يوميات مارينجوس

 

نزل قصير القامة من الهليكوبتر الحربية بعد أن أخلى الشوارع، وهبط من الصندوق الحديدي إلى ساحة تم اخلاؤها يحيط بها 25 ألف جندي لحراستها وتحدها الأسلاك الشائكة، بعد أن أغلق الطرق 4 ساعات مشطت فيها الطائرات المنطقة التي سينزل فيها ليحلف يمينه الغموس الذي حنث به قبل سنة.

ولم تفلح نظارة الشمس التي ارتداها في منحه الهيبة التي أرادها وظهر قصر قامته الواضح بين حراسه، وعلى العكس مما أراد مخرجو المشهد، فقد ظهرت حالة الذعر والرعب الدائمة التي يعيشها، ودخل إلى المحكمة التي حلف فيها رئيسه محمد مرسي القسم ليلقي قسما سريعا متلهفا بلهجته المتلعثمة ثم انتقل إلى القصر الجمهوري ليستقبل من دعاهم في مراسم بدت رغماً عنهم باهتة، فهو لا يبدو مقنعا وفضيحة انعدام الإقبال على انتخابات العسكر اطفأت كل فرحتهم والشارع المنتفض ضده أخمد رونق حفل تتويج مندوب العسكر في قصر الرئاسة المغتصب، وفي المساء استعد قصر الاتحادية لتقديم المشهد الثاني من المسرحية، فتمت دعوة رؤساء العالم وحكامه لحضور حفل تتويجه، وخرج بابتسامته الشبيهة بالنحاس الصديء يحيي المدعوين بإشارة من يده استحضر فيها مشهد المخلوع وهو يحيي منافقيه في مجلس الشعب، وبدأ يلقي الكلمة التي جهزوها له فتصاعد إيقاع الكوميديا.

وكالعادة خرجت منه التعبيرات المعتادة (شعب ميسر العزيم) .. (لا إكصاء) … إلخ .. وتلعثم أكثر من مرة واضحكتنا مخارج ألفاظه المتلعثمة، ثم حاول أن يرتجل ليقلد عبد الناصر، فجاءت المحاولة مثيرة للشفقة.

 كان أكرم له أن يخفي كل هذه الضحالة خلف زيه العسكري، يلقي أوامر سطحية للجنود، يدير فندقاً أو محطة بنزين للقوات المسلحة ويحصي الإيرادات آخر النهار بدلا من تلك المسخرة التي رأيناها وسمعناها في كلمات ممطوطة بصوت مسطح ومخارج ألفاظ متعثرة وابتسامة صدئة وانعدام رؤية وفراغ عقلي، ذكرني المشهد بفيلم لفريد شوقي يعرض قصة خيالية لا تخلو من الكوميديا عن سلطان بورينجا مارينجوس الأول الذي جاء في زيارة لمصر وأرادوا حمايته من الاغتيال فوضعوا مكانه فريد شوقي غير المتعلم الذي يعمل حمالا في إحدى محطات القطارات، بدا لي المشهد كما لو كان اقتطع من الفيلم، تذكرت رئيس مصر المختطف وهو يخطب بلغته العربية القوية، وهو يقول (كانوا رجال لا يقبلون الضيم)، فبدا لي المثل العربي (ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة) خير تعبير عن المقارنة !

فمرسي الواثق وتعبيراته القوية وفصاحته ونظراته الجادة حين أدى اليمين الجمهوري رئيسا بدا رجلاً واثقا يعلم أنه منتخب، أما الآخر فبدا مجرد شخص بائس يحاول التظاهر بأنه رئيس !

 أراد الحفل تتويجا له يحضره الملوك والرؤساء، فحضر رئيس دولة أفريقية تظهر بصعوبة على الخريطة, ولا يزيد عدد سكانها عن عدد سكان حي الهرم، ووزير الثروة الحيوانية السوداني وهو ما أشعل مواقع التواصل الاجتماعي سخرية من المفارقة !

المفارقة الأكبر أن واقعة أخرى لفتت انظار العالم بعيدا عن حفل مارينجوس، فاليوم انتهى بفضيحة اغتصاب 9 فتيات في التحرير على يد الهمج والمجرمين، وبدلا من أن تتحدث صحف العالم عن مظاهر الحفل الذي أراده مارينجوس مهيباً، أصبح العالم كله يتحدث عن فضيحة التحرير !

وانفض الحفل وعاد القرصان مارينجوس صاحب الهاشتاج الأشهر إلى القصر المحاط بالأسوار في الصحراء يحيط به الجنود والحراس يلازمه الرعب، محروم من نعمة الأمن، تطارده من خلفه أشباح من سفك دماءهم وحرق جثامينهم، ودعوات الأمهات والأرامل ومظاهرات المصريين التي لا تنقطع ومن أمامه مستقبله القصير الغامض.