محمد عبده : محمد علي لم تكن لديه رائحة الدين

مقال للشيخ محمد عبده عن محمد علي .. اختلف مع توجهاته كثيراً ولكن قراءة المقال تعطي صورة جيدة لمن يعتقدون أن المجرم محمد علي هو من بنى مصر الحديثة.
ما الذي صنع محمد علي ؟ .. لم يستطع أن يحيي, ولكن استطاع ان يميت.

كان معظم قوة الجيش معه؛ وكان صاحب حيلة بمقتضى الفطرة؛ فأخذ يستعين بالجيش وبمن يستميله من الأحزاب على إعدام كل رأس من خصومه, ثم يعود بقوة الجيش و بحزب آخر على من كان معه أولاً وأعانه على الخصم الزائل فيمحقه.

وهكذا حتى إذا سحقت الأحزاب القوية وجه عنايته إلى رؤساء البيوت الرفيعة, فلم يدع منها رأساً يستتر فيه ضمير ((أنا)). واتخذ من المحافظة على الأمن سبيلاً لجمع السلاح من الأهلين, وتكرر ذلك منه مراراً حتى فسد بأس الأهالي, وزالت ملكة الشجاعة منهم, وأجهز على ما بقي في البلاد من حياة في أنفس بعض أفرادها, فلم يُبق في البلاد رأساً يعرف نفسه حتى خلعه من بدنه, أو نفاه مع بقية بلده إلى السودان فهلك فيه.
” أخذ يرفع الأسافل ويعليهم في البلاد والقرى, كأنه كان يحن لشبه فيه ورثه عن أصله الكريم, حتى انحط الكرام وساد اللئام, ولم يبق في البلاد إلا آلات له يستعملها في جباية الأموال, وجمع العساكر بأية طريقة, وعلى أي وجه: فمحق بذلك جميع عناصر الحياة الطيبة من رأي وعزيمة واستقلال نفس, ليصيّر البلاد المصرية جميعاً إقطاعاً واحداً له ولأولاده, على أثر إقطاعات كثيرة كانت لأمراء عدة.
إن محمد علي قد ملأ مصر بالأجانب والدخلاء, يستعين بهم على إقرار نفوذه, وأذل المصريين بإطلاق يد هؤلاء الدخلاء فيهم, يحكمون على هواهم, لا هدف لهم إلا مرضاة الأمير صاحب الإقطاع الكبير.
حمل الأهالي على الزراعة, ولكن ليأخذ الغلات. ولذلك كانوا يهربون من ملك الأطيان كما يهرب غيرهم من الهواء الأصفر والموت الأحمر, وقوانين الحكمة لذلك العهد تشهد بذلك.
يقولون إنه أنشأ المعامل والمصانع. ولكن هل حبّب إلى المصريين العمل والصنعة حتى يستبقوا تلك المعامل من أنفسهم؟ .. وهل أوجد أساتذة يحفظون علوم الصنعة وينشرونها في البلاد؟ .. أين هم؟ .. ومن كانوا؟ وأين آثارهم؟ .. لا .. بل بغض إلى المصريين العمل والصنعة بتسخيرهم في العمل والاستبداد بثمرته. فكانوا يتربصون يوماً لا يعاقبون فيه على هجر المعمل والمصنع لينصرفوا عنه ساخطين عليه, لاعنين الساعة التي جاءت بهم إليه.
يقولون إنه أنشأ جيشاً كبيراً فتح به الممالك ودوخ به الملوك. وأنشأ أسطولاً ضخماً تثقُل به ظهور البحار, وتفتخر به مصر على سائر الأمصار, فهل علم المصريين حب التجند, وأنشأ فيهم الرغبة في الفتح والغلب, وحبب إليهم الخدمة في الجندية, وعلمهم الإفتخار بها؟ .. لا .. بل علمهم الهروب منها, وعلم آباء الشبان وأمهاتهم أن ينوحوا عليهم معتقدين أنهم يساقون إلى الموت بعد أن كانوا ينتظمون في أحزاب الأمراء ويحاربون ولا يبالون بالموت أيام حكم المماليك .. هل شعر مصري بعظمة أسطوله أو بقوة جيشه؟ وهل خطر ببال أحد منهم أن يضيف ذلك إليه, بأن يقول: هذا جيشي وأسطولي, أو جيش بلدي وأسطوله؟ .. كلا .. لم يكن شيء من ذلك .. فقد كان المصري يعد ذلك الجيش وتلك القوة عوناً لظالمه, فهي قوة لخصمه.
ظهر هذا الأثر عندما جاء الإنكليز لإخماد ثورة عرابي. دخل الإنكليز مصر بأسهل ما يدخل به دامر على قوم. ثم استقروا ولم توجد في البلاد نخوة في رأس تثبت لهم أن في البلاد من يحامي عن استقلالها. وهو ضد ما رأيناه عند دخول الفرنساويين في مصر. وبهذا رأينا الفرق بين الحياة الأولى والموت الأخير, وجهله الأحداث فهم يسألون أنفسهم ولا يهتدون إليه.
لا يستحي بعض الأحداث من ان يقولوا أن محمد علي جعل من جدران سلطانه بنية من الدين.

أي دين كان دعامة للسلطان محمد علي. .. دين التحصيل؟ .. دين الكرباج؟ .. دين من لا دين له إلا ما يهواه ويريده؟ وإلا فليقل لنا أحد من الناس : أي عمل من أعماله ظهرت فيه رائحة الدين الإسلامي الجليل.

#آيات_عرابي

#معركة_الوعي

المقال من كتاب أعلام وأقزام في ميزان الإسلام ص 9, 10, 11

One thought on “محمد عبده : محمد علي لم تكن لديه رائحة الدين

Comments are closed.