في سنة 1969 غنت طفلة إيطالية أغنية بعنوان أريد قطتي السوداء، كانت الأغنية تجسد حزن الطفلة بعد أن أعطوها قطة بيضاء بدلا من قطتها السوداء، بالطبع البكاء والزن أمر لا يقدم ولا يؤخر في حل المشاكل، ولكنه قد يقبل من الأطفال كاستراتيجية لا يحسنون غيرها لاستجلاب العطف والوصول لما يريدون، أما في حال الكبار فقد يقبل من النساء والأمهات في سياقات وظروف معينة، إما أن يتحول البكاء لاستراتيجية لتغيير واقع سياسي يدعمه النظام العالمي، فنحن أمام آية من آيات الله الذي خلق الليل والنهار والمؤمن والكافر والحكيم والمعتوه، ” وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ” (الصافات)، لنشهد حكمته وإعجازه ونحقق عبودية التفكر ونحمده عز وجل على نعمة العقل التي حرم منها الكثيرون ” وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ” (الأعراف)، فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به غيرنا وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا
المهم أنه تم استغلال نجاح لحن “أريد قطتي السوداء” وتم إنتاج عدة نسخ بلغات مختلفة، وفي سنة 1973 غنت فيروز النسخة العربية بعنوان “كان الزمان”. تدور كلمات النسخة العربية حول قصة حنا السكران الذي يغني من خلف دكان ويصل صوته لابنة الجيران التي تتأثر بغنائه، ويكرر الأمر بشكل يومي روتيني يضاهي العادات المنتظمة للعصافير أو الأطفال الذين يأتون للعب عند الدكان الذي يجاور بيت ابنة الجيران. يمر الزمان وتتغير الأحوال ويكبر الأطفال وينهدم الدكان ويعمر مكانه بيت جديد، بل وحتى ابنة الجيران تتزوج وتترك المكان، ورغم كل ذلك يظل حنا السكران مواظبا على عاداته القديمة ويرسم صورة ابنة الجيران على الحائط، فهو سكران لا يكاد يفيق، ولا يدرك أن الدنيا قد تغيرت من حوله وهو لا يزال يعيش في وهم ابنة الجيران.
تذكرت قصة حنا السكران وأنا أشاهد فاعليات مناهضي الانقلاب في الخارج، فالقوم لازالوا يعتقدون أن الخطب والشعارات الجوفاء والبكائيات ستسقط السيسي “الذي انقلب على الشرعية والدستور والديموقراطية والمهلبية”، ولم يدركوا بعد أن مشكلتنا ليست فقط إنقاذ مصر من السيسي وعصابته، وإنما معركتنا الحقيقية هي إنقاذ الشعب المصري المسلم من ذلك الكيان الاستعماري المسمى مصر، فالدولة المصرية بكل مؤسساتها ومكوناتها الحسية والمعنوية هي عدونا الأول منذ صنعها الرجل الأبيض لتكون أول لبناته في قلب العالم الإسلامي، وحجر الأساس الذي بنيت عليه بقية كيانات سايكس بيكو، ولولا مصر لما كانت “إسرائيل”، وقد مللت من تكرار الكلام عن مراحل تأسيس الدولة المصرية، ومن يريد الاستزادة يمكنه مطالعة مئات المقالات على موقعي تتناول تاريخ الدولة المصرية الحديثة ومؤسساتها وحروبها ورموزها بالتفصيل.
لقد تحولت فعاليات القوم لمشهد يحاكي المولد الذي يتكرر سنويا بكل تفاصيله، بما فيها اندساس المجرمين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الأمر، بل هم من صنعوا الانقلاب، وانتشار بائعي الحشيش الفكري الذين يسطلون الحضور بخطاب جعجاعي يسكن عواطفهم ومشاعرهم الجياشة لنصرة الحق، والدجالين والمشعوذين الذين يرددون يسقط الانقلاب يسقط الانقلاب يسقط الانقلاب (أصلا الانقلاب دا عفريت والكاهن يأمره يخرج ويقرأ عليه تعاويذ وعزائم شيطانية لغاية ما يخرج) ولا ننسى الرقص والدروشة في حلقات الذكر الجماعي “السيسي قاتل السيسي قاتل السيسي قاتل”، حتى تبلغ حالة الوجد والنشوى أشدها ويسكن الجميع وتنتصب لافتاتهم المنددة بالانقلاب الدموي الفاشي وكأنها أعلام الطرق الصوفية متعددة الألوان التي تملأ الموالد، ومع صمت الحضور تبدأ الخطب المزلزلة عن قرب انتهاء “الانقلاب الدموي المستبد الفاسد المغتصب للشرعية”.
وهم بالفعل صادقون فقد قرب انتهاء الانقلاب وانتهى الأمر، بل وأبشركم بقرب انتهاء مولد سايكس بيكو والنظام العالمي القديم برمته، فقد استنفد الانقلاب الغرض منه، وكذلك منظومة سايكس بيكو، ونحن مقبلون على تشطيبات صفقة القرن وتسليم مفاتيح “إسرائيل الكبرى”، والتي ستكون وبالا عليهم بإذن الله ليتحقق وعد الله بنهايتهم ونهاية علوهم فهذا ما نؤمن به نحن المسلمون
ولذلك أنصحهم بدلا من عقد الموالد وحمل الشعارات التي لن تسقط انقلابات أن ينشغلوا بتعليم الناس أحكام التيمم والاستجمار، فسيحتاجونها بشدة في الأيام القادمة خاصة حين يبدأ سد الخراب الإثيوبي في العمل.
الكارثة أن مشعوذو الموالد يعيشون الدور بشدة، ويصدقون أنفسهم جدا، ويصدقون أن الناس يصدقونهم، الأمر أشبه بمن يلبس ملابس انتهت صيحتها منذ زمن، وينظر إليه الناس ويضحكون، وهو فرح يظنهم يضحكون انبهارا به، ولا يدري المسكين أنهم يسخرون منه، بينما في قرارة نفسه يعلم أنه مهزأ ومسخرة ولكنه يكابر، كالعجوز المتصابية التي تخدع نفسها وتبالغ في الزينة، لقد اعتاد القوم أداء أدوارهم وأتقنوها، خصوصا مع كثرة الموالد بدءا من 30 سونيا و3 -7 ووصولا لذكرى مجازر العسكر المتعددة التي حولوها لمصاطب وموالد ومواسم بدعية تذكرك بالأربعين والسنوية.
الإخوة سكارى ومساطيل مولد سايكس بيكو، للأسف أصبحوا يشبهون النكتة الشهيرة عن الأحمق الذى ظل يطارد اللص ويجري خلفه حتى سبق اللص! وتاه منه اللص في زحام المولد ولكنه واصل الجري وظل يجري ويجري حتى انتهت فقرات المولد، وكذلك انتهت فقرات أجندة الانقلاب، حالهم تماما مثل حنا السكران الذي ظل يغني ويرسم صورة ابنة الجيران على الحيطان حتي كبر الأطفال وروي كاتب الأغنية القصة على لسان إحداهن، أنتم أيضا لازلتم منذ 8 سنوات تغنون “ثورة دي ولا انقلاب” وقد دخل الجامعة من كانوا يشاهدونكم وهم في الابتدائي!
* ملحوظة* المقال ليس للتقليل من مجهود الآخرين بقدر ما هو وقفة ليحاسب الجميع أنفسهم
*تنبيه هام: استخدمت في هذا المقال وفي غيره أمثلة ببعض ما تعرضنا له في جاهليتنا من أفلام وأغان، وليس إقرارا ولا حضا على مطالعة المنكرات، ولست مسؤولة عمن يقرأ المقال ثم يبحث في أغاني فيروز
وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ