آيات عرابي تكتب| العتبة وتقسيم مصر!

يبدو أن المخطط الذي فهمه الجميع مع بدء اشتعال الحرائق في مناطق وسط القاهرة أعمق مما نرى. فمع حرق العتبة والغورية وغيرها من المناطق، خرج نائب محافظ القاهرة الانقلابي ليعلن نية العصابة في إخلاء عدد من المناطق التجارية بالقاهرة ونقلها إلى أماكن أخرى، وأكد شهود العيان في حريق العتبة مفتعل وأن هناك من أشعلوه ثم لاذوا بالفرار. 

ومع اشتعال الحرائق، خرج شاويش الانقلاب اليوم ليتحدث عن ضرورة إخلاء المناطق العشوائية خلال سنتين، وأعلن أن مليشيات الجيش مسؤولة عن عملية النقل. رسالة تهديد واضحة أن جيشهم المصرائيلي سوف يدخل في صدام خلال سنتين، وربما أقل مع أهالي المناطق العشوائية لنقلهم إلى مناطق أخرى. وتزامن هذا مع حريق أضرموه في غرفة التخطيط بمحافظة القاهرة لتضيع سجلات معالم القاهرة الأثرية وكل ما يدل على ملكية أصحابها. 

التفسير الشائع الآن هو أن المناطق قد بيعت لمستثمرين من الإمارات وأن هذه الحرائق تمهيد لإخلائها، وهو تفسير يبدو منطقيا في ظاهره، إلا أنني أرى أن حقيقة الأمر تتخطى حدود ذلك التفسير ما به من منطقية، كما أصبحتُ أرى أن الأمر يتعدى حدود التخويف والعمليات الإرهابية التي يمارسها العسكر ضد الشعب لمنعه من الثورة، فلسنا فقط بصدد عملية بيع جديدة لمنطقة وسط القاهرة ولسنا بصدد صفقة تيران وصنافير جديدة فحسب، ولسنا فقط بصدد عملية تخويف من نوعية حريق القاهرة الذي أشعله جمال عبد الناصر في يناير 1952، بل لا يمكنني أن أرى هذا كله إلا في ضوء الدراسة التي كتبها الأستاذ عامر عبد المنعم على عدة أجزاء عن تقسيم مصر إلى دويلات ووضع دويلة مسلمة في المنتصف، بينما يتم وضع الدويلة القبطية على الأطراف الغربية لمصر، وهي دراسة تتوافق مع ما ذهبت إليه دراسة صهيونية نُشرت في الثمانينيات بعنوان (استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات والتسعينيات). 

كما لا أعتقد أن ما يحدث الآن من حرائق متعمدة يبتعد كثيرا عن تصريح السفيرة الأمريكية بالقاهرة قبل الانقلاب، حين قالت أن اليهود سيعودون إلى مصر سنة 2016. الدراسة الصهيونية وتصريح السفيرة الأمريكية هي الأجزاء الناقصة في الصورة الغامضة، فإخلاء وسط العاصمة وتسليم أراضيها للواجهات الإماراتية (التي يختفي خلفها بالطبع العدو الصهيوني كما في صفقة تيران وصنافير، وكما في صفقة غاز البحر الأبيض المتوسط) يتطلب إخلاء مناطق وسط القاهرة وما حولها من أي كثافة سكانية قد تعطل العملية، وربما كنا بصدد منطقة معزولة في وسط العاصمة يريدون إقامتها لإدارة شؤون المحمية الطبيعية من خلالها، ونصبح وقتها أمام أحد أفلام الخيال العلمي، فتتم إزاحة السكان إلى أطراف العاصمة بحيث يكونون غير قادرين على تعطيل العمل بالمركز، وعدم الشوشرة على المؤسسات التي يمكنها وقتها ممارسة عملها في قمع الشعب بصورة آمنة، بينما الشعب على الأطراف لتحقيق أقصى قدر من الحفاظ على مؤسساتهم وضمان استمرار آلة القمع, وتصبح منطقة وسط القاهرة بحدودها الأوسع منطقة معزولة يتم تسكين مؤسسات العسكر بها حول المناطق التي يتم بيعها للمستثمرين الصهاينة، وبحيث يمكن تنظيم قوات داخل المركز المعزول للسيطرة على السكان على الأطراف. 

نحن بصدد خط بارليف جديد داخل مدينة معزولة داخل المدينة وتغيير للتركيبة السكانية للقاهرة وعصر جديد من التقسيم ينوون تدشينه بمصر، ومرحلة جديدة من مراحل الاحتلال العسكري تشبه ما قرأته عن الأخ الأكبر. 

علينا جميعا أن ندرك أننا قد نكون بصدد عصر استعباد جديد ينوي العسكر تدشينه في مصر، مرحلة ستبدو الستون عاما الماضية بالنسبة لها جنة، إن لم تنجح الثورة في تعطيل كل هذه المخططات وتحقيق نصر حقيقي.