آيات عرابي تكتب | العيال السريحة

عند وفاة العز بن عبد السلام رحمه الله قال بيبرس في جنازته: “الآن تم لي ملكي بعد موت العز بن عبد السلام لأنه لو كان قال للناس اخرجوا عليه لخرجوا كلهم على ولسلبوني الملك”
ثورة القاهرة الأولى والثانية خرجت من الأزهر, سليمان الحلبي رحمه الله الذي قتل كليبر كان طالباً بالأزهر.
حتى محمد علي لم ينجح في الوصول لعرش مصر الا بمباركة علماء الأزهر الذين خدعوا فيه.
المقبور عبد الناصر تنبه لذلك جيداً, فحرص منذ البداية على إلغاء دور الأزهر لتثبيت حكمه, كما اتخذ عدة إجراءات أخرى كان من بينها محاولة القضاء على الإخوان المسملين (كان القضاء على الإخوان بالنسبة للمقبور مهمة كلفه بها أسياده في السي آي إيه ووسيلة في الوقت نفسه).
ومع تحييد دور الأزهر, بدأ إعلام العسكر في ضخ كمية هائلة من السموم لعلمنة المجتمع.
شاهد أفلام الستينيات وستظن لوهلة أن هؤلاء لم يسمعوا عن الإسلام, حتى جملة (ان شاء الله) لم تكن تقال في الأفلام الا نادراً, فتحوا صنبور العري على المجتمع, ففي كل بيت هناك ثلاجة خاصة للخمور, وطالب الجامعة لا يفعل شيئاً في حياته الا الركض خلف حبيبته ثم احتساء كميات ضخمة من الويسكي بعد أن تتركه لتعجب به الراقصة بعد أداء (نمرتها) لتدور قصة حب فرعية ثم يتركها ليعود لحبيبته في نهاية الفيلم, والزيجات لا تتم الا بوجود راقصة تتمايل بين المدعويين ( هكذا صوروا المجتمع في السينما).
كانت عملية سحق نفسي وعلمنة للمجتمع كله وفصله عن الدين.
وفي عهد السادات, كان من الضروري أن يخرج السوفييت من المنطقة, وتطلب هذا حرباً داخلية على الشيوعيين والناصريين, فسمح السادات للتيار الإسلامي بالدعوة, وبانتهاء عهد السادات وبداية عهد المخلوع بدأت مظاهر التدين تغزو المجتمع, فكان لابد من تقديم إسلام حكومي بنكهات مختلفة لتفتيت الكتلة السكانية المسلمة الراغبة في الالتزام بدينها وإبعادهم عن صحيح الدين وتقسيمهم إلى تيارات يصنعها الإعلام, فالدين يجعلك في مواجهة النظام العسكري راغباً في إزالته, فكان من الضروري بالنسبة لهم تقديم إسلام عسكري منزوع الدسم بنكهات مختلفة.

فتم تصدير عدة تيارات وهي الإسلام الكيوت (ويمثله عمرو خالد ومعز مسعود ومصطفى حسني وغيرهم) وهم دعاة كيوت على غرار أحد المشاهد في فيلم (طير انت) الكوميدي حين قال الممثل (احنا سكسي جيغلز وبيكيني ومفيش عندنا اغهاب وبنعمل شوبينج وناس متحضغين زيهم).

التيار الثاني كان تيار اسلام حسان ومحمود المصري وأشباههم, وهو تيار اجتذب شريحة لا بأس بها من الجمهور.
والتيار الثالث كان تيار الاسلام الأزهري العسكري ويمثله (خالد الجندي وعلي كفتة وغيرهم).
وتم خلق نزاعات بين المعسكرات الثلاث, حتى تستمر عملية الاستقطاب والتشبث بالمعسكرات, وعلى الرغم من الخلافات المفتعلة بين المعسكرات الثلاث, فقد ظلت المناطق المحظورة هي الحديث في السياسة والخروج على الحاكم وكل تلك المسائل من ثوابت التيارات الإسلامية الحكومية, فالتيارات الثلاث عبارة عن عيال سريحة تدربوا في مكاتب أمن الدولة والمخابرات وتم تسريحهم على المجتمع ليجتذب كل منهم شريحة بعينها.

عالم واحد من نوعية الشيخ المحلاوي قادر على إسقاط نظام بأكمله ولذلك يعمد العسكر لتشويههم وتدمير سمعتهم عبر إعلامه ليحجب تأثيرهم عن المجتمع.
ثم يأتي بعد ذلك دور كتيبة المشخصاتية, الذين يقدمون جرعات من الانحلال والتفسخ الأخلاقي في وجود النكهات الإسلامية الحكومية, فيصبح سكوتهم عن ذلك (وهم لا يملكون السكوت من عدمه) رضى بجرعات العلمنة والتحلل الأخلاقي المقدمة ليتقدم المجتمع خطوة إلى الأمام في اتجاه العلمنة.

هؤلاء العيال السريحة وكتيبة المشخصاتية هم أهم أدوات النظام العسكري بعد الجيش والشرطة والقضاء والإعلام, ولذلك يجب بدون مبالغة تدميرهم إعلامياً وكشفهم أمام الشعب وعرض فضائحهم وتدمير الهالة النمطية التي احاطهم بها الإعلام مما يعني إفقادهم القدرة على التأثير في قطاعات الشعب وإخراج تلك القطاعات خارج منظومة السيطرة الإعلامية للعسكر.