حلب أرباح البترول من نيكسون إلى ترامب
سنة 1944 وُقعت اتفاقية بريتون وودز والتي بموجبها اصبح الدولار عملة التعامل الرسمية بين دول العالم واشترطت الاتفاقية تغطية الدولار الورقي بمقابل من الذهب حددته الاتفاقية.
وخلال الستينات جرى استنزاف الاقتصاد الأمريكي في حرب فيتنام بصورة جعلت الرئيس الفرنسي شارل ديجول يطلق تصريحات متشككة ضد الدولار الأمريكي.
وضرب التضخم الاقتصاد الأمريكي وأصبحت العملة الامريكية على المحك.
وفي عام 1971 أرسلت فرنسا بارجة حربية ومعها تعليمات بسحب الذهب الفرنسي من بنك الاحتياطي الفيدرالي بنيو يورك. فرفض نيكسون وأعلن في خطاب متلفز أنه وجه سكرتير المالية باتخاذ إجراءات الدفاع عن الدولار.
وكان هذا بمثابة إعلان منفرد من جانب الولايات المتحدة بإلغاء اتفاقية بريتون وودز وبداية عصر النقود الورقية غير المرتبطة بالذهب ولكن كان لابد من عدم ترك تلك الورقة وحدها في مهب الريح وكان من الضروري انشاء طلب على الدولار وربطه بشيء ما.
وكانت الفكرة هي ربط الدولار بالنفط وزيادة الطلب على الدولار عن طريق رفع سعر النفط.
في ذلك الوقت كانت شركات البترول الكبرى (الأخوات السبع) على شفا الإفلاس وكانت بحاجة لبيع النفط المكتشف حديثاً في خليج المكسيك وخليج ألاسكا (وهو نفط ذو تكلفة استخراج باهظة).
فكانت هناك ضرورة لرفع سعر البترول 400 ضعف حتى يمكن بيع بترول خليج المكسيك وخليج ألاسكا.
وكأي سلعة, يلجأ التجار لرفع سعرها كان لابد من إحداث أزمة وإخفائها من السوق.
ولما لم تكن الولايات المتحدة صاحبة الاحتياطات النفطية الكبرى كان لابد أن يدخل آل سعود على الخط في اللعبة (كما جرى أيضاً ابلاغ شاه ايران التي تحتوي احتياطات نفط كبيرة).
وفي البداية اقنع نيكسون فيصل بقبول دفع سعر البترول بالدولار فقط وشراء سندات خزانة أمريكية بفوائض أرباح النفط (مما كان له دور كبير في تدعيم الإنفاق الحكومي الأمريكي).
ثم بدأت لعبة حرب أكتوبر والتي جرى التخطيط لها في اجتماع في شهر مايو في ڤيلا تملكها عائلة والنبرج اليهودية في السويد.
وحضر الاجتماع هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي ورؤساء شركات البترول الكبرى وممثلين عن البنوك (منهم البارون دي روتشيلد من فرنسا) وممثلين عن شركات صناعية أوروبية (مثل شركة فيات الايطالية وشركة سيات) وبعض ممثلي الصحف الكبرى.
واتخذ المجتمعون قرار الحرب.
(نعم ليس السادات الأراجوز هو من اتخذ قرار الحرب كما يقولون للبسطاء في مصر)
وكانت لعبة أكتوبر بمثابة ضرباً عصفورين بحجر واحد, فمن ناحية جرى إرضاء الشعب المصري الذي كان يسعى للثأر من الهزيمة المذلة التي لحقت به في 67 وذلك بإنجاز عبور للقناة في أول أيام الحرب التمثيلية ثم قلب الطاولة على جيش السادات وصولاً إلى عبور القوات المعادية إلى شرق القناة والوصول لبداية طريق العاصمة وأسر أكثر من 8 آلاف ضابط وجندي مما مهد الطريق لاتفاقية السلام التي خطط لها كيسنجر وبالتالي إخراج مصر بكتلتها السكانية من الصراع مع الكيان الصهيوني لإنهاء القضية الفلسطينية بالكامل وهي نتيجة سعى لها كيسنجر.
كانت لعبة أكتوبر بالطريقة التي نفذها السادات هي أعنف ضربة وُجِّهت للقضية الفلسطينية منذ احتلال فلسطين.
ومن ناحية اخرى كانت تلك الحرب التمثيلية ذريعة جيدة منع بها فيصل (بأوامر أمريكية) البترول عن الغرب حتى يتم (تعطيش) السوق للسلعة باستحداث أزمة عُرفت باسم (صدمة النفط) وذلك تمهيدا ليقبل المواطن الغربي والأمريكي برفع أسعار البترول الذي توقفت حياته شهوراً بدونه.
كانت صدمة البترول ووقوف المواطنين الغربيين بالطوابير أمام محطات البنزين وقيام الصحف الاوروبية بالقاء الأمر كله على حكام دول الخليج, هو بطاقة المرور الآمنة لرفع سعر البترول في الغرب بدون مشاكل.
فمن ناحية ليست الحكومات الغربية هي التي رفعت سعره ومن ناحية أخرى, اصبح المواطن الذي أصيبت حياته بالشلل مستعداً نفسياً لشراء البترول بأي سعر وإعادة ترتيب مصروفاته الشهرية على أساس زيادة سعره.
وجرى الاتفاق مع فيصل بعد تمثيلية أكتوبر على ايداع أرباح النفط في بنوك أمريكية وبريطانية.
وأصبح على الدول المستوردة للبترول أن تقترض (بالدولار) من بنوك أمريكا لتشتري البترول بسعره الجديدة (400 ضعف السعر القديم) من دول الأوبك (التي لم تكن تقبل عمله الا الدولار حتى لو من دول عربية). ثم تقوم دول الأوبك (وعلى رأسها آل سعود) إيداع أرباح النفط في بنوك أمريكية.
أي أنه إذا اشترت امريكا مثلاً النفط من آل سعود, فإنها لا تدفع ثمنه كاملاً بل يتم ايداع الجزء الأكبر منه في بنوكها, ثم تقرض (بالفوائد) مبلغاً لدولة أخرى (مصر مثلاً) تحتاج للاقتراض لتعويض الزيادة في سعر النفط ثم ترد المبلغ فيما بعد بالدولار لبنوك الولايات المتحدة مع فوائده.
أي أن الولايات المتحدة لا تدفع شيئاً عملياً وتستمر عملتها في الارتفاع والثبات وتستمر أرصدة الأموال لديها في الزيادة.
وهكذا تم انشاء طلب لا ينتهي على الدولار بل وأصبح الدولار يلد دولارات وهكذا عاد سعر الدولار ليرتفع من جديد وليصبح أقوى عملة في العالم دون ان يرتبط بالذهب.
أموال المسلمين تُحلب منذ أربعة عقود وليست الـ 460 مليار دولار جزية التي دفعها السفيه سلمان من أجل أن توافق أمريكا على تعيين ابنه هي أول مبلغ ضخم يدفعه آل سعود من أموال المسلمين, فقبله دفع الهالك فيصل جزية أكثر فداحة لنيكسون من أجل عيون الدولار وهي مبالغ خرافية يصعب حصرها في مجرد مقال.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يحلبهم فيها رئيس أمريكي (كما وعد ترامب في حملته الانتخابية), ولن تكون الأخيرة, إذا ظلت هذه الأسرة جاثمة على صدر المسلمين تحتل أقدس بقاع الاسلام في مكة والمدينة.
المصادر
حروب البترول الصليبية (د. عبد الحي زلوم)
قرن من الحروب (ويليام انجدال)
التشوه الكبير – فساد الرأسمالية في أمريكا (ديفيد ستوكمان)
وثيقة مفرج عنها لاجتماع مجموعة الأزمة في البيت الأبيض والذي ضم كيسنجر ووزير الدفاع ومدير السي آي إيه
حوار صحفي مع أحمد زكي يماني وزير بترول فيصل
عدد من المقالات على موقع (الهافبوست – كيسي ريسرتش)
تقرير متلفز لموقع روسيا اليوم