آيات عرابي تكتب | الإلهاء الإعلامي صمام أمان الأنظمة العسكرية!

منذ أربعة أيام (في الرابع عشر من مايو) كتبتُ منشوراً مطولاً نوعاً ما على صفحتي شرحت فيه ارتباط توقيت رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق بنقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة, وقلتُ إن القرار رغم أنه كان مخططاً منذ مدة في إطار أجندة مكلف بها الانقلاب لكن لا يمكن فصل توقيته عن توقيت نقل السفارة الأمريكية.

وقلتُ إن قرار الزيادة ضرب عصب الطبقة الوسطى في العاصمة الذي يتفاعل عادة مع الأحداث السياسية ويظهر اهتماماً بها.

بالطبع كان هناك كالعادة, المتشائمون الذين يرون أن هذه الحسابات مبالغ فيها لأن الشعوب (من وجهة نظرهم) ماتت ولا يُعَوَّلُ عليها إلى آخر هذا الخطاب الذي من الواضح أنه صادر عن نفوس أصيبت بالإحباط وهم معذورون في ذلك.

لكن الحقيقة أن من يقومون بهذه الإجراءات, يمتلكون القدرة على رؤية المشهد بأفضل مما يفعل الإخوة المحبَطين ورؤيتهم هذه ليست قاصرة على مشاهدات يمكن لشخص محبط أن يراها في عمله وفي الحي الذين يسكنه, بل تمتد رؤيتهم لتغطي دولة بأكملها.

والحقيقة أنه لو لم تكن أنظمة العسكر تخشى الشعوب لما كانت هناك كل تلك القنوات التي تبث من مدينة الإنتاج الإعلامي ولما كانت كل تلك الأجهزة ولما كانت هناك حاجة للصحف ولا للبيانات الرسمية.

الالهاء الاعلامي هو صمام أمان للأنظمة العسكرية. لكن في مقابل من يفكرون بهذه الطريقة, هناك من يصرون على طريقة التناول القديمة وهي ان كل الاحداث تحدث من تلقاء نفسها ولا رابط بينها.

فكرة أن الشعوب ماتت هي فكرة باعثها الأول هو اليأس وباعثها الثاني هو محدودية الرؤية. الأمور إذاً لا يمكن أن تؤخذ بهذه الصورة البسيطة.

أذكر أنني بعد هذا بيومين تقريباً, كتبتُ معلقة على ظهور عسكري الانقلاب في مؤتمر شبابي ما, أن ظهوره جاء لإطلاق بعض التصريحات الفكاهية أو الصادمة لتمتص جانباً من ردود الأفعال وهو ما حدث بالفعل.

ويجب أن نتفق جميعاً أن عسكري الانقلاب الذي عانى طويلاً من السخرية والنكات التي تنطلق صوبه كلما تحدث, لابد أن يكون على حذر خصوصاً وأنه لم يفق بعد من موضوع (الصواريخ البلاستيكية).

وأتصور أن هذا صار مفهوماً لكثيرين. ظهور عسكري الانقلاب بدون داعِ وفي وقت يقع فيه حدث غير عادي, وتنتقل فيه السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة ليحدث الناس عن موضوعات لا يمكنك حتى تذكرها, لهو في حد ذاته مؤشر على أن ظهوره جاء لهدف آخر غير ذلك المعلن.

المثال الأبسط على الإلهاء هو حضور المخلوع لمباراة كرة قدم بعدما وقعت كارثة العبارة سالم إكسبرس وهناك عشرات الأمثلة على استخدام الإلهاء في أوقات الأحداث الهامة.

المسألة أن الإلهاء الإعلامي هو صمام أمان للأنظمة العسكرية. لكن في مقابل من يفكرون بهذه الطريقة, هناك من يصرون على طريقة التناول القديمة وهي أن كل الأحداث تحدث من تلقاء نفسها ولا رابط بينها.

وهنا ونحن نرى هذه التغيرات الكبرى في منطقة الشرق الأوسط, يثور السؤال. أليس من الضروري مراجعة كل ثوابت الإعلام؟

هل يجب أن نستمر في الإعلام على طريقة نقل الخبر ثم الاتصال بفلان ما ليقوم بالتعليق عليه؟

هل الإعلام هو فقط وضع روايتين متقابلتين أمام بعضهما البعض؟

هل الإعلام هو فقط نقل الخبر دون البحث فيما وراءه؟

ألا يجب علينا جميعاً أن نعيد النظر في الإعلام الذي تستخدمه الأنظمة العسكرية في توجيه الشعوب؟

هل القواعد الإعلامية (بخلاف الأمانة المهنية في النقل وغيره) هي ثوابت لا يمكننا العدول عنها أم أنها قواعد مرنة يمكننا أن نعيد النظر فيها؟