زجاجة مياه معدنية واجنحة دجاج وثورة

 

 

أخيراً وصلت مهجة إلى المنزل تحمل حقيبة متوسطة الحجم ازدحمت بعدة أكياس, كان العرق يتصبب على جبهتها ولم تكن ثيابها في أفضل حال ولكنها استطاعت برغم الزحام أن تقتنص نصف كيلو أجنحة دجاج وكيساً من بواقي طعام الفنادق الذي تبيعه أم أحمد.

وعلى مائدة العشاء اجتمعت الأسرة مساءً, مهجة وأطفالها وزوجها ومن الشاشة انبعثت زغاريد من مطار شرم الشيخ والسائحون يقفون طوابير على منافذ المغادرة, وضابط الكاندي كراش يقف بكرشه المتدلي وأمامه أومباشي الإنقلاب تبدو على وجهه علامات سعادة غير مفهومة وهو يلوح بيده محيياً أشخاصاً وهميين في السقف ثم تدخل الكادر مراسلة قناة النهار متباكية حزناً على ماسر التي يتآمر عليها الجميع في مشهد تمثيلي مثير للشفقة, فيرتبك الأومباشي من تلك الوطنية الشديدة وتزداد جمله تسوساً قائلاً: “ انتىي دانتاييي دناا بابوصلك اتفائل مش الـ .. انتو قلقانين كدة ازاي .. شوفي هي كلمة واحدة وانا بقولها بقالي سنتين .. تول ما الماسريين .. انتي فاكرة حد يقدر يغلب “الماسريين !!

فغرت مهجة فاها وكفت عن تناول الطعام وتسمر المشهد والجميع يحاولون هضم ما قاله وخُيِّلَ إلى مهجة أنها تشاهد حلقة من ذلك, البرنامج الذي كان يُعرض في رمضان منذ سنوات وفيه يقوم ممثل ما بتوجيه أسئلة غير مفهومة للجمهور ويطلب منهم رداً بعنوان لخبوط على ما تذكر.

قاطع ابنها الصغير أفكارها, متسائلاً : ماما هو دا الكاميرا الخفية؟
وقبل أن ترد مهجة على طفلها سمعت الشاويش يقول: “وايه يعني .. احنا ما ناكلش “
فانطلق على الفور سيل من السباب من فم الأب, وبدت مهجة قليلة الحيلة وهي تحاول إسكاته حتى لا يعتاد الأطفال سماع تلك الألفاظ.

و في نفس اللحظة وعلى بعد حوالي مائتي كيلومتر في الاسكندرية كان عم بيومي العجوز يحاول تنظيف متجره الصغير الذي دمرته الأمطار وبجانبه ابنه أحمد يقوم بلملمة أكياس الشيبسي وكراتين الحلويات الغارقة في مياه الأمطار مشمراً سرواله وهو يخطو وسط الفوضى وبقايا مياه الأمطار المختلطة بما تبقى من المتجر الصغير, بينما صوت الأومباشي ينبعث بجمله غير المفهومة من التليفزيون في المقهى المواجه للمتجر, وهو يقول: لكن بلدنا آآآآ آآآآ وبنتلع لقدام والنجاح واضح ولسة هيستمر !!

وقبل أن يرفع عم بيومي يده ليدعو علي الشاويش, فوجيء بابنه يبصق على شاشة التليفزيون وصيحات الاشمئزاز المختلطة بالسباب البذيء والسخرية اللاذعة, تتصاعد من رواد المقهى.

وبعد أن هدأت عاصفة السباب والنكات, كان صوت الخبير الإستراتيجي وضابط المخابرات السابق, العقيد محسن سفنجة يسترسل عبر مداخلة تليفونية مع أحمد موسى, متحدثا في لهجة عميقة عن النجاح الذي حققته ماسر بعد الانقلاب وعن المجابهة والتكاتف والتحديات والارهاب … الخ.

ولا ريب أن البعض قد تذكروا وهم يستمعون إلى ذلك الهذيان, صورة الشاويش وهو يمسك بزجاجة مياه معدنية فرنسية, حرص على أن تبدو في الصورة, ربما ليراها زملاءه الذين كانوا يضربونه وهو صغير.

لم يتغير شيىء منذ بداية حكم العسكر, نفس زجاجة المياه المعدنية الفرنسية ونفس الأسرة التي تكاد تلعق التراب لتحصل على قوت يومها ونفس الخبير الاستراتيجي محسن سفنجة ونفس الإعلام.

نفس أسلوب الدعاية الهستيري المسعور ونفس الزغاريد.

لم يتغير شيىء, بل أن بضاعتهم الدعائية ازدادت سوءاً بعد الانقلاب واصبحت مادة خصبة للنكات.

الفرق هو أننا أدركنا أن هؤلاء العسكر موظفين لدى الاحتلال موكلين بإدارة شؤون بلادنا و أصبحنا على علم بكل ما سيقوله الخبير الإستراتيجي محسن سفنجة وكل محسن سفنجة غيره و أصبحنا نرى زجاجة المياه المعدنية حتى لو حاولوا اخفاءها.

الفرق الآن هو أننا نلعب في مواجهة العسكر بأوراق مكشوفة وأنهم أفلسوا وعجزوا حتى أصبح مندوبهم نكتة بين المصريين و أصبحت جمله المتلعثمة الفضائية مثار سخرية الأطفال و أصبح فشلهم اليومي حطبا يبقي النار مشتعلة في مرجل الثورة.

الفرق أن المباراة هذه المرة, ستنتهي إن شاء الله لصالحنا.

فقط على الثورة أن تطور حراكها, وأن تبدأ دعوات نشطة للعصيان المدني إنطلاقا من المقاطعة الشعبية لإنتخابات برلمان العسكر و إستغلالا للفشل اليومي الذي لا يتوقف و إستغلالا للإنهيار المتسارع الذي يراه الجميع, يجب الا تتوقف الثورة لحظة, فقد أوشكت دولة عسكر الاحتلال بالوكالة على الانهيار.