قديماً قرأت أن الأمهات في الصين يضعن أقدام بناتهن في قوالب معدنية حتى لا تنمو أقدامهن وتظل صغيرة.
كلما صغرت قدما الفتاة في ريف الصين كلما ارتفعت فرصها في الزواج.
القدم تُحبس منذ الصغر, فتتوقف عن النمو الطبيعي
لا اعلم في الحقيقة مدى تأثير هذا على باقي الجسد, ولكن كقاعدة, كل ما هو غير طبيعي مضر.
العقل المصري مثله مثل قدم الطفلة الصينية, وُضع في قالب منذ الصغر.
حُبس في حظيرة محاطة بسور سموه الحدود.
لا الحدود صناعة مصرية, ولا الدولة نفسها صناعة مصرية
كلمة “الدولة” تلك اللبانة على لسان الدولجية والعسكر, هي نفسها صناعة بريطانية
الدولة في مصر هي أشبه ما تكون بالحذاء.
خرج من ورشة صناعة فرنسية, اشتراها اسكافي بريطاني بعد فترة, فطبعها بطابعه وقام بترقيع النعل, ثم اشتراها اسكافي أمريكي, فقام بتلميعها وترقيعها حتى بدت كالجديدة.
وفي النهاية وصلت إلى يد المستثمر الصهيوني الذي كان يمول الاسكافي الفرنسي ثم البريطاني ثم الأمريكي والذي قرر في نهاية الأمر, وضع يده على الحذاء وادارة الورشة بنفسه.
كتبتُ بالأمس أقول أن مصر منفصلة عن محيطها الاسلامي قرنين من الزمان.
ولا حاجة لي هنا أن اتغنى بأهمية مصر الجيوسياسية, ويكفي في هذا الشأن التذكير بأن مصر هي عمق فلسطين وامتدادها الجغرافي والأمني.
تجارب الصليبيين مع مصر مريرة.
مصر كانت دائماً قاعدة التجهيز الآمنة التي انطلقت منها جيوش المسلمين للتحرير أو لصد الهجمات.
على الرغم من أن جيش صلاح الدين لم يكن به جنود ولا قادة مصريون وعلى الرغم من أن جيش قطز لم يكن به جنود ولا قادة مصريون كما تقول الاسطورة العسكرية الحديثة
(كانت جيوشهما مكونة من الأتراك والمماليك والأكراد والمغاربة)
الا أن دور مصر في هذه المعارك لا يمكن إغفاله
فطن العدو الصليبي لهذا مبكراً, فكانت حملة لويس التاسع الصليبية على مصر.
مسلمو مصر لعبوا دوراً حاسماً في تلك الحملة, وانتهت بأسر لويس التاسع.
الرجل لم يقض ساعات الأسر في الحسرة, بل اعد برنامجاً غاية في الدقة للاختراق من الداخل والتغريب, مازال ينفذ حتى الآن.
عاود الصليبيون الكرة مرة أخرى فكان الاحتلال الفرنسي الذي لم يستقر في مصر أكثر من ثلاث سنوات, فالإسلام كان قوياً فتياً متغلغلاً في نفوس المصريين حتى أنك تقرأ أن الحرافيش كانوا يسيرون في شوارع مصر هاتفين (حي على الجهاد) وهم يسرعون الخطى لمعسكرات الفرنسيين في الازبكية لاقتحامها.
لم يستقر الصليبيون في مصر
ولكنهم هذه المرة كانوا قد جهزوا خط دفاع ثانِ
انتقامهم الذي دام قرنين حتى الآن ومازلنا نعاني منه
على الفور استلم رجلهم محمد علي مقاليد الحكم في مصر, يعاونه رجال نابليون في مصر وأعضاء الشبكة الماسونية التي تركها الفرنسيون في مصر, ويعاونه تنظيم شيعي
(حقائق تاريخية يمكن الرجوع إليها في كتب الجبرتي وتقارير الشرطة النمساوية التي تحدثت عن النشاط الماسوني في مصر بقيادة قنصل فرنسا واتصاله بماسونيي اليونان ودور محمد علي في كل هذا)
هناك فيلم قديم لجيم كاري وكيت وينسليت اسمه (اشراقة ابدية لعقل نظيف)
إن كنت شاهدت الفيلم, فقد وفرت عليّ وإن لم تكن شاهدته, فالقصة باختصار أن فتى وفتاة انفصلا واراد كل منهما أن ينسى الآخر, فاستأجرا خدمات شركة تقوم بمحو الذاكرة لينسى كل منهما الآخر وليستمرا في حياتهما ولكن هناك في قاع عقل كل منهما ذكرى مبهمة تقفز من حين لآخر, وينتهي الفيلم بعودتهما إلى بعضهما.
حسناً
هذا هو ما حدث في مصر بالضبط
عملية محو ذاكرة
بل عملية محو دين كاملة تدريجية تقف خلفها قوى عاقلة درست المجتمع في مصر جيداً وتجيد التعامل معه.
السيناريو التغريبي بدأ باختراق الأزهر وانشاء جيش المرتزقة (الذي يلغي فكرة الجهاد ويجعله حكراً على مؤسسة تابعة للحاكم تتدرب على يد المحتل) ثم البعثات إلى فرنسا والتي جاءت معها بذور العلمنة ثم تلتها المرحلة الثانية وهي محو الحدود بين الاسلام وبين غيره, فالغى الخديوي سعيد (وكان شاذا جنسياً) الجزية على غير المسلمين والغى ((بقانون)) الاحتفالات التي كان يقيمها المسلمون حين يعتنق أحد النصارى الاسلام كما سمح لهم بدخول الجيش الذي انشأه والده.
وجاء الاسكافي البريطاني ليطمس ما بقي من اسلام في مصر بخطوات تدريجية.
وُضع المسلمون في مصر على خط انتاج في ورشة غربية, فخرجوا منها بعد 150 عاماً من التغريب بدويلة صنع حدودها المحتل بعد أن كانت مجرد اقليم من اقاليم الخلافة الاسلامية, دولة يردد بسطاءها عبارات بلهاء مثل (الدين لله والوطن للجميع – الفتنة الطائفية .. الخ)
جرى عبر 150 سنة تخفيض السقف.
المسلم الذي كانت السماء سقفه والله الهه, اصبح يعبد الحدود تحت سقف الحظيرة الخفيض الذي لا يسمح له برفع رأسه ويصلي لصنم الوطنية, اصبح مصرياً أو (ميسرياً) كما يسميه شاويش الانقلاب.
استسلام تام للعصابة التي عينها الاحتلال ورضوخ كامل لثوابت بديلة وُضعت بدلاً من الدين.
بدلاً من الخيانة والردة, اصبحت كلمات مثل فساد واستبداد هي الأكثر استخداماً.
اصبح يثور تحت السقف ويعترض تحت السقف وينفعل ان احاول أحدهم هدم السقف.
مصاص الدماء الذي يخشى من نور الشمس.
يعلم أن هناك شمساً ويخشى أن يراها.
الضوء يؤذيه .. يحرق جلده.
وللحديث بقية ان شاء الله