(مقال أرشيفي – 25-2-2020)
مخطئ من يُقصر الدور الروسي علي ما يحدث في سوريا وليبيا وشمال أفريقيا، أو حقبة عبد الناصر والدور الذي لعبه السوفييت في وقف عدوان القوى الاستعمارية القديمة في 56 ومواطئة الأمريكان علي ما بعد لعبة تأميم القناة، أو استخدام الأمريكان جمال عبد الناصر لمناورة الروس، الوجود الروسي لا يمتد فقط إلى ما بعد سايكس بيكو!
كان علي بك الكبير ابن قس من روسيا جاؤوا به إلى مصر وهو في الثانية عشرة من عمره وباعوه لاثنين من التجار اليهود في الاسكندرية فباعوه بدورهم للمماليك وصار مملوكاً وتدرج في سلك المماليك، وتزوج نفيسة البيضاء وهي مجهولة الأصل ولا يُعرف لها أصل محدد ولكن هناك علامات عجيبة في تاريخها, فقد تزوجت محمد بك أبو الدهب بعد مقتل علي بك الكبير ثم تزوجت مراد بك حين احتل الفرنسيون مصر، ودعت نابليون إلى العشاء في قصرها بعد هروب زوجها مراد بك وسمحت بتمريض الجرحى الفرنسيين في قصرها هذه الأحداث تحمل اشارات لا تخطئها العين على ان هذه المرأه تقع في الجانب المعادي من التاريخ)
كان الخائن علي بك الكبير، انقلب على الوالي العثماني ومنع وصول الولاة العثمانيين من الاستانة، ومنع دفع خراج مصر وراسل روسيا عدوة المسلمين لمساندته ضد الدولة العثمانية في وقت كانت روسيا في حرب مع الدولة العثمانية وحاول الاستقلال بالحجاز والانفصال عن الخلافة العثمانية يروي الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله كيف بدأ الروس المتحالفون مع علي بك الكبير يقيمون دولة يهودية تابعة له في فلسطين لتدعيم حكمه ويصفها بأنها كانت دولة صهيونية مملوكية وهو بالمناسبة نفس ما فعله محمد علي (وكان ماسونيا وشيعياً ومحاطاً برجال فرنسا وهم من انشأوا له جيشه تحت اشراف الكولونيل سيف الذي ادعى الإسلام وكان في الأساس ضابط مخابرات في جيش الاحتلال الفرنسي – أوراق البحر الأبيض المتوسط)، فحاربه محمد بك أبو الدهب وهزمه وأعاد مصر وفلسطين للدولة العثمانية، وانتصر عليه ومات الخائن علي بك الكبير متأثراً بجراحه
في الحقيقة كان علي بك الكبير المشكوك في إسلامه وزوجته مجهولة الأصول المتعاونة مع الاحتلال الفرنسي هم الخونة الحقيقيون وهم أول من وجهوا ضربة معول للنظام السياسي للخلافة العثمانية من الداخل والذي يبدو أنه كان قويا فصمد حتى بعد الضربات التي وجهها له محمد علي وكان محمد بك أبو الدهب هو الذي أنقذ الخلافة العثمانية من هذه المخططات الخطيرة
وإن بحثت في التاريخ الحديث لوجدت مثلا أن سعد زغلول المعروف بعمالته للإنجليز تحول بقدرة قادر إلى صديق الشيوعيين وكان لما يسمى بثورة 1919 دور كبير في نزع الإسلام وزراعة ما يسمى بـ الوطنية القائمة على الإشتراكية سعد زغلول تفاوض مع الاحتلال البريطاني فعلياً على اقامة الجمهورية وإلغاء الملكية وهو ما لاقى معارضة من أعضاء الوفد أنفسهم من طبقة الإقطاعيين (مصطفى أمين في كتابه أسرار ثورة 1919 يلمح بالقول أنه لهذا السبب بدأ انقلاب يوليو 1952 بتصفية ما يسمى بطبقة الإقطاع قبل اعلان الجمهورية وهو ما يكشف أن إعلان الجمهورية تأخر 33 سنة وكان سعد زغلول يريد أن يكون أول رئيس للجمهورية كما يظهر من أحاديث بعض زملائه)
المعلومة المتناقضة هي أن سعد زغلول بدأ تحت كنف ورعاية الاحتلال البريطاني وهو من البداية وهو من تلاميذ الماسوني جمال الدين الأفغاني (ايراني شيعي كان يعمل لحساب الاحتلال البريطاني حسب مذكرات الخليفة عبد الحميد رحمه الله) ثم من تلامذة محمد عبده وهو عميل للبريطانيين عينه اللورد كرومر مفتياً وكان ماسونياً هو الآخر.
وسعد زغلول كان من خريجي صالون نازلي فاضل الماسونية وكان ضمن جماعة من العلمانيين الخونة الذين يرعاهم الاحتلال البريطاني فيما سمي باسم حزب الأمة والذي كان يمدحه اللورد كرومر والبريطانيون هم من عينوه وزيراً للتعليم
فلماذا عمل ضد بريطانيا ؟ ولماذا رفض عرض بريطانيا بتولي ملك مصر ؟
الجواب تجده في تقارير البريطانيين أنفسهم
وكانت تقارير بريطانيا تقول أن روسيا الشيوعية تساعد سعد زغلول على الثورة ضد بريطانيا، وروسيا الشيوعية والاشتراكية نفسها هي أحد الأذرع الماسونية الرأسمالية في العالم وأحد أهم منتجات عالم السر والخفاء (كما يحب أن يسميه د. بهاء الأمير) أو عالم المؤسسات النقدية التي تحكم العالم، وروسيا الشيوعية واشتراكيتها يتم استخدامها في مناطق مختلفة في العالم، لا لاستقرارها، ولكن لنقلها لمسار جديد من المسارات التي تريدها القوى التي تحكم هذا العالم
وهنا قد يتعجب البعض من أن الاشتراكية الروسية هي اختراع المنظمات السرية الرأسمالية لأن المفهوم الدارج عن الاشتراكية يندرج تحت الشعارات الخلابة التي تنادي بالحرية والعدالة الاجتماعية
ولكن لو راجعت المصادر التاريخية لوجدت أن مصطلح الاشتراكية القومية هو من صناعة اليـ هـ ودي الألماني الرأسمالي (موشيه هس) وانتشر هذا المصطلح نفسه بعد استخدام كارل ماركس له، وكارل ماركس نفسه أصلا يهودي واسمه الحقيقي (حاييم هيرشل مردخاي)، وينحدر من أصول رأسمالية في الأصل، بل أن أسرته تربطها علاقة مصاهرة مع عائلة روتشيلد الشهيرة (المصدر د. بهاء الأمير)
ويقول د. بهاء الأمير أنه حتى ما يسمى بالثورة الشيوعية وتحويل روسيا الشيوعية من دولة زراعية إلى دولة صناعية كان عبر يهود الولايات المتحدة الرأسمالية الليبرالية وبنوكها وشركاتها الصناعية والتجارية
إذا الموضوع كله أدوار وظيفية توزعها المؤسسات الاقتصادية التي تحكم العالم عن طريق هذه الدول بتقسيماتها المختلفة للتلاعب بشعوب العالم
ولذلك إن أمعنت النظر مثلا فيما يسمى بثورة ١٩١٩ ستجد دلالات كثيرة تظهر لك كالومضات وستقرأ ما لن تستطيع تفسيره والذي يوضح بشكل أو بآخر التدخل الروسي واليهودي في تحركات سعد زغلول
ففي كتاب (يهود وادي النيل) لجوئيل بنين, يتحدث الكاتب عن دور اليهود المصريين فيما أسماه بـ (الحركة الوطنية) المصرية ويذكر دور ليون دي كاسترو اليهودي سكرتير سعد زغلول وهناك ما ستعجز عن تفسيره وهو الطابع الليبرالي العام لثورة 1919 وظهور النزعة الوطنية ثم تلك التصرفات شيوعية الطابع التي سلكها سعد زغلول، فمطالبة سعد زغلول الجمهورية وإلغاء الملكية هو بالضبط ما فعله ضباط السي آي إيه الانقلابيون بعده بـ 33 سنة بل أن النقابات العمالية وهي العمود الفقري للحركة الشيوعية في أي مكان, لم تنشأ الا بتوجيهات من سعد زغلول لعبد الرحمن فهمي رئيس الجهاز السري لثورة 1919
وهذه أمور لا يمكن تفسيرها الا بوجود محرك خفي لأعمال الثورة
وهناك عدة دلالات على تواصل سعد زغلول مع الشيوعيين, فهناك الإعلان الذي أصدره لينين بالدعوة لتحرير مصر والهند من الاحتلال البريطاني وهناك الرسالة التي أرسلها لينين نفسه إلى سعد زغلول يعلن فيه دعمه للثورة بل وهناك الرسائل التي ارسلها لابراهيم هنانو والتي دعا فيها لينين لثورات لتحرير مصر وسوريا وفلسطين والعراق من الاحتلال البريطاني والفرنسي وكان ذلك, في توقيت ثورة 1919 وهناك التقارير الرسمية البريطانية نفسها والتي تقول أن الشيوعيون الروس يحركون ثورة ضد البريطانيين في مصر. وكان هناك وقتها حوالي 10 آلاف روسي مطرودين من روسيا يقيمون في مصر والله اعلم من منهم كان يتواصل مع سعد زغلول وحركته.
الأكثر إثارة للدهشة هو سكرتير سعد زغلول, ليون دي كاسترو اليهودي وهو من يهود الدولة العثمانية وكان مرافقاً لسعد زغلول في لندن. فرغم الطابع الليبرالي لثورة 1919, إلا أن ليون دي كاسترو بعد وفاة سعد زغلول كان من داعمي حركة الشباب الماركسيين في مصر !!
ولا أحد ينتقل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار هكذا
لا أحد يتحول من الليبرالية (كما يبدو من الاتجاه العام لما يسمى بثورة 1919 واتجاه سعد زغلول نفسه والذي كان ليون دي كاسترو سكرتيرا له), إلى الشيوعية
لسنا إذاً بصدد تحول فكري
الدلائل على تمويل أعمال ثورة 1919 كثيرة, بل وكان التمويل للثورة كبيراً حتى أن سعد زغلول نفسه سرق لنفسه ما يزيد عن 80 الفاً من الجنيهات ونشر هذا الاتهام في الصحف المنافسة له وهو مبلغ خيالي في ذلك الوقت.
في كتاب عودة الحجاب وغيره, شرح مفصل لتهجم سعد زغلول على الحجاب ومعه مجموعة من رائدات خلع الحجاب (هدى شعراوي وغيرها) المحاربات للدين. وفي كتب أخرى, ستقرأ عن دور سعد زغلول في رعاية كتاب (المرأة الجديدة) لقاسم أمين والذي دعى فيه لتعري المرأة وكل هذا صحيح واسوأ, فسعد زغلول لم يكن فقط سكيراً ومدمناً للقمار, بل كان خائناً محارباً للدين ولا شك في هذا ولكن لحساب من ؟
ومما يزيد الصورة ارباكاً هو وجود أكثر من طرف في ثورة 19
كان هناك جموع المصريين الأبرياء المطالبين بالاستقلال من الاحتلال البريطاني والذين حركهم سعد زغلول وهؤلاء كانوا يطلبون الاستقلال دون ان يعلموا الراية التي يعمل تحتها سعد زغلول
وكان هناك رفاق سعد زغلول من الإقطاعيين الذين اعترضوا على إعلان الجمهورية والإطاحة بالملك فؤاد
وكان هناك سعد زغلول نفسه باتصالاته الغامضة بالشيوعيين وهؤلاء الشيوعيون كانوا يعملون لتصدير الثورة الشيوعية (قامت الثورة في سوريا ضد الاحتلال الفرنسي وهي ثورة مسلحة بقيادة إبراهيم هنانو ويعترف ابراهيم هنانو بأن لينين اتصل به وشجعه على الثورة ضد الفرنسيين)
ما وصلت إليه خلال شهور من القراءة المضنية (وهي مجرد بداية للبحث) هو أن ثورة 1919 كانت شيوعية وأن التقارير البريطانية عن تحريك الشيوعيين لها تقارير صادقة تماماً
وأن سعد زغلول كان قد بدل السيد الذي يعمل لحسابه من بريطانيا إلى الاتحاد السوفييتي (تماماً مثل عبد العزيز آل سعود الذي جندته المخابرات البريطانية ثم ما لبث أن قبع تحت أقدام السيد الأمريكي الجديد عند ظهوره)
وأن ثورة 1919 رغم تضحيات الشعب الكبيرة (وهي نموذج مثالي للثورات الحقيقية وليس لحركات الاحتجاج كما يحلو لبعض الناشطين تسمية هتافاتهم بعد 25 يناير) كانت ثورة في الاتجاه الخطأ, فالعبرة في الثورات لست بنوايا المشاركين فيها بل بمخططات من يديرونها و يحركونها.
كانت ثورة 1919 بمثابة عملية نقل قلب للشعوب عن طريق حدث عنيف ولعبة كبيرة تتحرك فيها الشعوب مطالبة باستقلالها دون أن تفهم ان بلادها ما احتلت أصلاً إلا لضرب معاقل الإسلام وأن رايات الوطن والحدود لا تهم الاحتلال وحتى لو عادوها, فإنهم يستطيعون الانتصار عليها أما راية الاسلام, فهي المشكلة الكبرى التي لا يمكنهم التعامل معها ولذلك كان لابد من الدفع بالمسلمين في هذا الاتجاه. وكل من يتحدث عن الوطن والحدود والعلم وهذه الصنميات الجاهلية العمياء, مهما كان إيمانه بهذه الأفكار وإخلاصه له, فهو في نهاية الأمر ومهما كان عدواً شرساً للاحتلال, فهو عدو يمكن احتواءه.
(لهذا اعارض دائماً ان يكون عنوان أي حراك هو الخبز أو الحرية فهذه مطالب شيوعية أو اشتراكية الطابع)
الجماهير التي ثارت واصطدمت بالاحتلال وخاضت ضده في بعض الأحيان مواجهات مسلحة, لم تكن تعلم أنهم يتحركون وفق أجندة أكثر خبثاً مما يتصورون, فالاستقلال الذي يطالبون به كانوا يطالبون به تحت راية وطنية !!
كان هذا هو المطلوب. تحويل الثورة على الاحتلال من الثوابت الاسلامية وتحت الراية الاسلامية ووفقاً للرابطة الاسلامية إلى حركة تحرر وطنية تتحدث عن الوطن والحدود .. الخ
كان هذا بعد سنتين من احتلال البريطانيين للقدس (وهم من سيسلموا غرب القدس فيما بعد للصهاينة سنة 1948) وكان من الضروري قطع كل صلة لهذه الشعوب مع الإسلام
كانت الثورة في سوريا ومصر تصب في صالح هذا الاتجاه وكان رد الفعل البريطاني العنيف يبني جبالاً من المقاومة ولكن في اتجاه الوطن والحدود
كانت الشيوعية تريد أن تحقق انتصارات على الدول الرأسمالية (بريطانيا وفرنسا حسب الدور المرسوم) ولكنها في الوقت نفسه تدفعها باتجاه الدولة الوطنية العلمانية وتقطع صلاتها بدولة الخلافة التي دامت 13 قرناً.
ولن تفهم لماذا دفعت المخابرات الأمريكية رجلها عبد الناصر باتجاه السوفييت بعد 33 سنة من ثورة 1919 ولن تفهم ما قاله مايلز كوبلاند في مذكراته عن تحريضهم لعملاءهم في الدول العربية ضد عبد الناصر, بعد ان أوصلوا رجلهم عبد الناصر إلى الحكم ودفعوه باتجاه السوفييت, ولن تفهم ترحيب كيرميت روزفيلت بصفقة الأسلحة التشيكية كما عُرفت وقتها لدرجة أنه املى على عبد الناصر الخطوط العامة لخطابه وانتهى الأمر بتعاطي كؤوس الخمر في جلسة ودية بين ضباط المخابرات الأمريكية وصديقهم جمال عبد الناصر, إلا حين تفهم لماذا كان ليون دي كاسترو سكرتير الماسوني الخائن سعد زغلول, يعمل بكل طاقته من أجل ثورة (تبدو ليبرالية) ثم يبدأ في مساعدة الحركات الشيوعية في مصر بعد موت سعد زغلول.
انها صناعة الأقطاب .. صناعة قطبين, أحدهما شيوعي والآخر رأسمالي .. وليعادوا بعضهما البعض وليتعاركا ولكن بدون إسلام. المهم هو وضع الإسلام في ركن مظلم والمهم هو تشتيت ذهن الشعوب المسلمة عن الإسلام وإخفاء رايته ليتعاملوا مع جماعة (يحيا الوطن).
هذا هو التاريخ المعكوس الذي يُدرس للشعب في مصر ولا يمكن التوصل لتحليل سليم للدور الروسي في المنطقة دون النظر في هذه الخلفيات التاريخية
- الصورة المرفقة هي غلاف لفيديو قديم قدمته على موقع يوتيوب بعنوان صديق الاحتلال