متلازمة الأسطول السادس !

 

القوات الصهيونية تعبر القناة وتهاجم قواتنا بطول الجبهة الساعة الثانية ظهراً وجنودنا تسيطر عليهم حالة من الدهشة والخسائر كبيرة، يسقط عدد كبير من الشهداء، وتستمر الهزيمة العسكرية لأيام، ثم يعرض الجنرال الشاذلي على القيادة المصرية القيام بعملية عبور، الى الضفة الغربية للقناة، وينجح فعلا في العبور ويجتاز سيناء بقواته ويحاصر القوات الصهيونية ويحاصر احدى المدن المحتلة، والرئيس السادات يزور المدينة المحتلة ويعقد مؤتمراً صحفياً هناك ويعلن (قواتنا تحارب الآن في آسيا)، الشعب المصري يحمد الله، المدرعات المصرية على بعد أقل من 100 كيلومتر من تل أبيب المحتلة. 

الكيان الصهيوني يعلن موافقته على وقف اطلاق النار، وتبدأ محادثات الكيلو 101 على طريق (غزة – تل أبيب)، الصحف الاسرائيلية تقول ان الثغرة كانت عملاً تليفزيونيا وجيش الدفاع انتصر واستعاد كرامته العسكرية بعد أن هزم المصريين، ونسف نظرية الجيش الذي لا يقهر وهدم نظرية الأمن المصري.

مناحيم بيجن يخطب في الكنيست قبلها بأيام ويقول (تمكن جيش الدفاع الاسرائيلي من اقتحام مانع قناة السويس الصعب واجتياح خط الجمسي المنيع بعد أن افقدت العدو توازنه في ست ساعات). 

 وفي القاهرة، تقام الاحتفالات بالنصر على العدو الصهيوني، ويخرج منايحم بيجن ليخطب أمام الكنيست في عصبية وارتباك ويقول “وستدهش مصر حينما تسمعنى الان اقول امامكم. اننى مستعد ان اذهب الى بيتهم الى مجلس الشعب ذاته ومناقشتهم لتبدأ بعدها مفاوضات السلام” .

هذا ما كنا سنراه إن كانت مدرعاتنا تقف على بعد 100 كيلومتر تهدد مدينة تل ابيب المحتلة، العجيب ان بعضاً ممن يلعنون المقبور عبد الناصر الذي سوق للمصريين أن الطائرات المصرية تقصف تل ابيب بينما كان معظم الجيش قد تم تدميره تماماً، هم انفسهم الذين يصدقون الرواية التي سوقها لهم إعلام السادات عن الانتصار الذي يُدرس في المعاهد العسكرية. 

 بلا شك كان مشهد العبور في الأيام الأولى للحرب مبهراً وباعثاً على التفاؤل، فهو نصر للجنود الذين عبروا ونصر للقادة الذين خططوا وقبلهم نصر للشهداء الذين سفكت دماؤهم دفاعا عن ارضهم وهم يكبرون ! 

 يبدو أن بعضنا لم ينضج نفسياً بشكل كامل ليستطيع هضم الحقائق القاسية، فالمنتصر لا يذهب للمهزوم ليتسول منه السلام ويعترف به. وسيناء لم تعد لمصر ولم يعد من حق مصر أن تتصرف بها كما تشاء كما كانت قبل هزيمة 67 المشينة.

بل أن الجيش يعمل منذ تاريخ معاهدة الاستسلام كغفير على ارض سيناء، يمنع تنميتها ويحرس حدود العدو المحتل، ويزرع فيها المخدرات كما ذكرت احدى الصحف الامريكية في تحقيق مطول منذ شهور، والآن يقتل أهلها وينسف منازلهم حماية للعدو الصهيوني، والكيان الصهيوني وفر الميزانية الضخمة التي كان سينفقها على جنوده في سيناء وكلف غفيره بمهام الحراسة لينفق العدو تلك النقود في التنمية. 

هؤلاء، غير الناضجين نفسياً، لا يريدون تصديق الشاذلي الذي اتهم السادات بالخيانة بل وقدم ضده بلاغاً بهذا المعنى للنائب العام وقتها، وهو مهندس الحرب وليس له اي مصلحة في تشويه صورة النصر الذي من المفترض أن ينسب له.

حسين الشافعي نائب السادات السابق وجه له نفس الاتهامات. والسفير السوفييتي فينوجرادوف طرح عدة اسئلة منطقية قدمها في مذكرة رسمية ارسلها لقيادته، قال فيها إن السادات اتفق مع كيسنجر وموشيه ديان على تمثيلية حرب، ليحافظ على نظامه ووافقته جولدا مائير لتحييد اكبر دولة في المنطقة واقامة سلام معها يحفظ وجود اسرائيل.

من صدقوا رواية الاعلام المصري وافلام الرصاصة لا تزال في جيبي وابناء الصمت، هم انفسهم الذين صدقوا ان اومباشي الانقلاب اسر قائد الاسطول السادس، ويبدو أن هناك مرضاً نفسياً معينا يمنع صاحبه من القراءة ويدفعه لإلغاء عقله واتهام غيره بالخيانة والعمالة والجاسوسية وتلك التهم المعلبة الجاهزة، مع انه لم يتهم احد لا الجنود ولا قيادات الجيش ولا الشهداء بالتمثيل، هي نظرية جديرة بالدراسة حتى لا نعيش نصدق ان الضفادع البشرية أسرت قائد الاسطول السادس .

 

نص المقال على موقع عربي ٢١