آيات عرابي تكتب| إن أردناها ثورة

عندما يكون النظام منتخبا يكون التمرد عليه بداية للفوضى المدمرة, بل انك تكون بصدد تدمير كامل للمجتمع, فالمتمردون في هذه الحالة لا يوجهون تمردهم إلى الرئيس المنتخب فقط, بل إلى قطاع كبير من الشعب اختاره, مما ينسف المباديء التي تقوم عليها عملية الاختيار نفسها.

تظن حين تنسف جزءاً من سفح جبل أنك ستفتح لنفسك طريقاً آمناً, ولا تدري أن الانفجار قد يهيل على رأسك جلاميد من الصخور فيدفنك تحتها بعد أن يسحق عظامك.
هذا بالضبط ما فعلته تلك المؤسسات الخربة التي يطالب بعض السذج بالحفاظ عليها.
في لحظة ما ظنت تلك المؤسسات (جيش – داخلية – مخابرات – قضاء – إعلام) وفروعها الخدمية (الأزهر – الكنيسة القبطية) ومخزونات الدعم الإعلامي الخاصة بها (دعوة سلفية – دعاة – شخصيات عامة) حين قامت بالتحضير للانقلاب أو توفير الدعم الإعلامي له او امداده بأنابيب التنفس الشعبية حتى حين, أو تخدير قطاع من الشعب وتثبيطه عن مقاومة الانقلاب, انها قد اصبحت في مأمن وأنها قد ازاحت التهديد الحقيقي الوحيد في عمرها القصير بالتخلص من الرئيس المنتخب الإسلامي والذي كان بمثابة جسم غريب زُرع عنوة في جسد خرب.

والحقيقة أنك إن أمعنت النظر, فستجد الصخور قد بدأت تنهال على رأس تلك المؤسسات إيذاناً بانقراضها, فالجيش الذي ظل قبل الانقلاب درة مؤسسات الدولة, قد فقد شعبيته تماماً (دعك من لجان العسكر الالكترونية وبهاليل شرفاء الجيش الوهميين), وأصبح مسلحي ولاية سيناء يتسلون بممارسة هواية اصطياد مدرعاته وقنص جنوده وضباطه.

السد الإعلامي المنيع الذي أقامه ذلك الجيش حول نفسه قد انهار, واتسع الشق في الجدار وتسربت فيديوهات التعذيب التي يرتكبها في سيناء والتقارير اليومية عن الغارات التي يشنها على منازل المصريين في رفح والشيخ زويد وغيرها, والتنسيق الأمني العلني مع العدو الصهيوني, وقس على هذا باقي المؤسسات.

الحديث الآن عن الحفاظ على تلك المؤسسات التي أثبتت المراجعة التاريخية الدقيقة أنها فيروسات زُرعت في جسد الأمة الإسلامية وظلت كامنة لتنشط في وقت ما, هو بمثابة قبلة حياة للانقلاب, في وقت يعاني فيه الانقلاب من فشل ذريع يراه حتى من وقفوا يهتفون بسقوط الرئيس المنتخب.

اللعبة لم تُحسم لصالح المؤسسات في 30 يونيو بل العكس هو الصحيح, كان الانقلاب بداية الشق المتسع في الجدار, بداية الانفجار في سفح الجبل لتسقط الصخور على رأس تلك الدولة فتهدمها. صحيح أنه من حين لآخر يمد أحدهم يده ليحمي تلك الدولة من صخرة ما, ولكن يديه سرعان ما ستخونه وتسقط الصخرة ويسقط معها ليستمر تهاوي تلك المؤسسات.

في لحظة فض اعتصام رابعة بدا للبعض أن العسكر في أوج قوتهم, وهي بالذات اللحظة التي بدأ فيها سقوطهم التدريجي, كانت لحظة المجزرة رسالة إنذار وصدمة وجهها العسكر للجميع, فمن ناحية هم قادرون على التعامل نفسياً وإعلامياً مع المغيبين من مناصريهم وتشويش المجزرة ومن ناحية أخرى كان دور المجزرة أن تحدث الصدمة المطلوبة لدى القوى الإسلامية.

ويمكن تفسير ما تلى ذلك من جرائم بالتفسير نفسه, فجرائم الاغتصاب التي مارسها العسكر على الفتيات وموجات الغلاء ورفع الدعم عن الوقود, كلها تصب في خانة السيطرة النفسية على المجتمع.

وعلى الرغم من كل ذلك فمازالت الصخور تتحرك لتهبط على رؤوسهم, ربما تتحرك ببطء ولكنها تتحرك.
أزمة الليبراليين في كل هذا هو أنهم كالديناصورات, يحاربون من أجل وجودهم في بيئة لم تعد مؤهلة لقبولهم, فهم يريدون تلك المؤسسات التي اعتادوا عليها, ذلك الجو الذي وُلِدوا فيه.
يريدون الإبقاء على تلك الحدود, حتى لو كررت أمامهم الف مرة أنها منتج استعماري لتفتيت دولة الخلافة, حدود أصبحت لديهم ديناً ومؤسسات أصبحت لديهم في حكم المقدسات.
وإن أردت أن تفهم موقفهم, فعد ببصرك إلى مؤتمر الرياض والذي حرص على تأكيد ما سماه بمدنية الدولة, وطرد المقاتلين الأجانب.
ستدرك وقتها ما الذي يدافع عنه هؤلاء.

كلما ظهر صدع في الجدار امتدت إليه أيديهم, من ناحية هم غير قادرين على استيعاب المتغيرات الإقليمية ولا انعكاساتها على مصر, ومن ناحية أخرى هم يريدون بيئة يفهمونها, بها خرقة يسمونها علماً وعصابات يسمونها جيشاً ومرتزقة يسمونهم شرطة وموزعي مخدرات يسمونهم قضاءاً.

هل تذكر ذلك الرجل في فيلم “وداعاً شاوشينك” الذي افرج عنه وغادر السجن بعد سنوات, فلم يحتمل الحياة خارج السجن وقتل نفسه ؟ !
هذا بالضبط هو حال الليبراليين ومعهم بعض الدراويش الذين ينتظرون شرفاء الجيش المختبئين في السرداب, ولذلك فإن هؤلاء المساكين السذج يرحبون جدا بـ “نصف ثورة”
نصف ثورة يتقدم فيها الثائر الكيوت الصفوف رافعاً يده وهاتفاً ضد النظام فيسقط واجهة النظام.
نصف ثورة تبقي المؤسسات ليتقدم هؤلاء عارضين رؤيتهم على الشاشات.
إن أردنا ثورة حقيقية, فعلينا أولاً أن ندرك أن مؤسسات العسكر قد تلقت تطعيماً جيداً ضد الثورة بالتحركات العفوية من الثوار في 2011.

إن أردنا ثورة حقيقية فعلينا أن نراجع ما فعله الثوار في 28 يناير.
الثوار الذين أحرقوا عربات الشرطة وسيارتي شرطة عسكرية واضرموا النار في مدرعات الجيش المصرائيلي التي حاولت الاعتداء عليهم.
هناك في تلك الساعات تكمن الثورة الحقيقية.