روبابيكيا العسكر !

تاريخ النشر: 29-11-2014

في أكتوبر سنة 1990 تحدثت ممرضة كويتية شابة اسمها نيرة , أمام الكونجرس عن مجزرة ارتكبتها قوات صدام في احدى المستشفيات الكويتية, وشهدت نيرة وهي تبكي أمام الكونجرس, أن الجنود العراقيين اطلقوا النار على أطفال في المستشفى. في ذلك اليوم شاهد الفتاة الباكية حوالي 35 مليون أمريكي واستشهد بحديثها سبعة من اعضاء الكونجرس واستخدم الرئيس الامريكي وقتها تلك الجريمة في تبرير دخول القوات الأمريكية الحرب ضد العراق. فيما بعد, اتضح أن الفتاة هي نيرة الصباح ابنة السفير الكويتي في واشنطن, وأن شركة دعاية امريكية دربتها وفبركت قصة خيالية, لإثارة الرأي العام ضد (( الوحشية العراقية )) !!

مسلسل رأفت الهجان, موسيقى عبقرية ومخرج محترف وقصة مشوقة. المسلسل احتوى على كل عناصر النجاح, قصة طفولة بائسة, وعلاقات عاطفية وعالم غامض مشوق وبطل يخاطر بحياته في كل لحظة وموسيقى مؤثرة حماسية, ولمحة عن حياة العدو الصهيوني. واذكر وقتها, أن مصر بأكملها كانت تتحول إلى دولة اشباح, لا أحد في الشوارع والكل يتابع بانبهار.

عمل دعائي عبقري, يُذهِبُ عقلك, فتنسى الاسئلة المنطقية. لماذا تخوفت المخابرات مثلا من أن تقوم أخت رأفت الهجان بنشر اعلان يحوي صورته في الجرائد بدعوى أن تلك الصحف ستصل إلى يد العدو فيكشفون حقيقته, مع أنه, أدى ادواراً ثانوية في عدة أفلام ؟ خصوصا اذا علمنا أن الصهاينة كان لهم جواسيس داخل الوسط الفني, مثل كاميليا.

وفي حواره الصحفي مع المصري اليوم, يؤكد الفريق رفعت جبريل ضابط المخابرات العامة السابق والذي شغل منصب رئيس هيئة الأمن القومي, ومثل دوره محمود ياسين في فيلم الصعود إلى الهاوية ونور الشريف في مسلسل الثعلب, أن رأفت الهجان كان عميلاً مزدوجاً ويقول بالحرف ( ساعده الاسرائيليون كثيراً وكانت له شركات واستثمارات عديدة في اوربا ) !!

الفيلم الآخر المتقن هو فيلم حرب أكتوبر, والذي تم الاتفاق فيها بين السادات وكيسنجر وموشيه ديان على أن يعبر الجيش قناة السويس, ويحتلوا مساحة صغيرة من الارض حتى اتمام التفاوض وعودة سيناء إلى السيادة الاسمية المصرية منزوعة السلاح لتظل حاجزاً صحراوياً بين مصر وبين عدوها الصهيوني ويحرسها هذه المرة عسكر كامب ديفيد, ولعل البعض يعلم أن نائب وزير الخارجية الأمريكي جوزيف سيسكو قال لجولدا مائير محاولاً اقناعها بالانسحاب من سيناء : يا رئيسة الوزراء, كل ما يحتاجونه هو فقط 500 جندي مصري ببندقية واحدة على هذا الجانب من القناة لتغيير ما نحتاج لتغييره سياسياً ) ولكن جولدا مائير كانت شديدة التعنت !

وبدأت الحرب بانتصار مبدئي وعبور للقناة وأغاني وبيانات حماسية ومشاهد العبور التي ازاحت كل الضغط الشعبي عن أنور السادات ولكن الحرب انتهت بهزيمة للجيش المصري وأسر ما يزيد عن 8000 جندي مصري وحصار الجيش الثالث بأكمله والذي كان عدد قواته 45 الف وجولدا مائير تفتش على قواتها الصهيونية غرب القناة على أقل من 100 كيلومتر من عاصمتنا وتقول للصهاينة ان جيشهم يحارب في افريقيا.

كانت الفكرة هي أن يسترد الجيش جزء من شرفه العسكري, وينتشي الشعب المصري بالنصر, فيتم احتواء النفوذ السوفييتي في المنطقة بعد اقناع الدول العربية أن امريكا ستجبر الكيان الصهيوني على الانسحاب, ويصبح الشعب أكثر تقبلاً لعقد اتفاق سلام مع العدو الصهيوني والاعتراف الكامل به, ولمحو كل ما يتعلق بالتزام مصر بالقضية الفلسطينية والذي كان يجعجع به المقبور عبد الناصر, تم ترتيب فيلم آخر متقن, لالصاق مقتل الأديب يوسف السباعي بالفلسطينيين ( مع أن من قتله منظمة معادية لمنظمة التحرير وقتها ولم تطلق رصاصة واحدة على صهيوني ) !

غرضي من الكتابة عن فيلم اكتوبر ليس التقليل من تضحيات الشهداء, فاللعبة كلها كانت بين السادات وكيسنجر وديان, والفريق سعد الدين الشاذلي ذكر الكثير من التفاصيل التي تستحق الوقوف عندها, والفريق أول كمال حسن علي مدير المخابرات, اعترف في ص 335 من مذكراته أن ديان في محاضرة القاها في تل أبيب المحتلة بعد الحرب قال ( أن الأمريكيين هددوا الصهاينة بأنهم سيقوموا هم انفسهم بإمداد الجيش الثالث إذا استمر الصهاينة في محاصرته ) !!

الفكرة ببساطة هي أن العسكر هم غفر الكيان الصهيوني منذ عهد المقبور عبد الناصر, ورسائله السرية التي يتمنى فيها ( الرخاء للشعبين ) والتي تبادلها مع رئيس وزراءهم موجودة على الانترنت لمن اراد الاطلاع عليها, ولاستمرار وجود ذلك الكيان كان لابد من انظمة حوله تحميه, ولا يخرج الاحتلال الا بعد تعيين ( خولي للعزبة ), ويكون من واجبات خولي العزبة أن يحمي أمن الكيان الصهيوني, وأن يعمل كحاجز بينه وبين الشعب, ولكي يستمر في اداء دوره فلابد من منظومة اعلامية تعمل على تجهيل الشعب وضخ المزيد من الأكاذيب عن بطولات العسكر المزعومة,فلا مصر لديها مخابرات ولا جيش وقد رأينا هذا العسكري القزم صاحب الهاشتاج الشهير, الذي كان مديراً للجيش وخريج المؤسستين, يكاد يتبول على نفسه وهو يتكلم ولا ينطق جملة مفيدة واحدة بل وتصفه الصحافة الايطالية بالأخرق !!

وشاهدنا كيف يحاول اعلام العسكر أن يحوله إلى زعيم تخشاه أمريكا ويأسر قائد الاسطول السادس, مع أنه صرح بنفسه أن وزير الدفاع الامريكي يتصل به يومياً وهو نفس العسكري الأخرق الذي يستخدم لغة لا تُسْتَخدم الا على الرصيف, ويقول للرئيس الفرنسي ( الزيارة دي مش محسوبة ) وكأنما ينقص المشهد أن يقول له ( يعز مقدارك ياسي فرنسوا ياخويا ), ذلك القزم المثير للسخرية المعقد نفسياً الذي شحنه أهله على مدرسة عسكرية بعد فشله في المدرسة الاعدادية, والذي كان يعالج من التخلف العقلي, وكان زملاؤه يضربونه وهو صغير كما اعترف هو, والذي يهرب من الباب الخلفي من مطاردة الثوار له في باريس, والذي يرفع بنطلونه الى صدره خوفا من ان يسرقه منه احدهم, يحاول الإعلام اقناعك أنه زعيم !!

كل ما فعله العسكر خلال ستين عاماً هو انتاج مجموعة من الأفلام تقل في جودتها حتى عن أفلام السبكي, والدور الحقيقي الذي يمارسه العسكر هو دور المنتج السينمائي والشعب هو المتفرج, وتحتوي افلام العسكر على كل عناصر افلام السبكي من فساد ومخدرات وانحرافات, والفرق بينها وبين أفلام السبكي هو أنها افلام أقل حبكة تقدم روبابيكيا فكرية للجمهور, ويقدمها العسكر مجاناً.

ويقيني أن ذلك الذي ينزل مخاطه على فمه ويخرج قميصه خارج ملابسه وتنقصه كسرولة على رأسه, هو بإذن الله أخر مخلفات تلك المؤسسة التي حكمت مصر بالوهم والدراما الهابطة طوال كل تلك العقود, ولا سبيل إلى الإطاحة بكل تلك المخلفات الا بالوعي.