جنينة وصباحي واخواتهم

 

عشرات الأيدي والأصوات تمتد إلى الثورة في محاولة لتبريدها, هناك من يمسك بأنابيب اطفاء عملاقة يصوبها إلى مجرى الثورة, فيثير الضباب حول الأهداف الواضحة, أحياناً تحرز تلك الأصوات هدفاً وأحياناً تخفق, والأمر كله مرهون بعد إرادة الله بوعي الثوار لما يحاك لهم.

سيرك تنصبه المخابرات وباقي أجهزة الإنقلاب على مدار الساعة للثورة, وبالسيرك عدة فيترينات, هناك فيترينة الثوري الكومبارس والتي يقف فيها حمدين صباحي ليعتبر شهداء رابعة شهداء بعد حوالي عامين ونصف من المجزرة وبعد أن كتب هو شخصياً وقتها على حسابه على تويتر, يدعو لفض الاعتصام والوقوف مع جيشهم وشرطتهم حسبما قال, ثم يدعو الثوار لعدم النزول في ٢٥ يناير.

ثم فترينة عرض كبيرة تعرض بهلوانات آخرين يقدمون “فقرات” مختلفة, فها هو برلمان العسكر بكل ما فيه من مهرجين وأعداء للثورة يستقطب جزءاً من اهتمام معسكر الثورة لتعمل (ماكينة الألش) بلا هوادة على مدار يومين, على مرتضى منصور الذي حلف بالطلاق ولم يشأ الاعتراف بالثورة وعلى ميكروفون مفتوح (عمداً) لينقل حديثاً سوقياً بين اثنين من مهرجي العسكر يقول أحدهما للآخر (العملية ناشفة ومفيش فلوس) وهذا مصطفى بكري ينسحب من ائتلاف (أي حاجة في حب ماسر) .. إلى أخر كل تلك الفقرات التي لا تنتهي التي اخرجها مجموعة من الخبراء في نفسية المصريين والذين يدركون عشق الشعب المصري للنكتة.

ثم فترينة أخرى كبيرة تضيء حولها مصابيح النيون وفوقها لافتة عن (الحفل الكبير) الذي يحييه المطرب هشام جنينة عن الفساد الذي ظهر فجأة.

والفساد الذي يتحدث عنه هشام جنينة يظهر فجأة ويختفي فجأة ولا يظهر الا في أوقات تعاني فيها عصابة الإنقلاب من الأزمات, تلتفت أعين الجميع إلى بقعة الضوء الدائرية المسلطة على المطرب هشام جنينة وتدق الطبول ليقف محيياً الجمهور ثم يبدأ في اداء (فقرته).

وحوله أصوات تصنع الضجيج الإعلامي المطلوب لتسخين المشهد, فهذا المذيع يقرر أنه خطر على الأمن القومي وهذا يصفه بالإخواني (على الرغم من موقف هشام جنينة الواضح من الانقلاب وتأييده لفض اعتصام رابعة بل وتأييده لشاويش الانقلاب ووصفه بأنه أمين على مصالح الشعب !!).

وتبدأ حشود المتضامنين مع (أبو الجناين) في التوافد إلى خشبة مسرح وسائل الإعلام البديلة على مواقع التواصل الاجتماعي, فهذا علاء الأسواني (الذي كان يصف شاويش الانقلاب بأنه ايزنهاور مصر ثم ادار ظهره للانقلاب حين لم ينل ما كان يرجوه) يتضامن مع المطرب ويصفق له في حربه المزعومة ضد الفساد الذي يتوقف عند جنينة على 600 مليار جنيه, ولا يجرؤ أن يصل إلى شاويش الانقلاب أو إلى عصابة المجلس العسكري.
ثم ينهي أبو الجناين وصلته الغنائية, وهو يبتسم ابتسامة سمجة قائلاً (مش هتكلم الا بعد 25 يناير عشان ما اسخنش الشعب).
أي أنه يخشى انهيار الإنقلاب والمؤسسات التي يتهمها هو نفسه بالفساد ؟؟ !!

يا حلاوة يا ولاد !!

ثم يطلب منا البعض أن نصدق هذا الفيلم وأن نمد أيدينا مبتسمين في أكياس الفشار لنستمتع بمعركة محاربة الفساد المزعومة التي تُبث على شاشة السينما ؟ !!

المدهش في تلك الفقرات, أن البعض ينجرف بسهولة لتصديق المطرب الحساس أبو الجناين محارب الفساد وهادم السرقات وفاضح العصابات, دون أن ينتبه إلى المخرج الذي يقف خلف الكواليس يمليه ما يقول, ودون أن ينتبهوا إلى دلالة التوقيت وخطورته ودون أن ينتبهوا إلى أن المقصود هو تحويل قطاع من المعسكر الرافض للإنقلاب إلى خانة “المعارضة” ولو في اللا وعي, وإحداث حالة من الرخاوة النفسية بين الثوار, وإلى أن الإنقلاب يتعامل مع الثورة بتكتيك تبريد تدريجي, فيصب الرغوة من أنبوب إطفاء الحريق على أكثر النقط اشتعالاً لينفرد بنقطة أخرى وهكذا, وهي معركة لم تتوقف منذ الإنقلاب حتى الآن.

وما زال إعلام الإنقلاب يلقي بالكرة في أوقات محسوبة بدقة ويثير الزوابع في معسكر الإنقلاب, ما زال قادراً على تحريك قطاع من معسكر الثورة بخدع واضحة وما زال قادراً على إحراز الأهداف.

مؤسسات الإنقلاب تشن الحرب على الوعي على مدار الساعة, وتمرر لنا عبر عرائس الماريونيت مثل جنينة وصباحي وأخواتهم ما تريد تمريره.

نحن الآن أحوج ما نكون إلى الوعي.