ثورة … و من أول السطر !!!

 

أسس مدرسة جروتون (Groton ) القس بيبودي(Peabody) سنة 1884, وتعلم بيبودي في بريطانيا في معهد ترينيتي كوليج ( كلية الثالوث ), بكامبريدج, حيث استوعب بالكامل القيم الفيكتورية السائدة وقتها : الانضباط, وممارسة الرياضة, والقيم المسيحية, وعندما عاد إلى الولايات المتحدة قضى ستة اشهر يعمل كقس في احدى الكنائس بأريزونا. ثم أسس مدرسة جروتون. ومن بين تلامذيها كان ابناء ثيودور روزفلت الاربعة !

صُمِّمَت المدرسة على غرار المدارس ( العامة ) البريطانية, وكان هناك غرض آخر ديني للمدرسة يدل عليه شعارها ( العبودية للرب حرية ! ).

كان الرئيس ثيودور روزفلت ينظر لمدارس مثل جروتون على أنها مراكز تدريب للأمريكيين, لتأهيلهم لمراكز الحكم في أمريكا وخارجها, وبعد انتصار أمريكا في الحرب الأمريكية الاسبانية سنة 1898, شجع السيناتور لودج القس بيبودي صراحةً على تربية جيل من الرجال يشبهون قادة انجلترا في الهند, لإدارة ممتلكات أمريكا الجديدة في الكاريبي والباسيفيكي, وما سيعقب ذلك خارج البلاد.

وكان الرئيس ثيودور روزفلت يرى أن مدرسة جروتون تقوم بذلك الدور, وأنها عبارة عن كنيسة تحتضن الطلبة وتظهر مواهبهم وتقدم خدمة للدولة. واصبحت تلك رسالة مدرسة جروتون, فخرجت عددا كبيراً ممن تولوا الوظائف العامة. ومن ضمن أول 1000 خريج من جروتون, كان هناك 10 سفراء, وثلاثة أعضاء مجلس شيوخ, ومحافظان, ووزيرا خارجية, واحد رؤساء الولايات المتحدة ( فرانكلين دي روزفلت ). وعدد ضخم من ضباط السي آي إيه ومنهم كيرميت روزفلت.

كان الطلبة يستيقظون على صوت الجرس في الساعة السابعة الا خمس دقائق, ثم يبدأون يومهم بحمام بارد, ثم الافطار, ثم الصلاة ( يوم الاحد مرتان ), ثم تبدأ دروس المواد العادية في الساعة التاسعة, وتتكون أساساً من مواد دينية, ( ولغات أوربية وتاريخ اوربي, مع تركيز خاص على الحضارة الانجلوساكسونية وحصص العاب رياضية ). *

لاحظوا أنه لم يخرج في أمريكا جاهل لا يقرأ ليقول أن تعلم الدين ارهاب, ولم يخرج ربع متعلم لينتقد التعليم الديني ويسميه ارهاباً !

ويذكر أن مناهج التعليم التي تلقاها المماليك تشبه إلى حد كبير منهج مدرسة جروتون بل تتفوق عليها, ولكنها تشترك معها في التعليم الديني والتركيز على الصلاة والاذكار ولذلك حكم المماليك مملكة واسعة وصدوا هجوم التتار وطردوا الاحتلال الصليبي على الرغم من الفساد الذي اصابهم في نهاية القرن الثامن عشر.

وكيرميت روزفلت هذا الذي يتحدث عنه الكاتب, هو حفيد الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت وابن عم الرئيس الامريكي فرانكلين روزفلت وكان ضابطاً في السي آي إيه وهو المسؤول عن إدارة انقلاب يوليو 1952 وتوجيه عبد الناصر وتثقيف ما يسمى بالضباط الاحرار سياسيا, وهو المشرف هو ومايلز كوبلاند وجيمس ايشلبرج على اعداد فريق لتدريب الجيش المصري وانشاء المخابرات العامة سنة 1953 وتدريب ضباطها وكذلك هيكلة وزارة الداخلية وانشاء إذاعة صوت العرب, وكان هو من دبر انقلاب 1955 على رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق وإعادة شاه إيران إلى منصبه بعد أن قام مصدق بتأميم نفط إيران.

والآن اذكر نوع الوظيفة التي يمكن أن يعمل بها طالب يدرس أن محمد علي الذي تآمر مع الفرنسيين لاحتلال الجزائر هو باني مصر الحديثة, وأن سعد زغلول صديق الانجليز والذي عينه الانجليز وزيراً للمعارف, وشقيق قاضي دنشواي -أحمد فتحي زغلول – والذي ركب به الانجليز ثورة 19 زعيم وطني, وأن عبد الناصر المهزوم عميل السي آي إيه زعيم وقائد حركات التحرر في العالم العربي, وأن اكذوبة أكتوبر التي وصل فيها الصهاينة لمسافة 100 كيلومتر من القاهرة بعد أن حاصروا الجيش الثالث وعبروا إلى الضفة الغربية وأسروا 8 آلاف جندي مصري, نصر مجيد وأن السادات الذي قال نائبه حسين الشافعي أنه عميل للسي آي إيه, وذكرت كتب أمريكية وصحفيون كثيرون أنه كان على كشوف المرتبات في السي آي, بطل الحرب والسلام, وأن المخلوع الذي سجلت له المخابرات الفرنسية وهو يطلب رشوة,

وشهد لواء المخابرات المسؤول عن قصور الرئاسة في عهده أنه كان يتناول العشاء مع شارون بشكل شبه يومي في الارض المحتلة, بطل الطلعة الجوية الأولى, وأن الجيش الذي لم ينتصر في حرب واحدة ويتسول سلاحه من امريكا هو خير اجناد الارض, وأن بانجو وبرايز ثوريين, وأن البرادعي سابقهم بـ 500 سنة ضوئية وأن الجنرال سكسكة الذي يعترف علناً بولاءه للأمريكيين وبصداقته للصهاينة وحماية أمنهم, والمشوه جينياً والذي كان يلمع حذاء طنطاوي كل صباح, والذي لا يعرف الفرق بين المدينة والمحافظة ولا يعرف حاصل جمع 8 + 6 وكان يعالج من التخلف العقلي, لديه كاريزما وانقذ مصر من الإخوان المسلمين ثم اذكر التصنيف الجيني للكائن الذي يصدق كل ما سبق !

الهوية هي الفارق والخط الفاصل بين الانهيار الحضاري علي كل المستويات و بين التقدم, تمسكوا بهويتكم وثوروا على كل تلك الاكاذيب .. كفانا تزويراً للتاريخ و تخديرا للذات وتدميراً للحقيقة وكفانا صناعة اراجوزات !

ثورة ومن أول السطر !

* النص من ص 26 من كتاب America’s Great Game : The CIA Secret Arabists and The Shaping of The Modern Middle East ( لعبة أمريكا الكبرى : مستعربو السي آي إيه السريون وتشكيل الشرق الأوسط الجديد )