماعة الإخوان المسلمين ولا يتوقفون بالتالي عن مهاجمته. 

السياسي بطبيعته لا يجيد سوى نسج الصداقات وينفر من الصدام المباشر وهي خصال لا تصلح للعمل الثوري الذي قد تجد نفسك فيه مطالباً بموقف صدامي في مواجهة عدو. 

السياسي ليس مؤهلاً لإدارة (حالة عداء) أو معركة صفرية يلقي العدو فيها بكل ما لديه ليحسمها, بل قد تجده يبتسم للمرشح المنافس ويصافحه رغم ما بينهما من منافسة شرسة على أصوات الناخبين. 

لا يجيد سوى الكلام الملتف المراوغ الذي يحمل أكثر من معنى في الوقت الذي تتطلب فيه إدارة المعركة حسما. 

وهكذا يجد معسكر الثورة نفسه كقشة في مهب التصورات الضيقة لسياسي هو في الأصل غير مؤهل لإدارة ثورة يرفع عليها الشرق والغرب سلاحه ويجند لها المليارات وعشرات الشاشات الإعلامية والصحف. 

وتجد الثورة نفسها بدلا من التخطيط لتطوير حقيقي للحراك على الأرض حبيسة استوديو تتقاذفها ألسنة سياسيين يرتدون ربطات العنق ويضعون المناديل في جيوب حلاتهم. 

ويتم تمييع الثورة وتحويلها إلى حركة معارضة لطيفة يتبادل فيها بعضهم الابتسامات والمبادرات والاقتراحات والتعليقات. 

وهذه الطريقة هي المسؤولة عن تخفيض سقف الثورة من ثورة على نظام ومؤسسات إلى معارضة لظواهر فساد أو نقص دواء أو التركيز فقط على فشل العسكر الاقتصادي وهي المسؤولة في جانب منها عن دعوات الحفاظ على المؤسسات وإصلاحها بدلاً من هدمها. 

وهكذا تضع الثورة في مقدمتها من لا يجيد قيادتها, كمن يتغطى بشرشف خفيف في الشتاء فيصير جسده نهبا للبرودة. 

في الثورة الأمريكية كان الجنرال واشنطن هو من يقود القوات الأمريكية على الأرض في مواجهة الاحتلال البريطاني وهو من يختار وقت الصدام مع بريطانيا ويواجه قواتها، بينما يعمل الكونجرس كغطاء سياسي ولا يجرؤ على التدخل في سير الثورة وإدارة تفاصيلها. 

لهذا أصبح من الضروي أن نفصل الثوري عن السياسي قبل أن نسمع من البعض دعوات للاصطفاف مع عسكري الانقلاب والمجلس العسكري.