الدولة المصرية وصنم هبل

 

في مناسبات كوميدية، كتلك التي تطل برأسها على استحياء في مصر كالإعلان الكوميدي عن إطلاق وكالة فضاء في بلد يتلقى فيه المرضى العلاج على الأرصفة، تسمع دائما من شلة العلمانيين إياها خطاب الفشل.

وفشل العسكر واضح، ولكنه ليس التشخيص الدقيق في الحالة المصرية.

يحدثونك عن الأعراض ويتجاهلون اسم المرض تماما.

يحدثونك عن الاستبداد ولا يقتربون من أسبابه، يحدثونك عن الفساد ولا يحاولون ردم منبعه.

لن تجد منهم من يناقش كيفية وصول تلك الشراذم العسكرية إلى مقاعد الحكم في بلادنا.

ستسمعهم يكتبون الشعر عن وهم أكتوبر، ويعتبرون حفر قناة السويس إنجازا هندسيا، غير عالمين أن الأول كان عملية هندسها كيسنجر للوصول لاتفاق سلام، وأن الثانية كانت حاجزا بنته فرنسا ليصبح حدود الكيان الصهيوني الذي لم يكن قد وُلد بعد.

يحدثونك عن قيادات الجيش الفاسدة، ثم تسمع منهم غزلا غير عفيف في جيشهم هذا!!

وكأن القيادات الفاسدة هي التي قامت بالانقلاب وحدها.. وكأن تلك القيادات هي التي قادت الدبابات المتهالكة في استعراض قوة في شوارع مصر وقت الانقلاب.. وكأن تلك القيادات الفاسدة هي التي رفعت بنادقها في وجه الشعب، ولوحت برصاصاتها في مواجهة الفتيات.

وكأن تلك القيادات هي التي تطلق نيران المدافع على منازل سيناء، وكأنها هي التي تقود طائرات “إف 16” وأباتشي لتصب صواريخها على رؤوس الأطفال في سيناء حبا وكرامة للعدو الصهيوني.

وكأن كل ضباط جيشهم لم يسمعوا بوجود تنسيق أمني واستخباراتي كامل مع العدو الصهيوني، وكأنهم لم يقرأوا تصريحات خادم الكيان الصهيوني في مصر في أكثر من مناسبة؛ التي اعترف فيها بحماية أمن الكيان الصهيوني.. وكأنهم لا يدركون أنهم جزء من منظومة أمن مركزي لحماية وجود الكيان الصهيوني.

وكأننا لا ندرك أن رفع معاشات العسكريين وزيادة رواتب ضباط ذلك الجيش هو عملية رشوة مستمرة؛ يطلب فيها الراشي من المرتشي السكوت عن كل تلك الخيانات والاستمرار في التظاهر بأنهم جزء من جيش.

خطاب ما يسمى بـ”الدولة المصرية” هو الأرضية المشتركة التي يقف عليها هؤلاء العلمانيون مع إخوانهم من العسكر.

فإذا حدثت هؤلاء عن نشأة تلك “الدولة المصرية”، وكيف نحتها الفرنسيون من أراضي الخلافة وصنعوا لها جيشا دربه جنرالاتهم، وكيف صنع الفرنسيون محمد علي، وكيف كان سفيرهم في الإسكندرية يشرف عليه ويوجهه، وكيف جعلوا من مصر فقاعة معزولة، بدّلوا نظام تشغيلها ونزعوا منها الإسلام كجوهر، ووضعوا بدلا منها شكلا مفرغا لا علاقة له بالإسلام، وحشوا ذلك القالب بالنظم العلمانية الفرنسية، وكيف جاء البريطانيون ليطوروا وكيف جاء بعدهم الأمريكيون ليرمموا ويجددوا الطلاء.. زادوا في رطانتهم وكرروا على مسامعك ما يحفظونه من كتب التاريخ للصف الثالث الابتدائي، التي حشاها التعليم العسكري في رؤوسهم.

سيحدثونك عن الاستبداد والفشل والجيش الوطني وحدود الدولة، وسيحدثونك بلوعة عن حدود الدولة، متجاهلين أن من وضعها هو ضابط صغير في إدارة صغيرة في إحدى وزارات بريطانيا، ولن يقترب أحدهم من جدران الفقاعة بإبرة لينقبها.

في احدى الجزر في محيط ما هبطت منذ عقود طائرة أمريكية أو بريطانية، فعبدها الأهالي البدائيون وجعلوا منها صنما يدورون حوله ويقدمون له القرابين، ونسجوا الكثير من الأساطير عن الطيار.

حسنا.. هؤلاء لا يختلفون كثيرا عن أهالي تلك الجزيرة الذين عبدوا الطائرة.. أصنام وجدوها فعبدوها، فُقاعة معزولة عن العالم الخارجي، لا يختلف مثقفوها ومدعو النخبوية فيها عن واحد من جمهور أحمد موسى.

يمسك كل فريق منهم بفرشاة طلاء يطلي بها ما تساقط من طلاء هُبل، يسنده كي لا يسقط، يرمم ساقه بقطع من الملاط.

الاثنان يسندان الأصنام التي وجدوها ويحاولون الحفاظ عليها من السقوط.. الاثنان يحدثانك عن “دولتهم المصرية”، والاثنان يتحسسان صنم هبل في وله وحنان.. كلاهما يدعي وصلا بليلى، ولكن ليلى اختارت العسكر.. صناع الأصنام الأوربيون قبل أن يرحلوا أوكلوا تلك المهمة لشراذم العسكر، وطوال الوقت يحاول كبار العلمانيين إقناع صناع الصنم بجدارتهم في الحفاظ على الصنم.

الفارق بين الاثنين؛ هو أن الفريق الأول من العسكر يحمل بندقية مستوردة، والثاني يرتدي ربطة العنق ويحدثك حديثا باهتا عن الثورة التي لا يعرف هو كيف يقوم بها أصلا.